آراء متضاربة بشأن خطة ترامب حول غزة

الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 - 5:40 م

عامان مرا على حرب الإبادة الوحشية على قطاع غزة، لم يحقق فيهما مجرم الحرب، بنيامين نتنياهو، هدفًا واحدًا من الأهداف، التى أقرَّها مجلس حربه: لم يستعدْ أسيرًا واحدًا تحت ضغط عسكرى مهول ومتواصل، ولم يحقق «نصرًا مطلقًا»، كما ردد دائمًا، ولم يستأصل شأفة «حماس»، ويجتثها من الوجود، ولم يقض على سلطتها، العسكرية والسلطوية فى القطاع، رغم احتلاله ما يقارب 80% من مساحته، وتدميره ما يقارب 70% من مبانيه.

 


إزاء هذا الوضع، وإزاء العزلة الدولية، التى واجهتها إسرائيل، وإزاء تخبط نتنياهو، نفسه، وعجزه عن اتخاذ قرار بشأن إنهاء الحرب، امتدت إليه يد سيد البيت الأبيض لتنتشله، من تخبطه، وفرضت عليه قبول خطة العشرين نقطة ــ إحدى وعشرين فى بعض الروايات. لاقت الخطة قبولًا كاسحًا لدى غالبية الإسرائيليين، بمن فى ذلك، حتى، الماشيحانيين، المتطرفين، دعاة التوسع والاستيطان، تجار الموت، ومصاصى الدماء.
يمكن القول، إنهم تلقفوها بلهفة، كأنها طوق نجاة. وهى كذلك بالفعل. مع ذلك، انقسمت الآراء إزاءها، وتجادل الإسرائيليون، كعادتهم، حولها. منهم من رأى أنها إعادة إنتاج لاتفاقيات «أوسلو»، لكن «بنسخة تجارية، وشعبوية، فارغة من مضمون سياسى حقيقى»، كما يقول، شمعون شيفس؛ ومنهم ــ يوآف ليمور ــ من أشار إلى أنها قضت على خمسة أحلام راودت نتنياهو وشركاءه فى الائتلاف الحكومى، هى: طرد سكان غزة، وتجديد الاستيطان اليهودى بالقطاع، وبقاء الجيش الإسرائيلى بشكل دائم فى عمقه، والسيطرة عليه أمنيًا، ووضع فيتو على مشاركة السلطة الفلسطينية فى حكمه. يشير، ليمور، أيضًا، إلى أن الخطة أنقذت إسرائيل، فى اللحظة الأخيرة من جملة من المخاطر، منها: «الضغط الدولى المتزايد، والضغط العربى، الذى هدد اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، واتفاقيات أبراهام، ومن الضغط الواقع على الجيش الإسرائيلى، الذى وجد صعوبة فى الصمود فى وجه الأعباء، والنقص فى الوسائل القتالية، وفى قطع الغيار، ومن الضغط الداخلى فى إسرائيل، الذى أحدث انقسامًا داخل المجتمع».
ورأى تيارٌ من اليمين أنها تفرض على إسرائيل، أن تنسحب من مناطق فى قطاع غزة احتلها الجيش الإسرائيلى «بجهد جهيد، وبأثمان باهظة»، كما يقول أريئيل كهنا، الذى يزعم أنها ليست مناطق عادية، وإنما أجزاء مما أسماه «أرض إسرائيل»، هى بزعمه «ملك شعب إسرائيل بمقتضى التوراة». لم يتقبل هذا التيار خطة ترامب لأنها «تجهض حلمه فى إعادة استيطان القطاع، وتكفر بفكرة يهودية غزة، وتعيد واقع غزة العربية إلى الطاولة. جسم غريب إلى جوار الدولة»، بحسب ماتى توخبلد.
• • •
من ناحية أخرى، لا يرى، نداف هعتسينى، أىَّ إنجاز فى الخطة، الغامضة ــ بحسب تعبيره ــ يدعو الإسرائيليين للفرح، سوى استعادة الأسرى فقط، أما ما عدا ذلك، فهو إنجاز لـ «حماس»: «باستثناء الفرحة من أجل إطلاق سراح الأسرى ليس ثمة سبب آخر يدعو للفرح. طبقًا للمخطط الغامض ليس فقط أن حماس انتصرت ونحن هزمنا. لكن المستقبل أكثر مدعاة للقلق. لقد ظلت حماس فى مكانها، جريحة، لكنها تقف على قدميها. والأخطر أنها ستظل على ما هى عليه وستظل تمثل تهديدًا لنا. هذا هو الفشل المطلق».
يتفق هذا الرأى مع تقديرات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التى تشير إلى أن حماس «تلقت ضربة شديدة لكنها ما تزال واقفة على قدميها، وتستطيع أن ترمم نفسها من دون نشاط عسكرى إسرائيلى مكثف وبعيد المدى ضدها». هذا التأكيد على أن «حماس» باقية، رغم ما لاقته، مؤشرٌ على أن التطلع الإسرائيلى لتركيعها كان مبالغًا فيه، وعلى أن القوة المفرطة ضدها كان ضررها أفدح من نفعها، كما يقول، ناحوم برنياع: «المشكلة الكبرى أننا لم نجد وسيلة عسكرية لتركيع حماس من دون التسبب فى موت عشرات الآلاف من المدنيين وفى كارثة إنسانية لملايين. ربما لم نجتهد بما فيه الكفاية؛ وربما ذهبنا بعيدا جدا فى تطلعنا إلى تركيع حماس».
• • •
من ناحية أخرى، ينتقد، نداف هعتسينى، الحملة الممنهجة، التى تصور استعادة الأسرى على أنه نصر و«إنجاز قومى»، قائلا: «يزيف ساسة معدومو الضمير والنزاهة، بزعامة بنيامين نتنياهو، صورة لتحقيق نجاح، بل وصورة لتحقيق نصر. نحن لم نحقق شيئًا باستثناء إعادة المخطوفين، بعد مقتل أكثر من ألفى إسرائيلى، وإصابة نحو 30 ألفًا، وبعد معاناة ورعب، وصدمات، وعشرات الآلاف من المجندين، والإضرار المستمر بالاقتصاد. ستنسحب إسرائيل تمامًا إلى خطوط فك الارتباط من أجل الحصول على الجثث. هى وافقت جوهريًا على وقف الحرب، ومن الواضح أن حماس حصلت على ضمانات أمريكية ودولية، كما طلبت». ثم يتساءل، ساخرًا من الشعارات التى رفعها نتنياهو ومجلس حربه: «أين اجتثاث حكم حماس؟! أين تصفية القوة العسكرية والسلطوية لها؟! لماذا فشلنا إلى هذا الحد؟!».
لكن ثمة نقطتين بالخطة يزعجانه، ويمثلان، فى رأيه، خطرًا وجوديًا على إسرائيل، هما: تدويل النزاع، وإدراج موضوع الدولة الفلسطينية، ولو تلميحًا، بها: «حين وافقت إسرائيل على تدويل النزاع، فإن قوة متعددة الجنسيات تهيمن عليها قطر وتركيا ــ ألد أعدائنا ــ هى التى ستتولى الزمام المفترض على حدودنا، كما أن إدراج مسألة فلسطين على جدول الأعمال، يضع أخلاقية وجود دولة إسرائيل موضع تساؤل».
• • •
فى مقابل كل هذه الآراء، التى تنظر بعين الريبة والقلق إلى خطة ترامب، يرى، ماتى توخبلد، مدير عام معهد دافيد لسياسات الأمن، أن الخطة حققت مكاسب جمة لإسرائيل، من بينها، إطلاق سراح جميع الأسرى، بلا استثناء، على الفور، وهو أمر لم توافق عليه «حماس» قبل الانسحاب الكامل من القطاع وإعادة إعماره، وبقاء إسرائيل فى محور صلاح الدين (فيلادلفى) والإشراف على المعابر الحدودية، مشيرًا إلى أن المرحلة الأولى من الاتفاق تفضى إلى نتيجة تختلف تمامًا عما طالبت به الحركة قبل بضعة أشهر فقط: إبقاء حكم «حماس» على حاله مع إجراء مفاوضات لا نهائية حول إطلاق سراح بقية المخطوفين الإسرائيليين.
