حاخامات وإخوان!‬

الجمعة 1 أغسطس 2025 - 7:35 م

 التحركات الدولية المتعاطفة مع الفلسطينيين ضد جرائم القتل والتجويع التى يرتكبها جيش الاحتلال الصهيونى فى قطاع غزة، تكتسب يوما بعد يوم زخما هائلا وتأثيرا ملحوظا، لدرجة أنها أضحت تشكل أداة ضغط على صانع القرار فى العديد من عواصم العالم من أجل التدخل لوقف هذه الإبادة.

فخلال الأسبوع الماضى، دعت فرنسا و14 دولة أخرى من بينها كندا وأستراليا، البلدان الأخرى إلى إعلان عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، فيما أعلن رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين إذا لم تتخذ إسرائيل إجراءات معينة.

أما وزير الخارجية الألمانى يوهان فاديفول، والذى تعد بلاده من أكبر داعمى إسرائيل، فقال فى بيان الخميس الماضى، إن «عملية الاعتراف بدولة فلسطينية يجب أن تبدأ الآن»، مؤكدا أن إسرائيل «تزداد عزلة على الصعيد الدبلوماسى» بسبب الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، وفى ظل دفع بعض الدول نحو الاعتراف بدولة فلسطين.

كرة الثلج لم تتوقف عند هذا الحد، بل أضحت تكبر كلما تدحرجت حتى وصلت إلى قطاعات كثيرة من الإسرائيليين الذين باتوا يشعرون بحجم الجرائم التى يرتكبها جيشهم فى غزة، ما دفع رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود أولمرت إلى الاعتراف صراحة بفداحة ما حدث ويحدث من جرائم ضد الفلسطينيين، حيث قال: «قتلنا ما يكفى ودمرنا ما يكفى فى غزة.. ولا أحد فى موقع المسئولية عندنا يمكنه تفسير ما نفعله حاليا بالقطاع».

أما الحاخامات اليهود فى الولايات المتحدة، فقد نظموا احتجاجا داخل مكتب زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهورى جون ثيون، ورفعوا لافتات كتب عليها «الحاخامات يقولون: احموا الحياة!» و«الحاخامات يقولون: أوقفوا حصار غزة»، ما دفع الشرطة الأمريكية إلى اعتقال العشرات منهم.

أيضا دعت 31 شخصية عامة إسرائيلية بارزة، بما فى ذلك الأكاديميون والفنانون والمثقفون، إلى فرض «عقوبات صارمة» من قبل المجتمع الدولى على إسرائيل، بسبب «حملتها الوحشية وتجويع الفلسطينيين فى غزة حتى الموت والتفكير فى الإزالة القسرية للفلسطينيين من القطاع»، وذلك فى رسالة وجهتها إلى صحيفة «الجارديان» البريطانية.

هذه الرسالة تزامنت مع إصدار منظمتين إسرائيليتين معروفتين فى مجال حقوق الإنسان، هما منظمة «بتسيلم» و«منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان فى إسرائيل»، تقارير تتهم فيها إسرائيل للمرة الأولى بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين فى غزة.

اللافت والمثير للدهشة والريبة وربما الاشمئزاز، أنه فى خضم هذه الانتفاضة العالمية الفاضحة والمنددة بجرائم الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى غزة، نجد جماعة الإخوان بانتهازيتها المعهودة وعدم نضجها السياسى المعروف، تحاول رفع الطوق عن رقاب مجرمى الحرب الصهاينة، عبر توجيه اتهامات زائفة وغير حقيقية لمصر بتجويع وحصار غزة!.
لم يكتفِ عناصر الجماعة العجوز بإغراق الفضاء الإلكترونى بتلك الادعاءات البائسة، بل تحركوا لمحاصرة السفارات المصرية فى الخارج، وتنظيم احتجاجات صبيانية أمامها، لترسيخ سرديات وأفكار غير حقيقية فى عقول الأجيال الجديدة من أجل قلب الحقائق وتبرئة المحتل الصهيونى وغسل عار جرائمه غير المسبوقة فى التاريخ الحديث.

ليس هذا فحسب، بل إن حركة حماس التى تصور البعض تحررها من عباءة الجماعة الضيقة، وخروجها إلى فضاء المقاومة الواسع الذى يتجاوز الانتماءات الأيديولوجية العمياء، انضمت للأسف إلى هذه الموجة ورددت تلك النغمة سواء فى خطاب زعيمها خليل الحية، أو فى بيان لجنة الطوارئ التابعة لها فى غزة، والتى ادعت فيه أن «البيانات المصرية الرسمية حول دخول المساعدات إلى غزة لا تعكس الواقع إطلاقا»، وأنها مجرد «تجميل للصورة»، وأن تصريحات مصر عن دخول «مئات الشاحنات» يوميا إلى رفح «كلام لا يستند إلى واقع» على حد زعمها.

ألم تفكر جماعة الإخوان فى أن هذه الحملة على مصر، قد تترك آثارا سلبية على التعاطف المصرى سواء شعبيا أو رسميا مع الشعب الفلسطينى فى محنته؟ هل يعقل أن يكون الحاخامات اليهود أكثر صدقا من هذه الجماعة، عندما وجهوا غضبهم واحتجاجهم مباشرة إلى الداعم الحقيقى لجرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطينى، وهى الولايات المتحدة؟ أليس هناك عقول رشيدة فى هذه الجماعة توقف تلك المراهقة والتصرفات الصبيانية التى تثير سخرية الجميع وتفرق ولا تجمع الجسد العربى الداعم للفلسطينيين؟

على أى حال، ستظل مصر داعمة للشعب الفلسطينى وحقه المشروع فى التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنى، ورغم كل الاتهامات الزائفة التى توجه لها، فإن هذا الموقف لن يتغير مهما كانت الظروف، ليس فقط من منطلق أخلاقى وإنسانى، ولكن لأنه ضرورة استراتيجية لأمنها القومى واستقرارها الداخلى.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة