x قد يعجبك أيضا

من جامعة «أهلية» إلى جامعة «حكومية»

السبت 12 أبريل 2025 - 8:05 م

(1)
... ونستأنف الحديث عن ذكرى مرور مائة عام على صدور المرسوم الملكى بتحويل الجامعة «الأهلية» إلى جامعة «حكومية» فى مارس من العام 1925، وبعد سبعة عشر عاما من تدشينها كمنظمة أهلية، لتبدأ فى ممارسة مهامها النهضوية والعلمية والمجتمعية، منذ ذلك التاريخ، باعتبارها أقدم وأعرق جامعة مصرية وعربية حديثة، تنشأ وفق أسس ومنطلقات التعليم العصرى والحديث؛ الآخذة بأساليب العلم العصرية والمكتسبات الإنسانية فى اللغات والآداب والعلوم والتربية.. إلخ.
ونحن حينما نعيد التذكير بهذه المناسبة لا نريد الاحتفال بمعناه الاجترارى الماضوى، بل بمعناه المعرفى «النقدى» الداعى إلى مراجعة هذه التجربة النهضوية الهائلة، والنظر لها وفق مقتضيات حاجاتنا المعرفية والمستقبلية والسعى إلى تطويرها وتحديثها للوصول بها إلى تحقيق أهدافها والغاية منها ومن تأسيسها ومجاراة التطور المذهل فى دور الجامعة والغرض منها وبما ينعكس على بقية الجامعات والمؤسسات العلمية والتعليمية فى عموم المحروسة.
لم يكن الحلم بالجامعة والسعى لإنشائها منفصلا عن الحراك الكبير الذى شهده المجتمع المصرى جراء عمليات التحديث التى بدأها محمد على باشا (1805-1848) واستأنفها حفيده الخديوى إسماعيل (1863-1879) وأفترض أن المرحلة الثالثة والأخيرة فى استئناف عمليات التحديث المادية الكبرى فى إطار حكم الأسرة العلوية كان، وللمفارقة!، على يد الملك فؤاد الأول الذى حكم مصر بين سنتى 1917 و1936 (لمن أراد مزيدا من التفصيل عن تسارع عمليات التحديث والتوسع فى البنية الأساسية التحتية، خاصة فى الجانب الثقافى والمجتمعى والمؤسسى مراجعة كتاب المؤرخ الراحل الدكتور يونان لبيب رزق - فؤاد الأول المجهول والمعلوم - الصادر عن دار الشروق).
(2)
لقد كان إنشاء الجامعة الأهلية سنة 1908 مرتبطًا بتحقيق تطلعات كثير من فئات المثقفين المصريين منذ مطلع القرن العشرين إلى إقامة مؤسسة علمية حديثة، تسهم فى تدعيم النهضة الثقافية والفكرية المنشودة، بل وتكون رأس الحربة وقاطرة التقدم فى قيادة هذه النهضة وشمولها عموم الوطن، وذلك من خلال تدشين وتطوير الممارسة العلمية المنهجية الحديثة، والتأسيس كذلك لتجديد الثقافة العربية التقليدية الموروثة، وفتح آفاق الاتصال والمثاقفة بالتيارات الغربية الحديثة، والإفادة مما قطعته فى أشواط التقدم العلمى، والاستنارة الفكرية والمعرفية، وبالأخص فى مجالات الدراسة الإنسانية ومناهجها الحديثة.
ووفق الرؤية التى صاغها أحمد لطفى السيد، أحد آباء الثقافة المصرية الحديثة، وأحد المنادين بالدعوة لتأسيس الجامعة كمؤسسة شاملة للتحديث والتعليم العصرى، فإن المؤسسات القائمة لم تكن تحقق الغاية المنشودة من الأهداف والغايات التى ذكرناها أعلاه؛ ويوضح الدكتور أنور مغيث فى كتابه القيم (تاريخ لم يكتبه المنتصرون) أن مصر خلال هذه الفترة من العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى الربع الأول من القرن العشرين، كانت مليئة بالمدارس العليا، مثل مدرسة الطب، والمهندسخانة، وغيرهما، وكان أحمد لطفى السيد، يرى أن دور هذه المدارس هو تخريج موظفين للإدارة الإنجليزية فى البلاد تلبى احتياجاتهم وتفيد مصالحهم فى إدارة مصر لا العكس. ولهذا فهى بطبيعتها لا تفتح مجالًا للفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية. ولهذا كان من الأغراض الأساسية لبحث فكرة الجامعة ترسيخ هذا اللون من الدراسة والتفكير، ومن ثم تأسست «الجامعة المصرية» بتمويل حر من المجتمع المدنى المصرى.
(3)
ولقد دافع لطفى السيد، فيما يوضح الدكتور أنور مغيث، عن ضرورة تعليم الفلسفة على صفحات «الجريدة» ضد هجوم رجال الأزهر الذين رأوا فيها خطرًا على الدين من جهة، ومن جهةٍ أخرى ضد التكنوقراط الذين رأوا فيها مجرد علم بلاغى لا دور له فى تحديث المجتمع، وضد هجوم قوى الاستعمار.
فى إطار هذا السياق التاريخى الثقافى، ولكى نفهم طبيعة المجالات التى كان يتم تدريسها فى هذه الجامعة الوليدة، نستطيع أن ندرك ونفهم أهمية وخطورة اتخاذ القرار بصدور المرسوم الملكى بتأسيس جامعة فؤاد الأول الحكومية سنة 1925، متضمنا طلب ضم الجامعة الأهلية المصرية إليها، وهو ما وافق عليه مديرها آنذاك أحمد لطفى السيد، وأصبحت الجامعة المصرية الحكومية تضم أربع كليات على رأسها (كلية الآداب)؛ التى كانت جامعة لتدريس الفلسفة والأدب والعلوم الإنسانية واللغات.
ولقد كانت الأزمات التى واجهها لطفى السيد حينما عمل مديرًا للجامعة المصرية الأهلية، ثم بعد ذلك مديرًا لجامعة فؤاد الأول الحكومية، وطريقة إدارته لهذه الأزمات ما يلقى الضوء على طبيعة تطوّر المجتمع المصرى، وتطور فكر لطفى السيد نفسه، فيما يشير إلى ذلك الدكتور أنور مغيث فى دراسته القيمة التى أشرنا إليها أعلاه.
(4)
وهكذا يمكن القول؛ إن هذه السنة (1925) قد صارت سنة فارقة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وقد تحولت فيها الجامعة الأهلية من منظمة «أهلية» إلى جامعة «حكومية» تخضع للإدارة الرسمية المصرية، ويتحول اسمها إلى جامعة فؤاد الأول لتبدأ - رغم كل المشكلات والتحديات والأزمات والمعارك - سنوات تألقها وازدهارها وإنتاجها ونهوضها وتخريجها لأجيالٍ ممتازة من المتعلمين «المثقفين» المصريين لم تر البلاد مثلهم لا قبل ذلك ولا بعده! (خصوصا من خريجى العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات).
(وللحديث بقية)..

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة