أمريكا تتحمل بعض المسئولية - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا تتحمل بعض المسئولية

نشر فى : الجمعة 4 مارس 2022 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 4 مارس 2022 - 10:00 م
يتحدث الأمريكيون متسائلين: تُرى لو كان ترامب فى السلطة هل كان لبوتين أن يجرؤ على القيام بهذا الفعل؟. ففى الوقت الذى كان بوتين يُعلن غزوه بجيشه أوكرانيا كان بايدن يُعلن أنه «من المهم رفع صلوات من العالم أجمع لأجل نصرة أوكرانيا»، وهذه الجملة الأخيرة يقولها رجال الدين الذين لا يحملون فى أيديهم سلاحًا، أما أن يقولها رئيس أكبر دولة فى العالم والذى يمتلك أقوى الجيوش، فهذه هى المأساة بعينها؛ لدرجة أنها صارت طُرفة يُرددها الشعب الأمريكى: «بوتين يغزو وبايدن يُصلى».
منذ أن أعتلى بوتين سدة الحكم فى روسيا لم يهدأ أو يستكين، وكأنه كان يفكر أنه فى حالة نجاحه واكتمال خطته سوف يجعل ترسانة أسلحة روسيا من القوة بمكان لهزيمة أى جيش فى العالم، وكأنه يريد إعادة ما يشبه الاتحاد السوفيتى، ففى عام ٢٠٠٨م استخدم أسلحته ضد جورجيا وانسحب بعد خمسة أيام، وفى عام ٢٠١٤م استخدمها ضد أوكرانيا، وفى عام ٢٠١٥م حارب بها فى سوريا، وقد انتصر فى كل هذه المواقع، وحوّل كل هذا النجاح فى ساحة المعارك إلى انتصارات عالمية. ولقد حرص بوتين على تسليح روسيا بقوة وعينه على تسليح أوروبا الشرقية ككل، وكان مقصده أن يكون متفوقًا على الترسانة ذات القدرات الغربية، وهكذا حقق ما كان يَحلُم به، وهو أن يقف العالم الغربى بكل قوته وترسانته موقف المتفرج المنبهر المتردد. لكن باستعراض بوتين لقوته ضغط على جورجيا فجعلها تُقدم تنازلات سياسية مهينة، وفى أوكرانيا نشر وحدات عسكرية نظامية لبضعة أسابيع فأرغم كييف على التوقيع على اتفاق سلام مهين أيضًا. وفى عام ٢٠١٥م تدخلت روسيا فى سوريا لكنه أحس بأنه تورط فى مستنقع، لكن ما اعتبَره هو انتصارًا كمقاتل مُحترف هو قيامه باختبار أكثر الأسلحة تطورًا لديه. وهكذا نجح بوتين فى تطوير الجيش الذى فقد قواه ونظامه وحوله إلى قوة قتالية حديثة؛ بدءًا من الصواريخ الجديدة إلى أنظمة الحرب الإلكترونية المتطورة. وهكذا امتلك بوتين قوة صارمة ظاهرة فى صواريخ «كروز» القوية والتى ضربت أوكرانيا مؤخرًا.
ما من شك أن الجيش الأمريكى يملك جنودًا أفضل تطورًا وتدريبًا وتنظيمًا من الجيش الروسى، لكن هنا ليس المهم لدينا من هو الأفضل عتادًا وتدريبًا، لكن المهم هو القدرة على استخدام القوة لتحقيق أهداف محددة. لقد طورت روسيا على وجه التحديد القُدرات اللازمة لإعادة بناء نفوذها فى أوروبا الشرقية، وفى الوقت نفسه لاحظ الخبراء العسكريون للولايات المتحدة الأمريكية أن حيز المناورة المتاح لهم فى المنطقة يتقلص شيئًا فشيئًا، حيث تحيط بهم أنظمة روسية مضادة للطائرات الحربية الأمريكية هذا فضلًا عن تهديدات بحرب إلكترونية.
• • •
بلا شك أن تحول الثقل العسكرى فى أوروبا شيئًا فشيئًا لصالح روسيا كان خيارًا متوقعًا، لكن تركته الولايات المتحدة يحدث، ولذلك هى تتحمل جُزءًا من اللوم والتقريع، وهذا التفوق الروسى كان موجودًا نسبيًا منذ عام ٢٠١٤م. لقد كان الخطأ الأمريكى الذى وقع فيه بايدن ولم يكن من السهل وقوع أى رئيس أمريكى آخر فيه، وخاصة ترامب، أنه بمجرد توليه مسئولية الرئاسة قام بتخفيض الإنفاق العسكرى، وذلك بمجرد إدراكه مسألة التضخم الاقتصادى، ورغمًا عن ذلك ظلت القوة العسكرية الأمريكية هى الأقوى حيث إن ميزانيتها تتراوح بين الـ٧٠٠ إلى الـ ٨٠٠ مليار دولار سنويًا تقريبًا، وهذا بلا شك أمر عظيم، لكن لدى روسيا ميزة تتمثل فى أن ميزانية مرتبات الجنود والضباط ضئيلة بالمقارنة بالجيش الأمريكى، وأيضًا ميزة أخرى أن يتم إنتاج المُعدات محليًا، من هنا وعلى مدى العقدين الماضيين نمت ميزانية الدفاع الروسية بسرعة أكبر بكثير من ميزانية الدفاع الأمريكية. لكن ليس هذا هو المهم هنا، المهم هو كيف يتناول الأمريكيون السياسيون منهم والمثقفون والصحفيون تحليلاتهم بطريقة أكاديمية صحيحة وليست بطريقة عشوائية، وذلك لا يتم إلا بالوصول إلى كيف فكر بوتين وأعوانه من مفكرين استراتيجيين ونصحاء من حوله؟ وكيف انتهوا إلى قرار الحرب؟ وهنا علينا نحن كمحللين أن ندرك كيف فكرت أوروبا وأمريكا لإقناع بوتين أن يتراجع عن خيار الحرب، وكان أول ما فكروا فيه هى محاولة إشراك بوتين فى ما يُسمى «السيادة الوطنية» والتى تمثل أساس القانون الدولى، ومن هذه النظرة يكون إعلان الحرب من بوتين خرقًا صريحًا لهذا القانون. أما دول الشرق وفى مقدمتهم روسيا فترى أن التحالفات، وليست الدول، هى التى يجب النظر إليها، وأن محاولة ضم أوكرانيا لحلف الناتو الغربى إنما هو تهديد مباشر لروسيا يصل إلى جسدها ووجودها أى بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت. وقد نَّظر لهذه الفكرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فهى ليست مجرد تهديد للأمن القومى الروسى فحسب لكن تنطلق من مشروعية عالمية بما يدعونه «منطلق درء الخطر».
بين هاتين الفكرتين يسقط وبجدارة المحللون العرب، فمن التحليلات التى ترددت فى بعض الفضائيات العربية الإجابة على سؤال: هل غزو أوكرانيا هو الخطوة الأولى التى ستدفع العالم إلى حرب عالمية ثالثة؟ وهنا تبدو السذاجة التحليلية فلقد تجاوز العالم فكرة ومشروع الحروب العالمية وأيضًا الحروب الباردة. إن الحروب اليوم هى حروب اقتصادية، فحركة المال العالمية هى مفتاح النصر أو الهزيمة، وهكذا علينا أن ندرك أن الموقف الأوروبى ليس موحدًا وليس أيضًا صلبًا وقد غابت عنه القيادة الحازمة، وأعتقد أن بوتين فكر كثيرًا قبل إعلان الحرب فى الإجابة على سؤال «كيف سيكون الموقف الأوروبى؟»، ورأى أنه موقف لن يكون موحدًا كما أنه ليس صلبًا وقد غابت عنه القيادة الحازمة، وهكذا اتخذ بوتين قرار الحرب دون تفكير فى العواقب أو تبعات الغزو، وذلك أنه على الرغم من أن الجيش الأمريكى يملك جنودًا أفضل تدريبًا وتنظيمًا غير أنه فى عصرنا الحالى ليس المهم الأفضل تدريبًا وعتادًا لكن الذى لديه القدرة على استخدام القوة، لإعادة بناء نفوذ روسيا فى أوروبا الشرقية.
• • •
فى ذات السياق اكتشفت أمريكا تقلص دورها فى المنطقة بشكل واضح، حيث تحيط بها أنظمة روسية مضادة للطائرات فضلًا عن تهديدات الحروب الإلكترونية. لقد رأى العالم وأحس أن التوازن العسكرى فى أوروبا تحول لصالح روسيا، ومن هنا على الولايات المتحدة أن تتحمل اللوم.
فى الختام نقول إنه قبل الغزو السوفيتى لأوكرانيا كان الشائع فى أمريكا السخرية من الرئيس الروسى بسبب نظرته إلى العالم الراهن كأنه يعيش فى القرن التاسع عشر سواء فى ملبسه أو طريقة سيره أو... إلخ، لكن استطاع هذا الرجل أن يجعل قوس التاريخ ينحنى فى اتجاهه بشكل يبدو طبيعيًا لدرجة أن العالم وقف وعلى رأسهم الولايات المتحدة يتفرجون على المدرعات الروسية وهى فى طريقها إلى كييف وهم غير قادرين على إيقافها.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات