إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو أنه فى مهمة تاريخية وروحية، وتمسكه برؤية إسرائيل الكبرى، ينفذه الآن بالفعل الجيش الإسرائيلى فى المرحلة الثانية من خطة عربات جدعون، والتى تقضى باحتلال مدينة غزة وتنفيذ مخطط ترحيل سكانها. وفى الوقت ذاته تم اعتماد تنفيذ المخطط الاستيطانى لفصل القطاعين الشمالى والجنوبى من الضفة الغربية، وهو ما سيقضى على أى فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية.على الجبهة السورية، وبعد اقتحام الجيش الإسرائيلى للمنطقة العازلة فى مرتفعات الجولان والاستيلاء عليها، وعلى جبل الشيخ وعشرات القرى فى الجولان والقنيطرة ودرعا، احتل أكثر من 1000 كم² من الأراضى السورية ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة، التى تحقق لإسرائيل أفضلية فى الاستطلاع والرصد الرادارى والنيرانى على جنوب سوريا، على مسافة 25 كم من العاصمة دمشق نفسها، والتى باتت تحت السيطرة النيرانية الإسرائيلية.استيلاء إسرائيل على مرتفعات جبل الشيخ الاستراتيجية، التى تمثل المنبع الرئيسى لنهر الأردن، يتيح لها إحكام قبضتها على منابع النهر، لتحقق خطوة كبرى فى استراتيجيتها العدوانية التوسعية المائية، والتى تتضمن أيضًا التحكم فى منابع نهر اليرموك والسيطرة عليها وسرقة مواردها المائية لصالح إسرائيل، وسط غيبوبة كاملة وسلبية مخزية من السلطة الحالية فى دمشق تجاه تلك الوقائع الكارثية.• • • الوضع فى لبنان ليس أقل كارثية مما سبق؛ فمحور المقاومة الذى تضررت قدراته وإمكاناته بصورة بالغة بعد سقوط سوريا وانقطاع خطوط الإمداد من خلالها، قد تعرض أيضًا لخسائر فادحة بعد استشهاد السيد حسن نصر الله وعدد كبير من قيادات الحزب وكوادره، وما لحق بمخزوناته واحتياطياته من السلاح من استنزاف شديد. جميع هذه العوامل وضعت حزب الله اليوم فى مرحلة انتقالية صعبة.إسرائيل، التى تعى جيدًا كل ذلك، رفضت تنفيذ الانسحاب الكامل من جنوب لبنان وتمسكت بالبقاء فى خمس نقاط استراتيجية حدودية فى الجنوب اللبنانى لأجل غير مسمى، وهذه النقاط هى: تلة العويضة، وتلة الحمامص، وجبل بلاط، واللبونة، والعزية. وجميعها تعد نقاطًا استراتيجية حاكمة ومسيطرة استطلاعيًا ونيرانيًا على مساحات شاسعة من جنوب لبنان، فضلًا عن أنها تؤمّن المستعمرات الإسرائيلية فى شمال فلسطين.وفى جميع تلك النقاط الخمس بدأ جيش العدو الإسرائيلى يتمركز ويقيم تحصينات عسكرية دائمة، مع إحاطتها بالأسلاك الشائكة والألغام والجدران الإسمنتية، وإقامة أعمدة مزودة بكاميرات المراقبة وأجهزة التصوير والاستشعار عن بُعد، مستغلًا ارتفاعها الشاهق فوق سطح البحر، وإشرافها الكامل على مستعمراته فى شمال فلسطين وكامل مداخل جنوب لبنان.• • • فى تلك المرحلة، وبكل معطياتها، دخلت الولايات المتحدة بالتنسيق الكامل مع حليفتها إسرائيل، لتطرح ورقة مطالب نزع سلاح الفصائل المسلحة فى لبنان، وفى مقدمتها سلاح حزب الله، مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من النقاط اللبنانية المحتلة ووقف الضربات الإسرائيلية على لبنان. وما بين لهجة التهديد والوعيد، قال الوسيط الأمريكى للمسئولين اللبنانيين: إن المنطقة تتحرك بسرعة، وسيتم ترككم فى المؤخرة. كما أشار إلى انطلاق حوارات غير مسبوقة بين السلطة الحالية فى سوريا وإسرائيل.إسرائيل، التى تنسق حجم الضغوط التى تمارسها الولايات المتحدة على لبنان نيابة عنها، أعلنت من جانبها رفض المطلب اللبنانى بالانسحاب أولًا. أما المبعوث الأمريكى فقد أخبر المسئولين اللبنانيين دون مواربة: واشنطن لا تستطيع إجبار إسرائيل على القيام بأى شىء ما لم يلتزم لبنان بنزع السلاح وحصره فقط بيد الجيش اللبنانى.