x قد يعجبك أيضا

لا.. لقانون الذكاء الاصطناعى

الخميس 21 أغسطس 2025 - 8:13 م

أمر خطير أن نسارع إلى سن القوانين لمواجهة مشكلة دون أن نسأل أنفسنا أولًا عن حقيقتها ومسبباتها وما قد يترتب عليها من آثار، فربما نصل بالبحث والنقاش إلى أن الحل التشريعى لا يكفى وحده وهناك وسائل أهمّ، أو أنه لا يصلح حلا على الإطلاق، أو أن لدينا ما يكفى من قوانين ووسائل أخرى تُغنينا عن عملية غير مأمونة العواقب.

هذه الرسالة – أو «التذكرة» - أوجهها إلى أعضاء مجلس النواب الحالى والقادم بخصوص «الذكاء الاصطناعى» الذى اتسع الجدل بشأنه بعد واقعة اتهام وزارة السياحة لشاب بالاعتداء على الملكية الفكرية من خلال مقطع فيديو ترويجى للمتحف المصرى الكبير.

فقد كشف النائب أحمد بدوى، رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب، فى تصريحات للزميل أحمد السعدنى بـ«الشروق» عن اقتراب الحكومة من صياغة مشروع قانون لتنظيم العمل بأدوات الذكاء الاصطناعى لمواجهة تكرار وقائع التعدى على حقوق الملكية الفكرية، ومكافحة جرائم مثل الابتزاز الإلكترونى والإساءة لرموز الدولة والتشهير بها والتعدى على الحياة والحقوق الخاصة، كما طالب نواب آخرون بتشديد العقوبات.

فهل نحتاج فعلًا إلى قانون لمواجهة ما قد يُرتكب بواسطة الذكاء الاصطناعى من جرائم؟ مستسهلو الحلول السريعة سيجيبون بـ«نعم» ويهرعون إلى صياغة تعريفات للجرائم وعقوبات لها. لكن الأمر يتطلب نقاشًا أعمق من أربعة جوانب.

أولها: تحديد نطاق ما نريد مجابهته، بحصر السلبيات التى قد تنتج عن استخدام الذكاء الاصطناعى ومقارنتها بالمخالفات والجرائم السائدة فى الواقع الفعلى والافتراضى. فالذكاء الاصطناعى ليس عالمًا جديدًا، بل مجموعة من الأدوات التى تعتمد على تعليم الآلة وإمدادها بالبيانات لإنتاج منظومات من المعلومات فى شكل وسائط من أرقام وكلمات وصور متحركة وثابتة، أو أفعال حركية فى حالات استخدامه فى تقنيات أكثر تعقيدًا.

ومن هذه الزاوية لدينا ترسانة من التشريعات كافية للحوكمة، وتعاقب مرتكبى الأفعال الضارة بأمن الوطن والمواطنين (قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015) وتتصدى للجرائم الرقمية (قانون الجريمة الإلكترونية 175 لسنة 2018) وتنظم حقوق الملكية الفكرية والرقابة عليها (القانونان 82 لسنة 2002 و163 لسنة 2023) وتضمن حماية البيانات الشخصية المعالجة إلكترونيًا بشكل كامل أو جزئى (القانون 151 لسنة 2020 الذى لم تصدر لائحته التنفيذية حتى الآن) بالإضافة إلى قوانين البنوك والتجارة وحماية المستهلك والاتصالات وتنظيم الإعلام واستخدام التكنولوجيا المالية غير المصرفية.

هذا يعنى أن أغلب – إن لم يكم جميع - الأضرار العمدية والعرَضية التى يسببها الاستخدام السيئ للذكاء الاصطناعى مشمولة فى القوانين القائمة، وفقا للقواعد العامة كالمسئولية والمسئولية التقصيرية ومحاسبة الأشخاص الطبيعية والاعتبارية والشكاية والتقاضى وجبر الضرر والعقاب المتناسب، إلى جانب الموازنة بين حرية الإبداع والابتكار وبين الحق فى الخصوصية والملكية.

أما الجانب الثانى فيتعلق بفهم طريقة تكوين معرفة الذكاء الاصطناعى وعمليات معالجة البيانات. هنا أنصح بالعودة إلى مقالات د. محمد زهران عبر «الشروق» لرسم صورة دقيقة للجرائم والتجاوزات المحتملة من تلاعب أو تزييف أو انتحال، أو سرقات إبداعية وعلمية، وكذلك سرقة البيانات الشخصية والدخول غير المشروع للاستيلاء على المحتوى الإلكترونى الخاص.

ونجد أيضا أن القوانين القائمة كفيلة بالتصدى لتلك الممارسات، ولا حاجة بنا للتكرار لمجرد اختلاف الوسيلة، أو لنضيف مصطلح «ذكاء اصطناعى» إلى صياغات تشريعية غير متماسكة – كما حدث فى بعض الدول - حتى نستشعر إحساسا زائفا بمواكبة العصر، فهذا ليس من الحكمة فى شىء.

والنقاش فى الجانب الثالث يجب أن يدور حول التجارب الدولية ومدى نجاحها فى التعامل مع تلك المستجدات. أمامنا قائمة طويلة من الانتقادات الموجهة للقانون الصادر عن الاتحاد الأوروبى مثل ضعف القدرة على تطبيقه خاصة فى مجال استغلال البيانات، وفشله بذاته فى حماية حقوق النشر والتصدى للتزييف العميق، وتجاهل المطوّرين التقنيين له لعدم وضوح الالتزامات ومتطلبات منع المخاطر. والأمر ذاته بالنسبة للقوانين المحلية التى أصدرتها بعض الولايات الأمريكية للحد من تحيّز الخوارزميات ونشر الزيف.

حيث يجادل بعض القانونيين بأن مردّ جميع المنازعات الناشئة عن تلك الممارسات يكون فى النهاية إلى القواعد القانونية الراسخة وتكييفها بعين واعية، وليس القيود الجديدة التى لا تعدو كونها محاولات بيروقراطية بائسة لترويض وحش غير قابل للسيطرة.

وهذا يؤدى بنا إلى الجانب الرابع والأكثر ارتباطا بواقعة فيديو المتحف المصرى الكبير: إعادة النظر إلى التشريعات القائمة ذات الصلة والمبادئ والأحكام القضائية المرتبطة بها. فلننشر المعرفة العامة بسمات المخالفات والجرائم وعقوباتها، وضمانات الحقوق ووسائل حمايتها، اعتمادًا على منهجية التوعية لا التخويف، بدلًا من إضافة قوانين جديدة إلى ترسانة تشريعية لا تعمل.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة