إذا كانت إسرائيل واضحة جدا فى مخططاتها لتصفية القضية الفلسطينية فلماذا يصر بعض العرب على التعامل مع المفاوضات وكأنها عملية جادة يمكن أن تقود إلى نتائج توقف العدوان؟!
منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ حينما بدأت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، وهناك مفاوضات تجرى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
هذه المفاوضات قادت إلى إطلاق سراح معظم الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية مقابل بعض الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية. بالطبع فإن الطرف العربى المفاوض كان يهدف فى الأساس لوقف العدوان، لكن إسرائيل كانت تريد فقط استعادة أكبر عدد من الأسرى حتى تهدئ من ثورة أهالى الأسرى وأنصارهم مع استمرار العدوان، وهو الأمر الذى صاغه رئيس الوزراء الإسرائيلى بينامين نتنياهو فى شعار يكرره دائما وهو «التفاوض تحت النار».
الآن وبعد مرور ٢٣ شهرا على العدوان يتضح جليا أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة تستغل المفاوضات كغطاء لإكمال مهمتها فى تدمير قطاع غزة وتهويد الضفة وتهجير السكان خارج فلسطين، لتصفية القضية بأكملها.
علينا أن نتذكر العديد من المحطات الفاصلة فى عملية المفاوضات حتى نستخلص الدروس.
ذات يوم قبل نحو أكثر من عام وافقت الولايات المتحدة وإسرائيل على أحد المقترحات المصرية للوصول إلى هدنة رهانا على أن حركة حماس سترفضها، لكن ما لم تتوقعه إسرائيل أن حماس وافقت بالفعل بعد أن أقنعتها القاهرة بضرورة تفويت الفرصة على النوايا الإسرائيلية بتحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة. وبعدها فوجئنا بأن إسرائيل تسحب موافقتها على المقترح الذى وافقت عليه بالفعل.
وقبل أسابيع قليلة قدم المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف مقترحا لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، قبلته إسرائيل ورفضته حماس، ثم عادت حماس وقبلته قبل أيام، لكن إسرائيل لم ترد عليه حتى الآن، بل قررت الشروع فى عملية احتلال مدينة غزة وتهجير سكانها إلى الجنوب باتجاه خان يونس ورفح.
والآن تعيد أمريكا تقديم خطة تعجيزية جديدة أغلب الظن أن حماس سترفضها لأنها تريد إطلاق كل الأسرى وعدم التعهد بوقف العدوان بصورة شاملة والانسحاب من القطاع.
إذن الخطة صارت واضحة ومتكررة ومملة، حيث يتم طرح مقترحات صعبة جدا على المقاومة، ظنا أنها لن تقبلها، وحينما تقبلها ترفض إسرائيل وتزيد من عدوانها، ثم تتدخل أمريكا وتطرح أفكارا جديدا، وتبدأ المفاوضات بينما العدوان مستمر. فى حين تتولى وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية تسريبات متنوعة بدءًا من وجود خلافات أمريكية إسرائيلية وصولا إلى قرب التوصل لاتفاق وهى المهمة التى يتولاها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنفسه وبمهارة فائقة وآخرها ما صرح به يوم الجمعة الماضى بأن بلاده تخوض مفاوضات عميقة مع حركة حماس وتدعوها أن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين فورا، وبعدها ستجد نتائج أفضل وأن «الاتفاق قريب جدا» مع إرفاق ذلك بأن هذا العرض هو الإنذار الأخير!!.
الوحيد الأكثر وضوحا فى هذا العدوان هو نتنياهو وحكومته المتطرفة، لم يضبط متلبسا بالموافقة على وقف إطلاق النار، أبدا، بل بهدن مؤقتة ليحصل على الأسرى ثم يعود للعدوان، ويطرح شروطا واضحة ومحددة جوهرها ضرورة استسلام حماس بالكامل ونزع سلاحها وسلاح كل المقاومة، واستمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية وعدم وجود أى دور لحماس أو السلطة الفلسطينية فى المشهد السياسى، وأن تكون هناك حكومة تحكم غزة تؤمن بالتعايش مع إسرائيل، أى اشتراط أن تقوم الضحية بحب الجلاد!
تصريحات نتنياهو الأخيرة بالتهجم الظالم على مصر لا تعنى إلا أن مشروع التهجير لم يسقط حتى الآن، ومشاهد الدمار فى غزة تقول بوضوح إن إسرائيل ماضية بقوة فى تدمير كل القطاع لإجبار أهله على الرحيل، كما أن ما يقوله ترامب وخلفه كوشنر وبلير وبقية الصهاينة فى الإدارة الأمريكية لا يعنى إلا شيئا واحد وهو أن واشنطن شريك كامل فى هذا العدوان.
بعد كل ذلك.. ألا يصح أن تتخذ الأطراف العربية قرارا واضحا بتغيير المسار؟ مرة أخرى أدرك الواقع وصعوباته، ولا أدعو إلى الحرب إلا إذا فرضت علينا لكن أدعو فقط كل العرب وبالأخص الأطراف الفاعلة إلى أن تستخلص العبر وتبدأ فى التحدث مع الإدارة الأمريكية بصورة مختلفة.
أخشى إن تم الاستمرار فى هذه المفاوضات العبثية أن نتفاجأ قريبا بعدم وجود أرض صالحة للتفاوض عليها أو حتى صالحة للحياة سواء فى القطاع أو الضفة الغربية.