وإمعانًا فى ممارسة المزيد من الضغوط على لبنان، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها بصدد إنهاء عمل قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) التابعة للأمم المتحدة والعاملة فى جنوب لبنان، بقطع التمويل عنها لعدم جدواها على حد زعمها. وفى ذات الآونة فإن هذا القرار سيخدم إسرائيل حين يغزو جيشها الجنوب اللبنانى لاحتلاله.• • • الولايات المتحدة وإسرائيل تدفعان لبنان دفعًا نحو بديلين يصبان فى مصلحة إسرائيل:الأول: زيادة الصدع والانقسام فى الجبهة الداخلية اللبنانية، بتعميق التباين بين أطرافها، وعزل حزب الله وأنصاره عن بقية المكونات اللبنانية، بإظهارهم أنهم هم المتسببون فيما حدث وما سيحدث لاحقًا فى لبنان، من ضياع فرص الانسحاب الإسرائيلى، وضياع فرصة الحصول على المساعدات الاقتصادية الأمريكية والغربية الموعودة، واستمرار تردى أوضاع الاقتصاد اللبنانى.الثانى: بقاء الوضع على ما هو عليه، فى ظل تمسك حزب الله بسلاحه، وعدم قدرة الدولة اللبنانية ولا رغبتها فى الدخول فى مواجهة دامية معه قد تشعل حربًا أهلية وإقليمية. وحينئذ ستكون تلك الذريعة التى تستغلها إسرائيل لتوجيه ضربات مدمرة للبنان، والقيام باجتياح عسكرى شامل لجنوب لبنان، بذريعة تدمير ما تبقى من معاقل وقواعد حزب الله، بحجة تأمين حدودها ومستعمراتها الشمالية.الحرب الإسرائيلية على لبنان هذه المرة ستكون خطوة أساسية لتنفيذ جزء من مخطط إسرائيل الكبرى، الذى تحدث عنه نيتنياهو وقال إنه مكلف بمهمته. والضحية الأقرب لتنفيذ أولى خطوات ذلك المخطط ليست مصر ولا الأردن، اللتان يعلم العدو الصهيونى أن جيشيهما قد استنفرا بالفعل، بل الأقرب لذلك هو لبنان، وهو حتمًا سيكون الهدف القادم لجيش الكيان الصهيونى، الذى طالما وضع نصب عينيه بالنسبة للبنان جعل حدوده معه هو نهر الليطانى.وهو ما أكده وزير خارجية الكيان بقوله: إذا فشل العالم فى سحب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطانى، فإن إسرائيل ستفعل ذلك. فى مقابل ما أعلنه رئيس مجلس النواب اللبنانى: أنه من الأسهل نقل نهر الليطانى إلى الحدود مع إسرائيل، بدلًا من نقل حزب الله إلى ما وراء النهر. وهذا القول يتفق مع حقيقة أن فى جنوب نهر الليطانى تقع معظم المواقع العسكرية والبنية التحتية التى أنشأها حزب الله بالقرب من حدود فلسطين الشمالية.الغزو الإسرائيلى القادم للبنان سينقل حدود الكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة شمالًا مع لبنان إلى الضفة الجنوبية لنهر الليطانى، وسيتيح لإسرائيل الاستيلاء على ما يقارب 750 مليون متر مكعب سنويًا من المياه العذبة، وتحويل جزء منها إلى شمال فلسطين المحتلة، لتأمين إمدادات المياه لمستعمراتها التى تتغذى أيضًا على المياه التى تستولى عليها إسرائيل عنوة من نهرى الوزانى والحصبانى اللبنانيين.وفق كل ما سبق، فإن حصر السلاح فى يد الدولة اللبنانية يصبح حقًا لا جدال بشأنه عندما يكون الجيش اللبنانى قويًا ومجهزًا، ولبنان مستقرًا وحدوده مصانة وأرضه غير منتهكة من العدو الصهيونى اللدود. أما وهذه الشروط غير متحققة، فعندئذ تصبح المناداة بنزع السلاح كلمة حق يراد بها باطل، وتماهيًا ذليلًا مع الإملاءات الأمريكية والصهيونية، وقد ذل من لا سيف له. أستاذ ومستشار الاقتصاد الدولى واللوجيستيات
مقالات اليوم عماد الدين حسين فخ ترامب للرؤساء والقادة! مدحت نافع الحديد والصلب.. بين الموت والنشور بشير عبد الفتاح الضمانات الأمنية مصطفى الفقي أوهام صهيونية.. وأحلام عبثية إبراهيم عوض ستون عامًا على وفاة مصطفى النحاس صحافة عربية الخادم «الصغيرون»
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك