لماذا ارتدى المصريون ملابس فرعونية؟

الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 5:55 م

استبق جمهور السوشيال ميديا افتتاح المتحف المصرى الكبير بتغيير صورهم على صفحات الفيسبوك، ليظهروا مرتدين ملابس فرعونية، بأشكال مختلفة، وفى أوضاع متباينة فى مشهد احتفالى بديع. هذه ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى نظر وتحليل.

أولا: أراد قطاع من المصريين التأكيد على انتسابهم إلى الحضارة المصرية القديمة، فى رد فعل تلقائى تجاه خطابات تريد أن تنال منها سواء صادرة عن أصوات إسلامية، أو عروبية أو حتى مسيحية، ترى فيما يحدث تشبهًا بالكفار، وهو الخطاب الإسلامى السلفى، الذى انتقده خطاب مؤسسة الأزهر، أو تعتبرها انتقاصًا من الهوية العربية، وهو خطاب بعض العروبيين، رغم أن التاريخ يُحسب للرئيس عبد الناصر اهتمامه بالحضارة المصرية القديمة، وهناك أصوات مسيحية شاردة ترى فى فرعون رمزا للشر، وترفض التشبه المظهرى به. فى الحقيقة، تأتى ردود الأفعال الحادة نتيجة غياب التنوع فى إدراك مفهوم الهوية، وميل البعض إلى اختزالها فى مكون واحد دون سواه، إذ إن مصر أكبر من أن تُختزل فى هوية واحدة، بل هى مركب حضارى متنوع الأبعاد، فرعونية، وقبطية، وإسلامية، وعربية، وتنتمى إلى البحر المتوسط، والأفضل أن ننظر إلى الهوية المصرية فى غناها وتنوعها، بدلًا من اختزالها فى مكون واحد دون غيره من المكونات. وقد أعجبنى تصالح المصريين مع أنفسهم فيما قدموه من صور، إذ إن بعض السيدات المحجبات ظهرن بحجابهن وهن يرتدين ملابس فرعونية، وقد ساعدهن الذكاء الاصطناعى على تحقيق ذلك التوافق.

ثانيا: اكتشف المصريون جانبًا مهمًا من التعلق بالحضارة المصرية القديمة، سواء فى موكب نقل المومياوات، وكذلك نقل تمثال رمسيس من الميدان المسمى باسمه، فى كلا الحدثين أظهر المصريون، حتى البسطاء منهم، تعلقًا بالحضارة الفرعونية، فهى تاريخ وثقافة وموسيقى، آثار ومجد، أدركوا أهميته عند الاقتراب منه.

ثالثا: فى أوقات الضغط النفسى على الشعوب، يستديرون إلى تاريخهم بحثًا عن معنى وغاية، يُثبتون لأنفسهم أنهم أصحاب مجد قديم، رغم أن الواقع الحالى يشهد ضغوطًا ومحنًا، ولا يفارقهم فيه الأمل. ولا أحد يستطيع أن يجافى حقيقة أساسية أن مصر بلد الحضارة والثقافة فى محيطها الإقليمى، وتمتد بحضورها على مستوى العالم، فهى ليست بلدًا حديثة النشأة، وما تحويه باطن الأرض فيها من آثار لا يزال يحتاج إلى المزيد من المتاحف.

رابعا: اتجهت كثير من السيدات والفتيات إلى تصوير أنفسهن فى ملابس ملكات مصر القديمة، وسعين إلى إضفاء مسحة من الجمال على وجوههن، وملابسهن، وهو انعكاس نفسى تلقائى إلى رؤية مصر الجميلة، التى كانت فى السابق، ويرغبن فى رؤيتها فى المستقبل، بعد أن أصابت الشخصية المصرية مسحة من التشدد والكآبة، واتجه كثير من الرجال والشباب إلى تصوير أنفسهم فى أزياء محاربين، تعبيرًا عن رؤية مصر القوية الفتية، بل إن هناك أصدقاء من دول عربية شاركوا المصريين فرحتهم بارتداء ملابس فرعونية، تعبيرا عن رؤية مصر الحضارة والثقافة، التى تمثل إشعاعًا ثقافيًا للمنطقة العربية برمتها.

بالطبع ساعدت تطبيقات الذكاء الاصطناعى على إنتاج تلك التظاهرة الثقافية البديعة، الشعبية التلقائية، التى فى رأيى لا تقل أهمية عن حفل افتتاح المتحف الكبير ذاته، فقد أثبت المصريون أن لديهم نزوعا نحو تاريخهم القديم فى وجه الذين يريدون تغيير هوية مصر، ويضفون عليها طابعا ليس لها. متى ندرك أن التاريخ ماضٍ؟ لماذا نحاكم التاريخ، ونظن أنه دائمًا يخصم من حاضرنا، فى حين أنه ــ بحسابات الاقتصاد ــ هو مصدر دخل مستدام لا يُستهان به فى الإنفاق على الحاضر، بل والمستقبل، ولم أرَ شعبًا يتجه جانب من سكانه إلى تشويه تاريخه، ونعته بالكفر، بينما لا يتورعون فى كسب المال الناجم عنه. وهل ارتداء ملابس فرعونية على وسائل التواصل الاجتماعى يمثل كفرًا، وبهتانًا، أو انحيازًا للشر، وغيرها من الإسقاطات المزعجة التى لا علاقة لها بالدين أو الحضارة؟

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة