x قد يعجبك أيضا

أصدقائى اليهود الرافضون لسياسات إسرائيل

السبت 7 يونيو 2025 - 5:10 م

سعدت بلقاء السيدة ماجدة هارون، رئيسة الطائفة اليهودية المصرية، وآخر يهودية من أبوين يهوديين فى مصر، خلال لقاء نظمه المركز الثقافى الفرنسى فى القاهرة. تحدثت ماجدة بحماس عن نشاط الجمعية التى ترأسها من أجل العناية بالتراث اليهودى وعن عضوات وأعضاء الجمعية من المسلمين والمسيحيين، والذى يرون فى الحفاظ على تراث مصر اليهودى، رسالة تخص كل مصرى، وليس فقط اليهود المصريين. وتحدثت ماجدة ببعض الحزن عن كونها اليهودية الأخيرة فى مصر. عندما سألتها إحدى الحاضرات عن شعورها إزاء هذا الأمر، قالت أعتقد أن لدى نفس شعور الديناصور الأخير، وهو الوحدة. كون السيدة ماجدة هارون هى اليهودية المصرية الأخيرة يفسر لماذا ربما لا يلتقى المصريون طوال حياتهم بيهودى واحد، إلا عندما يسافرون إلى خارج مصر.
التقيت أول يهودية فى حياتى بعد أن تجاوزت عامى الخامس والعشرين خلال دراستى فى إيطاليا، وهى يهودية أمريكية اسمها يانا. وبينما كنت أدرس أنا العلوم السياسية، كانت يانا تدرس القانون. عندما توطدت علاقتنا وصرنا أصدقاء، حكت لى يانا أنها، وبعد أن أنهت دراساتها الثانوية بتفوق فى نيويورك، عرضت عليها إحدى الجمعيات اليهودية الأمريكية رحلة مجانية إلى إسرائيل لمدة أسبوعين. فرحت هى بتلك الرحلة المجانية، وأخبرت والدها بالأمر. إلا أن الوالد، وهو الأستاذ الجامعى، وبعد أن وافق على قيامها بتلك الرحلة، أصر على أن تلتقى يانا بزميل له أمريكى من أصل فلسطينى، ناصحا إياها، بأنها خلال تلك الزيارة سترى وتستمع إلى النسخة الإسرائيلية فقط من الصراع الدائر على أرض فلسطين، وأن عليها أن تستمع من صديقه الفلسطينى إلى النسخة الأخرى من القصة. وعندما سألتها عن تلك الزيارة إلى إسرائيل، قالت إنها كانت محاولة ساذجة للترويج لسياسات إسرائيل. أنهت يانا دراساتها للقانون، وصارت اليوم محامية تدافع عن حقوق اللاجئين فى الولايات المتحدة، أى كانت ديانتهم أو جنسيتهم.
وفى مرة ثانية، سعدت بلقاء السيد أندريه أزولاى، وهو يهودى مغربى، يعمل مستشارا خاصا للملك محمد السادس، كما تقلد سابقا منصب مستشار للملك الحسن الثانى. شاركنا سويا فى ورشة عمل حول الشرق الأوسط، وكان السيد أزولاى واضحا حادا فى مداخلته، والتى أتذكر منها جملته «إن أكبر إساءة إلى الدين اليهودى هو ما تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين».
ما يجمع ما بين ماجدة ويانا وأندريه هو كونهم يهودا يرفضون الممارسات الإسرائيلية فى فلسطين، ويرون فى تلك السياسات ضررا كبيرا للمعتقد الدينى اليهودى، وهم ليسوا وحدهم فى معارضتهم لسياسات إسرائيل الاستعمارية فى فلسطين. منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة بعد السابع من أكتوبر 2023، والمستمرة إلى اليوم، شهد الحراك الغربى المساند للقضية الفلسطينية نشاطا لافتا لأصوات يهودية رفضت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وأدانت محاولات استخدام الدولة الإسرائيلية لنصوص دينية يهودية، وكذلك تاريخ اضطهاد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية ضمن مبرراتها للحرب التى تشنها ضد الفلسطينيين.
●●●
لفت انتباهى هذا النشاط اليهودى المعارض، وقررت كتابة ورقة بحثية مع منتدى البدائل العربى للدراسات عن الحركة اليهودية المعارضة للحرب الإسرائيلية على غزة فى الغرب. وتواصلت مع يانا لكى تمدنى ببعض المعلومات عن هذا الحراك فى الولايات المتحدة. ولم أفاجأ عندما قالت لى إن زوجها دافيد نشط فى هذا الحراك، ووضعتنى فى تواصل معه. ولم يبخل على دافيد بالمعلومات والتحليل.
تعد الحركات اليهودية الأمريكية المعارضة لسياسات إسرائيل هى الأكثر نشاطا حول العالم، وخاصة حركتى «صوت يهودى من أجل السلام» وحركة «إن لم يكن الآن». تعمل هاتان المجموعتان، إلى جانب شركاء آخرين من اليسار اليهودى الأمريكى، على حشد آلاف اليهود الأمريكيين للمطالبة بإنهاء حرب إسرائيل على غزة تأسست منظمة «صوت يهودى من أجل السلام» عام 1996، وتصف نفسها بأنها أكبر منظمة يهودية تقدمية مناهضة للصهيونية فى العالم. وتعرف المنظمة نفسها على موقعها الإلكترونى بأنها حركة شعبية، متعددة الأعراق والطبقات والأجيال لليهود الأمريكيين تضامنا مع النضال الفلسطينى من أجل الحرية، وأن هدفها هو أن ترى «جدار الفصل العنصرى مُحطمًا على أرض فلسطينية حرة. أما منظمة «إن لم يكن الآن»، فقد تأسست خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، عندما نظمت مجموعة من الشباب اليهودى تلاوةً علنيةً لكاديش الحداد، وهى صلاة يهودية تُقام على أرواح الموتى. رغب هؤلاء الشباب بتلاوة أسماء الضحايا اليهود والفلسطينيين فى استخدام التقاليد اليهودية لتحدى الاستخفاف الإسرائيلى بأرواح الفلسطينيين.
وفى حين أن هاتين المنظمتين فاعلتان رئيسيتان، إلا أنهما مجرد جزء من طيف متنوع من المنظمات التى تسعى إلى حشد الأصوات اليهودية المعارضة للحرب فى فلسطين حول العالم، كما هو الحال مع منظمة «الأصوات اليهودية المستقلة» فى كندا، وهى منظمة قاعدية ترتكز على التقاليد اليهودية التى تعارض جميع أشكال العنصرية، وتدافع عن العدالة والسلام للجميع فى إسرائيل وفلسطين. وكذلك حركة «نامود» فى بريطانيا، والتى تعرف نفسها أنها «حركة من يهود فى المملكة المتحدة تسعى إلى إنهاء دعم المجتمع الإنجليزى للاحتلال الإسرائيلى ونظام الفصل العنصرى، وتعبئته فى النضال من أجل الحرية والمساواة والعدالة لجميع الفلسطينيين والإسرائيليين». أما اسمها، فهو يعنى «سنقف» باللغة العبرية، وهو يشير إلى الكلمة المستخدمة لدعوة اليهود لقراءة التوراة فى المعابد اليهودية.
●●●
لكن وعلى الرغم من أنشطتها المتعددة وصوتها الصاخب، فإن تلك الحركات اليهودية لا تعبر عن غالبية المجتمع اليهودى فى الغرب، وتظل هى الاستثناء فى وسطهم. بل أن هذا الخطاب المعادى لسياسات إسرائيل وضع هذا الحراك اليهودى فى حالة صراع مع المنظمات اليهودية الكبرى فى الولايات المتحدة، والتى ساندت موقف الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية من الحرب على غزة. لكن وإن كانت هذه الأصوات اليهودية المساندة لحقوق الشعب الفلسطينى أقلية اليوم، فإن المستقبل قد يحمل تغييرا فى ميزان القوى هذا. فقد وجد استطلاع الرأى الذى أجراه مركز بيو الأمريكى فى فبراير 2024، أن اليهود الأصغر سنًا يميلون إلى التعبير عن مواقف سلبية تجاه إسرائيل أكثر بكثير من الأمريكيين الأكبر سنًا. فبينما تقول الغالبية العظمى من اليهود الأمريكيين (93%) إن أسلوب حماس فى تنفيذ هجومها فى 7 أكتوبر كان غير مقبول. إلا أن اليهود دون سن 35 عامًا منقسمين بشأن الرد العسكرى الإسرائيلي: 52% يعتبرون أسلوب إسرائيل فى شن الحرب مقبولًا، بينما يصفه 42% بأنه غير مقبول، و6% غير متأكدين. أما اليهود الذين تبلغ أعمارهم 50 عامًا فأكثر، فهم أكثر ميلًا بكثير لوصف أسلوب إسرائيل فى شن الحرب بأنه مقبول (68%). أما بالنسبة لسبب خوض الحرب من الأساس، فإن 77% من اليهود يرون أن أسباب حماس لمحاربة إسرائيل غير مبررة. لكن اليهود الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا أكثر ميلًا من اليهود الأكبر سنًا إلى اعتبار أسباب حماس للقتال مبررة: إذ يتبنى 31% من اليهود الأصغر سنًا هذا الرأى. 
تروج إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 لسرديتين تدعم أحدهما الأخرى. السردية الأولى سياسية تدعى فيها إسرائيل أن السابع من أكتوبر هو ذاته الحادى من عشر من سبتمبر، وأن حماس هى ذاتها تنظيم القاعدة، وأن إسرائيل تحارب الإرهاب كما حاربه العالم الحر بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، بل ونيابة عنه. أما السردية الثانية فهى دينية، وهى تستدعى النصوص الدينية اليهودية، وكذلك تاريخ المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية، لتحتكر إسرائيل بذلك الحديث باسم اليهود فى العالم كله، مدعية أنها تخوض هذه الحرب حتى لا يتكرر لليهود ما جرى لهم على أيدى الأنظمة الفاشية فى أوروبا خلال أربعينيات القرن الماضى. إلا أن الحراك اليهودى الغربى المساند لحقوق الشعب الفلسطينى يدحض كل من هاتين السرديتين. فإصرار أصوات هذا الحراك على هويتها اليهودية ينزع عن إسرائيل ادعائها بأنها تمثل اليهود كلهم فى العالم، وأنها تخوض تلك الحرب نيابة عنهم. كما أن الخطاب الذى يتبناه هذا الحراك، والذى يرى الصراع على أرض فلسطين كجزء من صراع الشعوب من أجل تحقيق استقلالها الوطنى والتحرر من الاستعمار يدحض كذلك سردية الحرب ضد الإرهاب التى تروج لها إسرائيل.

 

مدير بحوث بمنتدى البدائل العربى للدراسات

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة