هل ستوقف «إسرائيل» حربها على لبنان؟
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 8:00 م
لا يبدو للبعض أن الحرب على لبنان وغزة متجهة إلى الانتهاء، إلا أن هناك عدة مؤشرات داخلية إسرائيلية إلى قرب انتهائها، على لبنان تحديدا، أو إلى تغيّر شكلها. ومن المؤكد أن أى وقف لإطلاق النار لن يكون كما كان بعد حرب عام 2006، إذ لن يكون هناك هدوء دائم، بل ستتخلّله خروقات إسرائيلية تردّ عليها المقاومة.
بوادر وقف الحرب، أو سيناريو تغيّر شكلها إلى حرب منخفضة الوتيرة عمّا نعيشه اليوم، هو الخطة الاقتصادية للعام ٢٠٢٥ التى وضعها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهى عبارة عن ميزانية أساسها انتهاء الحرب، وليست ميزانية حرب كالتى وضعت للعام 2024. وإلى ميزانية ٢٠٢٥، يضاف ما يعانيه جنود الاحتياط بعد عام من الحرب، وهو ما انعكس سلبا بشكل كبير على المجتمع الإسرائيلى، بجانب ما يجرى فى شمال فلسطين المحتلة من تصاعد أصوات تطالب بوقف الحرب مع حزب الله لتأثيرها على واقعهم الاقتصادى والمعيشى.
بالعودة إلى ميزانية 2025، فبحسب خطة سموتريش المالية ستنتهى الحرب آخر العام الحالى، وهو ما عبّر عنه فى جلسة للكنيست لمناقشة الميزانية، بالقول إن الحرب مع لبنان ستنتهى فى شهر أو أقل. وبحسب المشروع المقدّم للكنيست، فإن الشهرين الأول والثانى من العام المقبل، سيكونان شهرى بدء التعافى الاقتصادى.
• • •
هذه الحاجة فى «إسرائيل»، بعد عام من الحرب، إلى وقف الحرب فى لبنان وتخفيض وتيرتها بشكل كبير فى غزة، تعزى إلى أسباب عدّة، منها:
أولا: أزمة الاحتياط، لم يعد المجتمع الإسرائيلى يحتمل الحرب، خاصة فئة الاحتياط. وكما هو معلوم فإن غالبية قوات الجيش الإسرائيلى قوامها من جنود الاحتياط. إذ إن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بنت عقيدتها، منذ نشأتها، على الحرب السريعة التى يتجنّد فيها الجمهور فى الاحتياط، ثم يعود هؤلاء إلى حياتهم المدنية الطبيعية لتفعيل الدورة الاقتصادية التى تعتمد عليهم.
إحدى نتائج «طوفان الأقصى» كانت تدمير هذه العقيدة العسكرية، ما حتّم على المجتمع الإسرائيلى «التضحية»، من أجل الثأر، بكل ما عاشه وعرفه، وتغيير نمط حياته، ذلك بعدما لامست «الدولة» التهديد الوجودى صباح ذلك اليوم. لقد أثّرت خدمة جنود الاحتياط أكثر من 250 يومًا، واستدعاء قسم كبير منهم للمرة الخامسة، على نمط حياتهم وعلى عائلاتهم وأعمالهم ودراستهم.
هذا الواقع يدركه رئيس هيئة الأركان هرتسى هاليفى الذى وصلته رسائل عدة من جنود الاحتياط وعائلاتهم عبر البريد الإلكترونى العسكري، ما دفعه للطلب من شعبة القوى البشرية تخفيف الأعباء على قوات الاحتياط، فى العام 2025. وإذ تشهد بعض الوحدات حاليا نقصا فى الجنود، ما دفع الجيش لنشر إعلانات طلب جنود للاحتياط على شبكات التواصل الاجتماعى.
تحمّلُ قوات الاحتياط لحرب طويلة بما يخالف العقيدة العسكرية الإسرائيلية، شكّل أزمة داخلية للجيش الإسرائيلى الذى يطالب حاليًا بتمديد فترة الخدمة النظامية لـ36 شهرًا، وتجنيد المتدينين اليهود (الحريديم)، وهو ما يهدد بانهيار الائتلاف الحكومى بسبب الخلاف على إقرار القانون. تطالب الأحزاب الحريدية بإقرار قانون إعفائهم من الخدمة العسكرية، لتصوّت على تمرير الميزانية، ما يشكّل عبئًا على الاحتياط والمجتمع العلمانى فى الكيان.
ثانيًا: التأثير الاقتصادى، بالعودة إلى ميزانية سموتريتش، فإن الاقتصاد الإسرائيلى يعانى حاليًا من عجز كبير وصل إلى 8.1 فى المئة من الناتج المحلى الإجمالى فى الأشهر الـ12 حتى يوليو الماضي، فى حين توقعت وزارة المالية أن يكون العجز حوالى 6.6 فى المائة، إلا أنه بحسب «بنك أوف إسرائيل» (البنك المركزي) فقد وصل العجز إلى 7.2%..
وتشير معطيات الشهر الماضى إلى أن نسبة المتغيبين عن العمل بسبب الخدمة فى قوات الاحتياط تبلغ 12% بينما كانت 6.9% فى الشهر الذى سبقه. أمّا نسبة تغيّب الرجال فتبلغ 23.3% بسبب الخدمة فى قوات الاحتياط فى سبتمبر الماضى (تاريخ بدء العدوان على لبنان واستدعاء الاحتياط بشكل كبير)، بينما كانت 18.6 فى شهر أغسطس الماضي. أمّا نسبة تغيّب النساء عن العمل فى الشهر الماضي، بسبب الخدمة فى قوات الاحتياط، فبلغت 3.2%، بينما كانت 1.3% فى أغسطس الماضى.
هذه الأرقام انعكست سلبًا على التصنيف الائتمانى لـ«إسرائيل». بالنسبة لبلد مثل لبنان لا يملك اقتصادا منتجا هذه الأرقام غير مهمة، أمّا بالنسبة لدولة تقول إنها «أمة الشركات الناشئة»، فإن خفض التصنيف الائتمانى ينعكس سلبًا على اقتصادها وعلى المستثمرين الذين سيفضّلون وضع أموالهم فى أماكن أكثر أمنا واستقرارا، بدل استثمارها فى دولة تدفع يوميا على الحرب نصف مليار شيكل (135 مليون دولار).
ثالثًا: تغيّر نمط الحياة لدى المستوطنين، قبل بدء الحرب مع لبنان، أجرى معهد الأمن القومى الإسرائيلى استطلاعين للرأي، الفارق الزمنى بين الأول والثانى ستة أشهر. وتوزعت أعمار المستطلعين ما بين 22 و65 عامًا، وتوزع المستطلَعون على نصف صوّت فى الانتخابات الأخيرة لأحزاب اليمين (الليكود، الصهيونية الدينية، وإسرائيل بيتنا)، ونصف آخر لأحزاب الوسط واليسار (المعسكر الرسمى، وحزب هناك مستقبل، وحزب العمل). وبحسب نتائج الاستطلاع فى أغسطس الماضي، فإن 44% من الجمهور يعتقدون أنه يجب على إسرائيل بدء حملة واسعة فى لبنان، ولو أدى ذلك إلى حرب إقليمية واسعة.
إلا أن هذا الجو العام الذى طغى حينذاك تلاشى مع استمرار الحرب مع لبنان نهاية سبتمبر، بسبب العدد الكبير من القتلى والجرحى الشهر الماضي، إذ سقط فى أكتوبر ــ على الجبهة الشمالية ــ 46 قتيلًا وما يقارب الـ900 جريح. كما أن استمرار إطلاق حزب الله للصواريخ وتوزع نطاقها الجغرافى بشكل واسع، أدى إلى تغيّر نمط حياة المستوطنين الذين يعيشون فى شمال فلسطين المحتلة وتحديدًا مدينة حيفا التى تعتبر عاصمة الشمال، حيث طلب رئيس بلديتها، يونا ياهف، من سموتريتش، إدراج الأعمال التجارية فى المدينة ضمن خطة التعويضات للمتضررين فى ميزانية العام المقبل وذلك بسبب الحرب مع حزب الله. واعتبر ياهف أن سياسة الجبهة الداخلية بالحد من التجمعات تسببت بكارثة اقتصادية وانخفاض حاد فى الإيرادات فى قطاعات الأغذية والملابس والترفيه والسياحة والثقافة.
رابعًا: الجمود الميداني، بعيدًا عن الشق الاقتصادي، وصل الواقع العسكرى الميدانى إلى نقطة جمود لا جديد فيها بعد أسابيع من الحرب. إذ دخلت القوات الإسرائيلية إلى قرى حدودية أغلبها تعتبر ساقطة عسكرية، وتم تدميرها مسبقا بالقصف الجوى الذى طاولها فى عام الإسناد. حاليا، لا جديد فى الميدان العسكري، وكلما ابتعدت «إسرائيل» عن 27 سبتمبر، يوم اغتيال نصرالله، فإنها ستخسر فى استثمار ذلك سياسيا، وهو ما عبر عنه عدد كبير من المحللين السياسيين والعسكريين الجديّين، أبرزهم رئيس العمليات السابق فى الجيش إسرائيل زيف، فى مقال على موقع القناة 12، قال فيه: «بشكل واضح الكرة فى ملعب إسرائيل إلى حد بعيد جدًا، والسؤال المنطقى الآن، أكثر من أى وقت مضى، هو عمّا إذا كانت هذه الحكومة تعرف كيف تتخذ قرارات أبعد من الضربات العسكرية. بما معناه اتخاذ قرارات سياسية شجاعة تستغل الإنجازات العسكرية وتترجمها كى تغدو نتائج على شكل ترتيبات. هذا سيسمح لإسرائيل بإعادة تأهيل نفسها، بعد الأثمان الغالية والكبيرة والمؤلمة التى دفعتها خلال العام الماضى».
ماذا بعد؟
فى العام الماضى، تعرّفنا على «إسرائيل جديدة«، احتملت عددا كبيرا من القتلى، تخلّت عن أسراها، وخاضت حربا طويلة. ما جرى عرّفنا على عدو جديد غيّره صباح السابع من أكتوبر. لكن بعد عام على الحرب التى غيّرت وجه المنطقة، فإن «إسرائيل»، وبرغم من كل الدعم الأمريكى لها، وصلت إلى نقطة تحتّم عليها إيقاف الحرب لأنها دخلت فى مرحلة الاستنزاف الاقتصادى والمجتمعى والعسكرى.
«إسرائيل» وصلت إلى القمة بعد اغتيال نصرالله، وبعد تلك النقطة فهى بدأت مرحلة الانحدار، بينما، فى المقابل، فإن حزب الله متّجه للصعود، لذلك من المحتمل أن يضغط جيش العدو بشكل أكبر على الحكومة لوقف الحرب فى لبنان وخفض وتيرتها فى غزة، خوفًا من حرب استنزاف ستعمّق الأزمات فى الداخل الإسرائيلى.
قاسم س. قاسم
موقع الكرمل
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/yc3w88sd
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا