x قد يعجبك أيضا

إسرائيل عاجزة عن كسر «المحور» لهذه الأسباب!

الإثنين 18 نوفمبر 2024 - 6:40 م

نشر موقع 180 مقالا مترجما بتصرف عن مجلة فورين أفيرز الأمريكية للكاتب ريناد منصور بعنوان "محور المقاومة.. إسرائيل تستهين بقوة إيران وحلفائها" المنشور بتاريخ 13 نوفمبر، قامت بترجمته منى فرح، جاء فيه أن محور المقاومة قادرٌ على تخطى الصدمات التى يتعرض لها جراء الحرب الشرسة التى تشنها إسرائيل فى غزَّة ولبنان، لأن قوى المحور عقدُ مترابط من شبكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأيديولوجية، ولديها قدرة عالية على التكيّف والمرونة. لذلك لن تستطيع إسرائيل أن تهزم هذه القوى، وستضطر فى النهاية للقبول بتسوية سياسية شاملة تأخذ فى الاعتبار الطبيعة الحقيقية لديناميكيات قوى المحور فى المنطقة.. نعرض من المقال ما يلي:

بالرغم من شراسة الهجوم الذى تشنه إسرائيل، مدعوما بالتقنيات الحديثة والمتطورة، وبالرغم من تفوقها العسكرى الذى لا يمكن إنكاره، والدعم الذى تحظى به من الغرب، فمن غير المرجح أن تقضى إسرائيل على قوى محور المقاومة بالطريقة التى تأملها. فقد أظهر «المحور»، مرارا وتكرارا، قدرة على التكيّف والمرونة تشهد على الروابط العميقة التى تحافظ عليها مجموعات أعضائه فيما بينها كما داخل مجتمعاتها. كما أن العلاقات العابرة للحدود التى يتألف منها «المحور» تعنى أن «حماس» وحزب الله والقوى الأعضاء الأخرى لا يمكن اختصارها على أنها مجرد جهات فاعلة غير حكومية منفصلة أو جماعات مسلحة متمردة. إنها عقدٌ مترابطة من شبكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأيديولوجية.

هذه الشبكات الإقليمية، بل والعالمية فى بعض الأحيان، سمحت لقوى «المحور» باستيعاب الصدمات المختلفة التى تعرضت لها، بما فى ذلك تخطى صدمة الاغتيالات (لا سيما اغتيال زعيمها الفعلى، الجنرال قاسم سليمانى، بغارة أمريكية)، والانهيارات الاقتصادية نتيجة العقوبات التى شدَّدها دونالد ترامب، وانهيار المصارف اللبنانية فى عام 2019، والاحتجاجات الشعبية فى إيران والعراق ولبنان وسوريا وغزّة. وبرغم كل تلك التحديات استعان أعضاء المحور ببعضهم البعض وبمجتمعاتهم المحلية من أجل البقاء على قيد الحياة.

•  •  •

الاختبار المُبّكر للمحور جاء فى عام 1992، عندما اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله آنذاك السيّد عباس الموسوى. فى ذلك الوقت أعلنت إحدى الصحف الإسرائيلية الكبرى أن «عصر الصراع مع حزب الله فى ملعبه المريح قد انتهى». لكن حزب الله استطاع إعادة بناء نفسه فى وقت قياسى، وحصل على المزيد من الدعم الإيرانى (المال والتدريب العسكرى والتوجيه الاستراتيجى)، ما مكَّنه ليس فقط من التعافى بسرعة استثنائية، بل وتوسيع نفوذه أيضا. وتحت إشراف مجلس الشورى والأمين العام الجديد المُنتخب (خليفة الموسوى)، السيّد حسن نصرالله، أصبح حزب الله فى نهاية المطاف قويا بما يكفى لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضى اللبنانية من دون شرط، فى عام 2000. هذا الانتصار، الذى تعزَّز بانتصار آخر تحقق فى حرب يوليو 2006. وهذا ما عزَّز من سُمعة حزب الله إلى حد كبير.

فى عام 2011، واجه «المحور» تحديا صعبا آخر عندما تعرض نظام الأسد لتهديد وجودى فى هيئة حرب أهلية تطورت إلى ما يشبه «الحرب الكونية» على سوريا. لكن «المحور» تمكن، مرة أخرى، من التكيّف بطرق سمحت له بالتغلب على هذه الأزمة. وقد ساعد الأسد الروابط المهمة التى أقامها «المحور» مع دول خارج المنطقة: روسيا التى جاءت لإنقاذ الأسد وأصبحت شريكا عالميا مؤثرا لـ«المحور».

بالإضافة إلى العمليات العسكرية، واجه «محور المقاومة» أيضا هجمات اقتصادية على شكل عقوبات. خلال السنوات الأولى من هذا القرن، دفعت طموحات إيران النووية ونفوذها المتزايد تحالفا دوليا بقيادة الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات جديدة ومشدَّدة على طهران وحلفائها داخل «المحور». وزادت العقوبات بشكل كبير فى عام 2018، عندما تراجع ترامب عن الاتفاق النووى وأطلق حملته لتشديد العقوبات و«الضغوط القصوى» على طهران، بهدف خفض صادراتها النفطية إلى الصفر. وبالفعل، دمّرت العقوبات الاقتصاد الإيرانى، لكن طهران وجدت طرقا لبيع نفطها من خلال الأسواق غير الرسمية. وبمساعدة حلفائها فى «المحور» استخدمت أسواقا لتجارة موارد الطاقة، وتمويل العمليات العسكرية، والحصول على الدولار الأمريكى.

آخر تحد كبير واجهه محور المقاومة، قبل الحرب الإسرائيلية الحالية على حماس وحزب الله، كان اغتيال قاسم سُليمانى: مؤسس «المحور» وزعيمه الفعلى. فضلاً عن أنه كان له أسلوبه القيادى من أعلى إلى أسفل. وبرغم أن وفاته كانت نكسة حقيقية إلا أن قوى «المحور» أظهرت؛ مرة أخرى؛ قدرة على التكيّف مع التهديدات الخطيرة.

بعد اغتيال سُليمانى صارت قيادة المحور أفقية يقودها الإيرانيون. احتفظت إيران بدور محورى فى تحديد الاتجاه الاستراتيجى. لكن الهيكل الجديد سمح للأعضاء الآخرين بقدر أكبر من الاستقلالية والتفاعلات المستقلة مع الأحداث كما مع طهران ومع بعضهم البعض. وأصبح السيّد نصرالله وسيطا مُهما يقدَّم الإرشادات الاستراتيجية بشكل منتظم للجنرال إسماعيل قاآنى (خليفة سُليمانى)، الذى عمل على تحويل «المحور» إلى مؤسسة أكثر رسمية وتماسكا.

•  •  •

تدرك إسرائيل الطبيعة العابرة للحدود لمحور المقاومة. لذلك شرعت حكومة بنيامين نتنياهو فى تنفيذ استراتيجية الحرب الشاملة ردا على عملية طوفان الأقصى، عبر شنّ هجمات قاسية ضد حماس وحزب الله وإيران ونظام الأسد، وأعضاء آخرين فى المحور.

وأظهرت الضربات الموجعة التى وجهتها إسرائيل على مدار الأشهر الـ13 الماضية، قدرة قوى محور المقاومة على الصمود. وقد أثبت العام الماضى أن «المحور»، إلى حد كبير، ما يزال قادرا على التكيّف مع مختلف التحديات العسكرية والاقتصادية. وستستمر فى الاعتماد على الدعم المحلى، وعلى أعضاء آخرين فى «المحور» فى جميع أنحاء المنطقة، وعلى حلفاء عالميين مثل روسيا والصين.

إن القضاء على المحور مهمة مستحيلة ومن المرجح أن تتطلب، على أقل تقدير، هدم واحتلال وإعادة تأسيس دول جديدة بأكملها. وبالنسبة لإسرائيل، التى اتُهمت بارتكاب جرائم حرب فى المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، فإن هذا النوع من الجهود من شأنه أن يؤدى إلى ردود فعل عكسية حتى من حلفائها الرئيسيين والمجتمع الدولى.

ويشير التاريخ إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية من غير المرجح أن تنجح فى غياب حل سياسى شامل، وبخاصة عندما تُـدار هذه العمليات خارج أراضيها. بل إنّ الحملة الإسرائيلية من المرجح أن تفضى إلى شرق أوسط أكثر اضطرابا، حيث يصبح السلام الحقيقى احتمالا بعيد المنال. والواقع أن المذابح التى ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين والمدنيات، والتى أدانتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، أثبتت أنها مدمرة للمجتمع المدنى، وتستخدمها مجموعات المحور لتعزيز أيديولوجيتها المقاومة. وعلى نحو يخالف البديهة إلى حد ما، فإن السكان فى إيران والعراق ولبنان وسوريا سوف يجدون الآن صعوبة أكبر فى الإصرار على مساءلة مجموعات «المحور» التى تحكم حياتهم اليومية، ناهينا عن المطالبة بالإصلاحات. وسوف يكون هؤلاء المدنيون، وليس أعضاء المحور، هم الضحايا الأكبر على المدى الطويل فى الحرب الشاملة التى تشنها إسرائيل.

لذا، بدلا من تمكين إسرائيل من تنفيذ استراتيجيتها الوحشية، يتعين على الجهات الفاعلة الدولية أن تعمل على إيجاد تسوية سياسية تبدأ بوقف إطلاق النار لإنهاء الحروب الدموية فى غزَّة ولبنان. وينبغى أن تكون الخطوة التالية إشراك الحكومات المرتبطة بالمحور فى التفاوض على تسوية أوسع تأخذ فى الاعتبار الطبيعة الحقيقية لديناميكيات القوة فى المنطقة. وبدون مثل هذا النهج الشامل، فإن الصراع الإقليمى فى الشرق الأوسط محكوم عليه بالاستمرار، على حساب الأجيال القادمة.

النص الأصلي

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة