x قد يعجبك أيضا

النائمون فى شوارع وسط البلد

السبت 8 مارس 2025 - 7:20 م

‎أحرص على المشى بين الحين والآخر من مقر الشروق فى الدقى إلى بيتى قرب السيدة زينب لمنع زيادة معدل الكوليسترول الضار.
وفى الواحدة من صباح الأربعاء 26 فبراير كنت عائدا للبيت سيرا على الأقدام من العجوزة بعد المشاركة فى مقابلة تلفزيونية.
الجو كان شديد البرودة وكانت هناك أسرتان تنامان على رصيف كوبرى الجلاء.
إحدى هذه الأسر شبه مقيمة ليل نهار فى هذا المكان، خصوصا فى الليل، ويمكن بسهولة لأى شخص عابر أن يدهس أطفال هذه الأسرة بقدميه.
‎فى ملاحظاتى خلال هذا المشوار فإن عدد الذين يفترشون الشوارع يزداد بوتيرة كبيرة صيفا وشتاء، ويتخذ أشكالا متنوعة وجرأة غير مسبوقة من دون رقابة أو علاج.
‎قلبى مع هؤلاء الناس، واعتقادى أنه لا يمكن لشخص أن ينام فى الشارع إلا إذا كان «حاله ضنك وضربه السلك تماما»، أو يعمل متسولا محترفا.
فى السطور التالية لا أتحدث عن المحتاجين والمضطرين والمعدمين فعلا ولكن عن محترفى التسول.
‎مشوار سيرى يبدأ من شارع التحرير المواجه للمركز القومى للبحوث فى الدقى.
‎الزيادة الملحوظة فى عدد النائمين تبدأ من ميدان الدقى المزدحم دائما، خصوصا أن بعض الأشقاء العرب يفضلونه.
وفى مواجهة بنك فيصل الإسلامى ينام أكثر من شخص بجوار سور محطة الوقود التى صارت أرضا خلاء.
‎بعد عبور كوبرى الجلاء فإن سور دار الأوبرا صار مرتعا لعدد كبير من الناس الذين قرروا أن يتخذوه مسكنا.
‎لم ألحظ أحدا ينام فى ميدان التحرير لوجود شركة أمن تشرف على المكان، لكن أمام مقر وزارة الخارجية الأقدم «قصر التحرير» المواجه لجامعة الدول العربية سيدة تبيع «الترمس» هى نائمة طوال الوقت جلوسا، ولا أعرف كيف توفق بين البيع والنوم والدائم! والمرة الوحيدة التى رأيتها مستيقظة كانت توقف «تاكسى» للمغادرة فى منتصف الليل.
‎بجوار سور مبنى المجمع وكذلك سور الجامعة الأمريكية سيدات يبعن الخضراوات أو المناديل، ورجال يبيعون ملابس.
‎العدد الأكبر من النائمين يسكن شارع قصر العينى من أول البنك الزراعى ومفوضية الانتخابات لنهاية مبنى قصر العينى الفرنساوى وصولا الى القصر القديم فى المنيل.
‎ فى شهور الصيف افتكس شخص فكرة مبدعة، وأحضر سريرا فى المنطقة الفاصلة بين هيئة السلع التموينية ومسرح السلام، وينام عليه وكأنه بيته تماما ثم اختفى فى الأيام الأخيرة!!
‎وأمام مقر دار الهلال فى المبتديان ينام شخصان، فى حين اختفت الظاهرة من ميدان السيدة زينب، لكنها إجمالا منتشرة فى معظم شوارع وسط البلد الرئيسية.
‎ما سبق هو رصد مبدئى لهذه الظاهرة خلال فترة زمنية تصل لخمسة شهور.
‎أدرك تماما أن الأزمة الاقتصادية قد أفقرت قطاعات كثيرة من المواطنين، وظنى أن غالبية الذين ينامون فى الشوارع من ضحايا الأزمة، وقليل منهم متسولون محترفون.
سؤالى البسيط: لنفترض أن كل هؤلاء ليس لديهم مأوى، فلماذا يصرون على المبيت فى الشوارع الرئيسية أو على الكبارى فى مواجهة البرد الشديد؟!!
‎لو كانت المشكلة هى المبيت فكان من الممكن أن يناموا فى أى شارع بجوار بيوتهم . قد ينتقد البعض كلامى ويقول إننى لا أشعر بمعاناتهم، وردى البسيط أن هناك نحو 30٪ من سكان مصر تحت خط الفقر، ولو اعتمدنا هذا المبدأ فمن الطبيعى أن نسمح لأى شخص بالنوم فى أى شارع يختاره، وهو أمر لا يمكن تخيله.
‎هل الحكومة مسئولة عن هذه الظاهرة؟!
‎الإجابة هى نعم، مسئولة أولا عن السياسات الاقتصادية التى ضربت البلد، بجانب العوامل الخارجية طبعا، ومسئولة عن تقاعس الجهات المسئولة عن وضع قواعد محددة بحيث لا تتحول الشوارع إلى فنادق شعبية تسىء للبلد بأكمله، خصوصا أن المناطق التى ينامون فيها يمر فيها السائحون وكبار ضيوف الدولة.
سألت أحد ضباط نقطة المرور بجوار كوبرى الجلاء عن الظاهرة فقال لى إن الشرطة تقبض على هؤلاء وتحبسهم بتهمة التسول ثم تخلى النيابة حبسهم بعد تعهدهم بعدم العودة، والمسئولية الأساسية تقع على عاتق وزارة التضامن.
‎مرة أخرى علينا أن نفكر فى طرق عملية لمساعدة هؤلاء الناس على العودة لبيوتهم أو تدبير أى مكان ملائم لهم أو مطاردة المتسولين المحترفين بلا هوداة، وفى نفس الوقت رد الاعتبار للشوارع والمظهر العام وصورتنا أمام أنفسنا أولا وأمام الأجانب ثانيا.

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة