أرض النعم.. محمية سالوجا وغزال
الأحد 24 نوفمبر 2024 - 6:30 م
سحرهن الجمال الذى يحيط بهن من كل جانب، كان هذا حال طالباتى (طالباتى فى مادة المدينة المصرية اللاتى يحاولن بدءًا من هذه السنة وبامتداد ست سنوات فى المستقبل استكشاف طرق لاستعادة الطبيعة البرية للمدن المصرية). خططنا لزيارة المحمية أساسًا للتعرف على الأصول النباتية والحيوانية التى سنحتاج لاحقًا لاستخدامها لاستعادة الطبيعة البرية للبيئات العمرانية على طول وادى النيل. وقمنا بالتجهيز لزيارة يكون هدفها الوحيد التعرف على المحمية والمكونات الطبيعية بها. وخلال ما يزيد قليلًا على ستين ساعة-هى زمن تلك الرحلة- كان نصيب المحمية منها حوالى خمس ساعات (مقارنة بحوالى ثلاثين ساعة فى القطار ذهابًا وعودة، لكن لهذه الثلاثين ساعة فى القطار حكاية أخرى سأرويها قريبًا).
كانت هذه زيارتنا الأولى لمحمية سالوجا وغزال، وهما جزيرتان فى الشلال الأول للنيل فى أسوان، وبالتأكيد لن تكون الزيارة الأخيرة. والجزيرة كما شرحوا لنا هى جزء من الشلال أو الجندل الأول الذى يمتد بطول حوالى اثنى عشر كيلومترًا، وكما شرح لنا الدكتور المختص بالجيولوجيا تركيب التربة وكيف شق النيل طريقه عبر الصخور الجرانيتية (كنت قد قرأت عن تكوين النيل فى كتاب الراحل العظيم رشدى سعيد عن نهر النيل ولكن كان الشرح عن عملية التكوين الجبارة تلك من خلال آثارها المتبقية على بعض الصخور التى تبلغ أعمارها أكثر من ستمائة مليون سنة مدهشًا تمامًا. تعرفنا أيضًا كيف قام طمى النيل بعملية يمكن إطلاق اسم ورنشة عليها للصخور الجرانيتية مما أكسبها اللون الداكن أحيانًا).
لا ندرى بالتحديد لماذا لم يتخذ أى من قدماء المصريين معبدًا أو منشآت أخرى على الجزيرتين على العكس مما فعلوا مثلًا فى جزيرة الفنتين؟ أو لماذا لم يستوطنهما السكان المحليون كما أخبرنا أحد الباحثين البيئيين بالمحمية؟ لكنى أعتقد أن ذلك ربما يرجع إلى طبيعة الجزيرة التى يتداخل فيها الماء ويترك مساحات أرضية ليست كبيرة لاستيعاب منشآت كبيرة نوعًا ما.
وصلنا بالمركب من غرب سهيل فى دقائق معدودة وعندما شرحت لنا الدكتورة منى أن المحمية أنشئت فى عام ١٩٨٦، وأنها جزء من العديد من المحميات التى تشغل حوالى خمس عشرة بالمائة من مسطح مصر سألتها عن قرار اللجنة الدولية الحكومية للتنوع الحيوى وخدمات المنظومات الإيكولوجية فى العام ٢٠٢٢ بالالتزام بالحفاظ على أو استعادة ٣٠٪ من المناطق الطبيعية بحلول عام ٢٠٣٠، أوضحت أن هناك خطة للوزارة للتوسع فى المحميات لتتضاعف مساحتها تقريبًا منذ عام ٢٠١٢. لا أدرى بالضبط ما الذى يؤدى إلى تأخير البدء فى تنفيذ تلك الخطة لكنى أعرف جيدًا أن لدينا من العلم الذى يبرر اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا الإنفاق على تلك الخطة، والتى لا أتصور أنها ميزانية كبيرة، كما أننا بحاجة ماسة أيضًا إلى زيادة الإنفاق على إدارة وصيانة المحميات القائمة بدلًا من نزيف العقول الكبير الذى شهده قطاع المحميات فى السنين القليلة الماضية لصالح دول عربية قريبة أدركت حديثًا أهمية الحفاظ على التنوع الحيوى المحلى، وكيف أن إنشاء المحميات الطبيعية هى الخطوة الرئيسية فى ذلك الاتجاه.
• • •
فى المحمية ما يفوق المائة نوع من النباتات البرية الأصيلة فى بيئة نهر النيل، كما أن بها أكثر من مائة نوع من الطيور المقيمة والتى تمر بالمحمية خلال موسم هجرتها السنوى، وهناك أوقات مفضلة لمراقبة تلك الطيور كالصباح الباكر أو قبل الغروب، لأن تلك الطيور وخاصة المهاجرة تحتمى من وطأة الحر فى أغلب وقت النهار. رأينا شجر الحنة وشممنا زهورها الرائعة ورأينا ثمارها التى ستتحول لاحقًا للحنة المستخدمة فى تجميل النساء. كما رأينا نوعين من أنواع شجر السنط الخمس الموجودة فى المحمية، وأتاح لنا كرم الباحثين فى المحمية الاقتراب من شجيرة الست المستحية، واختبرت بعض الطالبات ردة فعل النبات على لمسه أو إمساكه. رأينا أيضًا موضع حمام السباحة الطبيعى الذى يتكون فى بعض شهور الصيف نتيجة زيادة منسوب النهر فى هذا الوقت. والذى يحيط به نبات البوص التى تعمل جذوره كمرشح طبيعى للملوثات.
على مرمى البصر من كل هذا الجمال ترى فيلا المطرب المشهور، وهى تقع على الشاطئ مباشرة (لا أدرى كيف تمكن هو والعديد من الفنادق الصغيرة من البناء مباشرة على شاطئ النهر، وهو من المفترض أن يكون فى عهدة وزارة الرى لحمايته واستخدامه فقط للمنفعة العامة) الأعجب أنك ترى حديقة هذه الفيلا والفنادق الأخرى، وقد زرعت بالنجيلة الخضراء المستهلكة الكبيرة للمياه والمضرة للبيئة، بينما تم تجاهل النباتات البرية الرائعة التى تعج بها المحمية.
• • •
سنزور المحمية مرة أخرى فى الربيع القادم فى كل الأحوال ضمن دراستنا للتدخلات الممكنة لاستعادة الحياة البرية لجزر النيل فى القاهرة وربما تؤدى زيارتنا الحالية لتعديل رئيسى على خطتنا فى الربيع، لتتضمن دراسة ما يمكن عمله أيضا لدعم عمل محمية سالوجا وغزال بما فى ذلك عمل خرائط ورسومات تخطيطية للوضع القائم يمكن استخدامها كبداية لدليل للمحمية، يشرح للزوار المحتملين الكنوز العديدة الموجودة. كما نأمل فى تطوير اقتراح أولى لتطوير موارد المحمية بما يسمح بالإنفاق على المشروعات البحثية والباحثين القائمين بها ودعم البحث عن التنوع الحيوى فى مصر بصفة عامة الذى نحتاجه بشدة وبصورة عاجلة.
استحقت ولا شك الخمس ساعات أو نحوها فى المحمية كل المعاناة التى خضناها فى قطارات السكك الحديدية، والتى نرجو فى المستقبل أن تكون كل تلك الطبيعة الجميلة متاحة للجميع الأشخاص المحليين والزوار دون معاناة لا ضرورة لها.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا