مساء يوم الثلاثاء الماضى سألت الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء السؤال التالى:
قُلتم فى آخر زيادة فى أسعار الوقود فى إبريل الماضى إنكم لن ترفعوا أسعار الوقود إلا فى شهر أكتوبر المقبل، هل تتوقعون أن تكون الزيادة المقبلة هى الأخيرة فى إطار هيكلة أسعار الوقود؟
السؤال كان خلال لقاء رئيس الحكومة مع رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية وبعض الكُتاب والإعلاميين فى مقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الذى استمر نحو ثلاث ساعات.
إجابة رئيس الحكومة جاءت كالتالى:
زيادة أسعار الوقود المقبلة قد تكون الزيادة الكبيرة الأخيرة، وبعدها يتم الاحتكام إلى آلية التسعير التلقائى طبقا لأسعار العرض والطلب أى سعر خام برنت فى الخارج وسعر الدولار فى الداخل.
لكن الدكتور مدبولى استدرك بقوله: وحتى لو تم التسعير طبقا للعرض والطلب فإن الدولة مستمرة فى دعم سعر بعض أنواع الوقود، خصوصا السولار الذى حينما يرتفع ترتفع معه سلع كثيرة، مما يؤثر فى معدل التضخم.
رئيس الوزراء كان متفائلا وقال إن التقديرات الاقتصادية تؤكد أن أسعار البترول العالمية ستظل مستقرة، وبالتالى نأمل ألا تحدث مشكلات جيوسياسية جديدة أو تتفاقم أوضاع المنطقة، حتى لا تؤثر على أسعار البترول فى الفترة المقبلة.
هذا جوهر ما قاله الدكتور مدبولى ردا على سؤالى خلال الاجتماع، وما لفت نظرى ونظر كثيرين أن العديد من الزملاء الحاضرين قد أرسل كلام الدكتور مدبولى إلى الصحف والمواقع الإلكترونية التى يعمل بها، فكان النشر سريعا ومكثفا ومنتشرًا، على هذا السؤال وبعض الأسئلة الأخرى.
أفهم وأدرك أن غالبية الناس مهتمة بأسعار الوقود وكل ما يتعلق بالطاقة، لأنها تمس حياتهم ومعيشتهم بصورة واضحة، وأدرك تماما أن غالبية المصريين عانوا ويعانون من الأزمة الاقتصادية التى بدأت مع فيروس كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها وأخيرا عدوان إسرائيل على غزة والمنطقة.
لكن ما لم أفهمه أن كثيرين اندهشوا من تصحيح الدكتور مدبولى أن هناك احتمالية لزيادة جديدة فى أسعار الوقود وقد تكون الأخيرة وكأنهم يسمعون هذا الكلام لأول مرة.
لماذا أنا مندهش؟!
لأن الأمر ببساطة أن الدكتور مدبولى وعقب آخر زيادة فى أسعار الوقود فى ١٢ إبريل الماضى قال بوضوح إن الحكومة واستشعارا منها للظروف الصعبة للمواطنين فلن ترفع أسعار الوقود بعد مرور ثلاثة شهور، طبقا لما هو متعارف عليه منذ بداية هيكلة دعم الوقود، بل بعد ستة شهور وليست ثلاثة شهور.
إذن لكل من يتابع الملف الاقتصادى يدرك أن هناك زيادات فى أسعار الوقود منذ بدأت عملية الهيكلة فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، وحتى يتم الوصول بالأسعار إلى التكلفة أو الأسعار العالمية.
ولأن الظروف كانت صعبة والأسعار قفزت لمستويات صعبة قبل سنوات، ولأن الدولار قفز من ١٥ جنيها إلى ٧٠ جنيها فى بعض المرات، فإن عملية هيكلة الدعم تأخرت إلى أن استقر سعر الدولار فى مصر وهبطت أسعار البترول العالمية إلى مستوى بين ٦٠ و٧٠ دولارا للبرميل من خام برنت.
إذن ليس سرا أو مفاجأة أن يقول الدكتور مدبولى إنه قد تكون هناك زيادة باعتبار أن الأسعار ما تزال مدعومة حتى الآن كما تقول الحكومة.
وإذا استقرت أسعار البترول عالميا والدولار محليا، فأغلب الظن أننا سنصل قريبا إلى سعر التكلفة والعرض والطلب الفعلى ربما باستثناء أسعار السولار.
مرة أخرى أنا لا أناقش أو أجادل أحدا أن هناك أزمة اقتصادية أو أن غالبية الناس عانت معاناة كبيرة فى السنوات الماضية، وأن كثيرين هبطوا من الطبقة الوسطى إلى ما دونها، أو أن بعض السياسات الاقتصادية كانت خاطئة وربما لم ترتب الأولويات بشكل جيد.
لكن ما أنا مندهش منه أن البعض مندهش من أن الحكومة تقول إنها قد تزيد أسعار الوقود حتى تصل إلى آلية التسعير التلقائى.
المواطن العادى معذور تماما لأنه لا يشغله إلا الأسعار ومستوى معيشته وليس المؤشرات الاقتصادية، لكن ما هو عذر البعض ممن يفترض أنهم متابعون ومتخصصون؟!
عموما أتمنى أن تستقر أسعار الطاقة والدولار، لكن الأهم أتمنى أن تدرك الحكومة قضية فى منتهى الخطورة وهى ضعف الرقابة، فحينما يتراجع التضخم أو أسعار البترول والدولار، فإن العديد من أسعار السلع التى زادت لا تتراجع، وهو ما يجعل المواطنين لا يصدقون حكاية العرض والطلب.
نحن هنا لا نتحدث عن أسعار جبرية وتطبيق اشتراكى، ولكن فقط تفعيل «آليات السوق» فلا يصح أنها تعمل فى اتجاه واحد بصعود الأسعار ولا تنزل إلا قليلًا!