المحكمة حكمت بإلغاء قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الشقق السكنية، ولابد من تنفيذ الحكم فورا، لا المحكمة لم تحكم بذلك، بل طلبت فقط زيادة بسيطة فى أجرة هذه المساكن على أن يستمر القانون كما هو.
الرأيان السابقان كلاهما خاطئ ولم تحكم بهما أى محكمة، لكن كشأننا فى معظم قضايانا فإننا نتعامل معها على طريقة إما زمالك أو أهلى ولا يوجد وسط بينهما.
نعلم تماما أن الذى حدث هو أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكما مهما للغاية برئاسة المستشار بولس فهمى رئيس المحكمة فى 10 نوفمبر الماضى «بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى».
إذن النقطة الأولى الأساسية أن حكم المحكمة الدستورية يقول إن تثبيت الإيجار بالشكل الذى كان سائدا ليس دستوريا.
ثانيا أن النقطة المهمة أيضا أن المحكمة قالت إن أثر الحكم يبدأ من اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى الحالى، أى الدورة البرلمانية الخامسة لمجلس النواب القائم، وبالتالى فهذا الحكم ليس مطلوبا تنفيذه فورا كما اعتقد البعض.
ثالثا: طلبت المحكمة فى حكمها من المشرع أى البرلمان أن يتدخل لتعديل وتصويب الخطأ وإحداث التوازن بين أصحاب الشقق والمستأجرين، فلا يقوم أصحاب الشقق بفرض إيجارات مبالغ فيها، ولا يهدر فى نفس الوقت حقه فى الحصول على عائد مناسب من تأجير سكنه.
وبالتالى فإن المحكمة أعطت المشرع مهلة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن السكنية الخاضعة لهذا القانون.
رابعا: تطبيق منطوق الحكم صار فى يد مجلس النواب والمفترض أن يصدر من الآن وحتى نهاية الفصل التشريعى الخامس والأخير قانونا يعالج المادتين المقضى بعدم دستوريتهما أى ثبات أجرة السكن.
خامسا: معنى هذا أن أمام مجلس النواب مهلة كافية ومجموعة من البدائل الكثيرة. أولها أن ينفذ فقط ما طالبت به المحكمة الدستورية ويحدد قيما إيجارية غير ثابتة للأماكن السكنية، ورفعها بنسب مختلفة.
ويمكن أن يستغل الحكم لوضع قانون جديد وشامل لتنظيم هذه العلاقة، أما بالتحرير المتدرج أو التحرير الشامل وترك العلاقة حرة كما هو فى القانون الحالى الصادر سنة 1996، القائم على العرض والطلب.
المتابع لردود الفعل على حكم المحكمة الدستورية سوف يلاحظ وجود 3 اتجاهات واضحة أولها أصحاب الأماكن المؤجرة، وهم سعداء إلى حد كبير بالحكم. هم اعتقدوا فى البداية أن الحكم ينهى العلاقة فورا ويعيد إليهم بيوتهم وشققهم السكنية فورا، وهو أمر غير صحيح. وحتى عندما انتبهوا لمنطوق الحكم فقد ظلوا سعداء لأن الحكم أنصفهم بعد سنوات طويلة ظنوا أنها لن تنفرج أبدا.
الطرف الثانى هم المستأجرون الذين أصيبوا بصدمة كبيرة من الحكم، ولكن عندما أفاقوا وانتبهوا فقد اكتشفوا أن الحكم يخص نقطة واحدة وهى رفع القيمة الإيجارية وليس طردهم من أماكنهم.
الطرف الثالث هم أولئك الخبراء والذين تشغلهم مصلحة الدولة والاستقرار الاجتماعى فيها. هؤلاء يقولون إن الحكم يمثل فرصة ثمينة لحل هذه القضية المزمنة والتى باتت تمثل صداعا فى رأس المجتمع بأكمله، وينبغى معالجتها بصورة تحقق التوازن النسبى بين مصلحة المجتمع بأكمله. توازن يعيد لأصحاب الشقق جزءا كبيرا من حقوقهم، وفى نفس الوقت لا يلقى بالمستأجرين فى الشوارع، لأن حدوث ذلك سوف يكون وبالا على المجتمع بأكمله.
قرار المستشار حنفى جبالى رئيس مجلس النواب قبل أيام بتشكيل لجنة برلمانية مشتركة تضم كل الأطراف ذات الصلة لمناقشة القضية من مختلف جوانبها، هو خطوة مهمة جدا، والمطلوب هو أن تتوافر البيانات والمعلومات الكاملة عن القضية وعدد الشقق والمستأجرين وظروفهم المختلفة.
والسؤال المهم هل يتم إصدار قانون شامل يحل المشكلة من جذورها. أم حل تدريجى انتظارا للحظة أخرى يكون المجتمع فيها أكثر تفهما وتقبلا؟. وكنت أتمنى أن يناقش مجلس الشيوخ القضية أولاً حتى نصل إلى أكبر نقاش مجتمعى حقيقى.
أظن أن الاختيار بين أحد الحلين يرجع إلى البرلمان وصانع القرار وتقديره لكل الظروف المحيطة بناء على معلومات صحيحة ودقيقة وموضوعية إضافة إلى تقديرات أخرى كثيرة متداخلة.