x قد يعجبك أيضا

لحن الخلود من وادى الملوك إلى المتحف الكبير

الأحد 9 نوفمبر 2025 - 7:20 م

فى صباح الرابع من نوفمبر عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين، كان كل شىء هادئا فى وادى الملوك، وكأن المكان يتأهب لاستقبال حدث عظيم، وكان الحدث اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون. 

فى مساء الأول من نوفمبر عام ألفين وخمسة وعشرين، كانت أنظار العالم تتجه نحو المتحف المصرى الكبير الذى ظهر فى أبهى صورة لاستقبال ضيوف مصر الحاضرين حفل افتتاحه، وأمام القناع الذهبى للملك الشاب «توت عنخ آمون»  وقف الرئيس السيسى وعدد من الملوك والرؤساء وكبار المسئولين العرب والأجانب مبهورين أمام جمال وجلال مقتنيات المقبرة التى شكل اكتشافها نقطة مفصلية فى تاريخ علم المصريات. 

مائة وثلاثة أعوام تفصل بين اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وافتتاح المتحف المصرى الكبير الذى تعرض فيه مقتنيات المقبرة كاملة لأول مرة، مائة وثلاثة أعوام انقضت، لكن الأثر الذى خلفه اكتشاف المقبرة، يشبه إلى حد كبير الأثر الذى خلفه افتتاح المتحف الكبير الذى يضم مقتنياتها إلى جانب آلاف القطع الأثرية التى تروى تاريخ الحضارة المصرية القديمة.

فقد تزامن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين، مع زهوة الشعور بالفخر الوطنى العام فى أعقاب ثورة 1919، وما تلاها من صدور تصريح 28 فبراير عام 1922 وإعلان بريطانيا من طرف واحد إنهاء الحماية البريطانية على مصر وأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وعلى الرغم من أن الحركة الوطنية المصرية اعتبرت أن هذا الإعلان يمنح مصر استقلالا صوريا، إلا أنها قررت الاستفادة منه إلى أقصى درجة فتشكلت لجنة لوضع الدستور عام 1923 وأجريت الانتخابات التى انتهت بفوز حزب الوفد ليترأس الزعيم سعد زغلول الحكومة، وفى هذه الأجواء المفعمة بصعود الروح الوطنية جاء الإعلان عن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، لكن «هيوارد كارتر» لم يدرك هذا التغيير الكبير الذى طرأ على مصر، وظن أن مصر عام 1922 هى ذاتها مصر عام 1916 حين حصل على امتياز الحفر بحثا عن الآثار برعاية اللورد «كارنارفون» فتجاهل الحكومة المصرية فيما يتعلق بتفاصيل الاكتشاف والإعلان عنه، بل ومنعت الصحف المصرية من تغطية الإعلان عن الكشف بعد أن وقع اللورد «كارنارفون» عقدا مع صحيفة التايمز اللندنية تحتكر الصحيفة بموجبه نشر أخبار الاكتشاف على أن تنقل عنها بقية الصحف ووكالات الأنباء ما فتح الباب لمعركة معقدة تعددت ساحاتها.

وأثارت تصرفات كارتر حفيظة الجماعة الوطنية المصرية الذين اعتبروا أنه يسلك سلوكا استعماريا ضد مصر والمصريين، ليتسع نطاق المواجهة ويكتب كارتر خطابا احتجاجيا للزعيم الوطنى ورئيس الوزراء آنذاك سعد زغلول. 

فيرد سعد بخطاب هادئ لا يخلو من الصرامة والحزم دفاعا عن حقوق مصر وسيادتها.

خلق اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون أجواء فخر واعتزاز بالانتماء للحضارة المصرية القديمة، وأبدع الفنانون والشعراء والأدباء والمفكرون أعمالا تعلى من قيمة الانتماء للحضارة المصرية.

وبرز هذا الشعور بالزهو الوطنى ليغذى حركة المقاومة الشعبية لاستمرار الاحتلال البريطانى للبلاد. 

ففى صحيفة الأهرام كتب فكرى أباظة فى 20 فبراير 1924 رسالة إلى توت عنخ آمون، قال فيها: أى مليكى المستقل: سينقلونك إلى «المتحف» فى جوار قشلاق قصر النيل «حيث مقر قيادة القوات البريطانية» إمعانا فى إهانتك، وغلوا فى إيذائك، لتطل أيها الملك المستقل على وطنك المحتل! ولتشاهد أيها الملك الحر، شعبك المستعبد، ولتعلم أن الذين نبشوا قبرك يحفرون الآن القبر لأمتك».

وكعادة المصريين فى التنكيت والتبكيت فقد ظهرت فى هذه الآونة صحيفة ساخرة حملت اسم «رعمسيس» وقد نشرت الصحيفة فى أحد أعدادها عام 1926 حوارا بين توت عنخ آمون وأبو الهول على النحو التالى: 

أبو الهول: يا آمون يا آمون 

توت عنخ آمون: من ينادينى؟

أبو الهول: أنا 

توت: أهو أنت يا أبا الهول؟ ثم باللغة الإنجليزية يقول: 

How are you old fellow

أبو الهول: ما هذا يا بنى، هل تتحدث الآن بالإنجليزية؟ أين ذهبت وطنيتك الحقة؟

ويظهر من هذا الحوار سخرية توت من أن الانجليز هم من يسمح لهم بدخول مقبرته المكتشفة، والتى سيتغير حالها بعد إجبار كارتر على احترام السيادة المصرية. 

ذات المشهد بتفاصيل معاصرة يتكرر فى مصر حاليا على خلفية افتتاح المتحف المصرى الكبير، فقد شهدت وسائل التواصل الاجتماعى احتفالات واسعة النطاق متعددة الأشكال، يكسوها الشعور بالفخر للانتماء للحضارة المصرية القديمة، وتحولت شوارع مصر لساحات مفتوحة للاحتفال تزامنا مع افتتاح المتحف. 

وعلى عكس ما فعله كارتر حين منح صحيفة التايمز البريطانية حق النشر الحصرى لأخبار اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، فقد أهدت مصر شارات البث المجانية لجميع وسائل الإعلام الدولية، وفتحت أبواب المتحف أمام مئات الصحفيين وممثلى وسائل الإعلام المختلفة، لقد أعاد افتتاح المتحف المصرى الكبير الروح للشعور الوطنى العام بالانتماء لحضارة خالدة، حضارة ضاربة جذورها فى عمق التاريخ.

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة