تعرفنا فيما مضى على ضوابط المال الحلال وشروطه، ثم بدأنا النظر ــ فى المقال السابق ــ فى المال الحلال الطيب. وجعلنا ضابط التفريق بين الحلال والطيب: أن الحلال هو المال الناتج من مصدر حلال خالٍ من الشبهات كأن يكون من عمل مشروع شريف أو إرث أو هدية أو هبة مشروعة. أما المال الطيب: فهو المال الحلال الذى تم تصفيته من الحقوق وأول هذه الحقوق: الزكاة والصدقة، كما ذكرنا.
ــ1ــ
وثانى الحقوق فى المال الطيب هو حق «الأصول والفروع» وسائر ذوى القربى، وفرض الله حقوق هؤلاء فى آيات واضحات فى القرآن الكريم مثل قوله تعالى: ((وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض))، ثم ذكر سبحانه بالأمر المباشر: ((وآت ذا القربىٰ حقه))، وأيضا فى قوله تعالى: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربىٰ)).. هذه الآيات كما نرى جاء فيها الفرض والأمر متعلقا بالقرابة دون أى شرط آخر.. فما معنى مصطلح «ذوى القربى» فى القرآن الكريم؟
ــ2ــ
«القرابة» صلة تحقق ضرورة اقتراب وتقارب بين الأطراف.. وأشهر هذه القرابات: قرابة النس، أقارب الإنسان من أصوله: الآباء والأجداد إن وجدوا، ثم من فروعه وهم الأبناء والأحفاد (أولاد البنين) والأسباط (أولاد البنات)، ثم تأتى قرابة الحواشى وهم الأخوة والأخوات الأشقاء ثم الأخوة للأم أو للأب، ثم أخوة الرضاع ثم تأت قرابة ذوى الأرحام من خالاتك وعماتك ونسل هؤلاء جميعا، ومع اتساع دائرة قرابة النسب فإنها جزء من «ذوى القربى».
ــ3ــ
وبعد قرابة النسب تأت «قرابة المصاهرة»، تلك القرابة التى تنشأ من علاقة الزواج؛ حيث تقاربت الأسرتان وتوافقا على إنشاء خلية جديدة (فرع من الأسرتين)، فلا يصح عقلا وقبل الشرع أن يقدر أحد أطراف علاقة الزواج على نفع وإسعاد طرف آخر ثم لا يفعل ولا يجتهد!!! فما معنى التقارب والتزاوج إذا؟!
ــ4ــ
وبعد قرابة النسب وقرابة المصاهرة تأتى «قرابة الجوار» وتلك قرابة تجاور المكان وأهمية كل جار لجاره من حيث الحرص على عدم إضراره، والاهتمام بما ينفع جاره. فالجار بالنسبة لجاره أقرب مكانا وأسرع إغاثة وأكثر لقاءا، لذلك عظم القرآن الكريم حقوق الجار، فقال تعالى: ((وبالوالدين إحسانا وبذى القربىٰ واليتامىٰ والمساكين والجار ذى القربىٰ والجار الجنب)). وقد وردت أحاديث نبوية صحيحة تبين معنى «قرابة الجوار».
ــ5ــ
ومن أنواع القرابة «قرابة المصاحبة». و«المصاحبة» هى سائر أنواع الزمالة التى يعيشها الإنسان وقرابة المصاحبة التى أشار اليها القرآن بقوله تعالى: (( والصاحب بالجنب)) . فالتلميذ والطالب يصاحبون زملاء الدراسة لوقت طويل يوميا، ولزمن طويل نسبيا لطول مراحل الدراسة. فهل يجاور الإنسان صاحبا فى مرحلة دراسية مثلا بين الأربعة والست ساعات يوميا، ولاتكن بينهما علاقة تقارب ومحبة ويتكامل كل منهم مع الآخر؟ وأكثر من صحبة الدراسة «زمالة العمل « فى مؤسسة واحدة.. فكل تلك العلاقات هى درجة من درجات «ذوى القربى» التى أمر الله بها وفرضها.
ــ6ــ
فإذا عدنا إلى موضوعنا ــ المال الطيب ــ عرفنا كيف يصبح المال الحلال مالا طيبا. فالمال الطيب هو المال الذى تم تنقيته من حقوق الله وحقوق العاد. تلك الحقوق التى أشرنا إلى رءوس موضوعاتها وأظن أنها بحاجة إلى تفصيل أسأل الله الإعانة عليه.