يتفق رأى توخبلد، مع ما أشار إليه مسئول عسكرى إسرائيلى، رفيع المستوى، فى حديث مع «يديعوت أحرونوت»، قال فيه: «يُعد إنهاء الحرب وكل الأسرى الأحياء بحوزة إسرائيل والجيش الإسرائيلى موجود بداخل الخط الأصفر بالقطاع إنجازًا غير عادى»؛ مؤكدًا أن «الميزان الاستراتيجى لإسرائيل، تحسن بشكل دراماتيكى خلال العامين الأخيرين، مع تفكيك المحور الشيعى، والتخلص من التهديد الإيرانى، وضرب حزب الله وتفكيك نظام الأسد».
من المكاسب الأخرى التى يشير إليها توخبلد، أن الخطة، بحسب رأيه، بصدد تحقيق حلم إسرائيل فى أن تكون جزءًا طبيعيًا من المنطقة: «مما لا ريب فيه، أن غزة ليست إلا خطوة نحو إجراء إقليمى استراتيجى أكبر بكثير، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما قال الرئيس، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو: إقامة تحالف أمريكى ــ إسرائيلى ــ سنى ضد إيران وأذرعها».
بهذا المفهوم، فإن إغلاق قصة غزة، على الأقل بالشكل الذى يضع مسارا لتسوية، سيتيح للزعماء العرب النزول عن الشجرة والاستجابة لمطلب ترامب. تقف الهندسة المعمارية الأمنية الإقليمية كلها أمام تغيير جوهرى، وسيتحسن وضع إسرائيل بشكل مؤثر من دون إقامة دولة فلسطينية، مع تحقيق أرباح مهمة.
من الآراء الأخرى، التى ترى أن خطة ترامب حققت مكاسب لإسرائيل، رأى عاميت سيجل، الذى يرى أن إعادة الأسرى يضع حماس فى وضع صعب ويجعل الوقت فى غير صالحها: «تغير إعادة المخطوفين الأحياء ومعظم الموتى الوضع تماما فى غزة. كان الوقت يعمل ضد إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، من الآن سيعمل ضد حماس. الحركة محاصرة. الجيش يطوقها من كل اتجاه. إعادة الإعمار فى مقابل نزع السلاح».
• • •
لكن، هناك رأيًا ثالثًا بين الرأى الناقم على الخطة والرأى المرحب بها، يرى أن كل طرف حصل منها على ما أراد، عبَّر عنه، آفى يساخاروف، الذى يقول: «يستطيع كل طرف الزعم بأنه انتصر. نجحت الحكومة الإسرائيلية، فى حقيقة الأمر، فى الحصول على ما بدا، حتى فترة قريبة، مستحيلًا، أى إطلاق سراح كل المخطوفين الأحياء وجزء من الجثث من دون انسحاب إسرائيلى كامل من القطاع، مع استمرار سيطرة الجيش على نحو 53% من مساحة القطاع، بما فى ذلك منطقة عازلة كبيرة للغاية. فى المقابل، حصلت حماس على وقف الحرب وعلى ما يبدو على ضمانات دولية من النوع الذى ستجد إسرائيل صعوبة فى انتهاكها، طالما تجرى مفاوضات حول المراحل الأخرى، وعلى مساعدات دولية أيضًا للقطاع ترمم بها سيطرتها على الأرض، بما فى ذلك السيطرة السلطوية. وحصلت حماس، فوق كل ذلك، على اعتراف دولى لم تحظ به من قبل قط».
ويلخص، عقيفا قام، الأمر بقوله: «هل الاتفاق ناجز؟ لا. هل به إنجازات؟ بالتأكيد. هل يتسق مع أهداف الحرب التى أعلن عنها الكابينت فى بداية الحرب؟ نعم ولا. سيعود المخطوفون، لكن حماس لم تدمر».
نحن أمام تناقض فى الآراء بشأن خطة ترامب، سببه الغموض الذى يحيط ببنودها، خاصة فيما يتعلق بالمراحل التالية منها. لذا، فإن التوقعات بشأن تنفيذها، بحذافيرها، مفتوحة على جميع الاحتمالات.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة