بعكس الصورة السائدة لدى الجمهور الإسرائيلى، فإن شوارع مخيم شعفاط للاجئين بالقدس نظيفة جدا، مقارنة بشوارع الأحياء الفلسطينية القريبة. توجد بالقرب من المنازل والمحلات صناديق صغيرة، وهناك 20 عامل نظافة يقومون بكنس الشوارع وجمع النفايات، ويوجد فى وسط المخيم مركز لجمع النفايات. وراء هذه المنشأة، هناك 3 مدارس ابتدائية، اثنتان للبنات وواحدة للصبيان، يدرس فيها 600 تلميذ وتلميذة يرتدون الزى المدرسى الموحد، ولهذه المدارس صدى إيجابى جدا لدى الأهالى. وهناك مستوصف عام وصيدلية فى المدخل المؤدى إلى المدارس، وكلها تشغّلها الأونروا. وبحسب القانون الجديد الذى أقرّه الكنيست قبل أيام قليلة، فإن جميع هذه النشاطات ستصبح غير قانونية خلال 90 يوما.
بحسب القانون، ممنوع على الأونروا العمل فى «الأراضى التابعة للسيادة الإسرائيلية». ونظرا إلى أن أراضى الضفة الغربية وغزة غير تابعة لسيادة دولة إسرائيل، فى إمكان الأونروا متابعة عملها هناك. لكن استنادا إلى قانون آخر جرى إقراره، ويحظر على السلطات الإسرائيلية أن يكون لها علاقة بالأونروا، ومن شأن هذا القانون أن يؤثر فى العلاقات بين الإدارة المدنية وبين الوكالة. سكان مخيم شعفاط للاجئين الذين شهدوا فشل السلطات الإسرائيلية فى تقديم الخدمات الأساسية لهم طوال 56 عاما، لا يفهمون كيف ستنجح هذه السلطات فى الحلول محلّ الأونروا خلال 3 أشهر. لكن ما يقلقهم أكثر من الخدمات هو هويتهم كلاجئين.
• • •
القدس الموحدة هى مكان غير طبيعى. إنها العاصمة الوحيدة فى العالم التى يوجد فيها نحو 40% من السكان، من أبناء المدينة، ليسوا مواطنين فى الدولة. واحد من أصل 10 مواطنين يعيش وراء أسوار من الأسمنت التى يبلغ ارتفاعها 9 أمتار، وكل صباح، يضطر إلى عبور حواجز عسكرية للوصول إلى المدينة. وفى معظم أيام الأسبوع، لا توجد فى أكبر حى فيها مياه فى الحنفيات. وعشرات آلاف المواطنين يقطنون منازل شُيدت من دون رخص بناء، وهلمّ جرّا.
إحدى الظواهر الشاذة والغريبة فى المدينة هى أن أحد أحياء القدس بالقرب من رحيبة وكتمون وجيلو، هو مخيم للاجئين تديره الأمم المتحدة. مخيم اللاجئين شعفاط الذى أقامته الأمم المتحدة والحكومة الأردنية فى سنة 1965، قبل عامين من حرب الأيام الستة. وكان سكانه الأصليون من اللاجئين الفلسطينيين الذين سكنوا فى الحى اليهودى فى المدينة القديمة منذ سنة 1948. فى يونيو 1967، وعندما رسمت الحكومة حدود ضم القدس الموحدة، جرى إدخال المخيم ضمن المدينة. وهكذا تحول مخيم شعفاط إلى المخيم الوحيد للاجئين الموجود فى داخل أراضى إسرائيل، وإلى حى من أحياء عاصمة إسرائيل.
كان ضم المخيم وهميا، صحيح أن سكانه حصلوا على بطاقات إقامة إسرائيلية، لكن بلدية القدس لم تدخل قط إلى المخيم، ولم تقدم خدمات. الأونروا هى التى تولّت جمع النفايات وتزويد المخيم بالمياه، وقدمت خدمات التعليم، وكذلك الخدمات الصحية. وكان الوضع مريحا للجميع.
• • •
قبل 20 عاما، أقيم جدار فصل المخيم عن سائر أجزاء المدينة. وفى ليلة واحدة، تخلت السلطات الإسرائيلية عن المكان تماما، فتدهور الوضع فى المنطقة بسرعة. وتوقف مراقبو البناء ورجال الشرطة عن المجىء، وشيد متعهدو البناء على الهضبات المحيطة بالمخيم أبراجا كبيرة من دون تخطيط، أو رخص بناء. وشكلت هذه الأبراج حلاً لمشكلة السكن لعشرات الآلاف من سكان القدس الشرقية، وقامت العصابات العنيفة وتجار المخدرات بملء الفراغ الذى تركته الشرطة، وارتبط المخيم، أكثر فأكثر، بمشكلات السلاح والمخدرات والعنف والفقر و«الإرهاب». ولمدة طويلة، لم تتوفر المياه الجارية فى المخيم، بينما غطت مياه الصرف الصحى الشوارع.
فى خضم هذا كله، استمرت الأونروا فى العمل وتقديم الخدمات لكلّ مَن يحمل بطاقة لاجئ، الصادرة عن الوكالة. لكن بالإضافة إلى الخدمات، قدمت الأونروا لسكان المخيم هوية. بطاقة الأونروا تشكل رمزا لوضع فلسطينى قائم يرمز إلى المطالبة بحل مشكلة اللاجئين، كجزء من التسوية السياسية. «المشكلة ليست فى المدارس والمستوصفات، المشكلة فى أنهم يحرمون الناس حلمهم بأن يكونوا جزءا من الحل، والحصول على تعويضات، أو العودة إلى منازلهم. ويسأل الناس أنفسهم: من أجل ماذا تحمّلوا حياتهم كلاجئين، إذا كان التعامل معهم اليوم مختلفا؟».
يعيش اليوم فى شفعاط 17500 شخص مسجلين كلاجئين، وهم فى معظمهم، من أبناء الجيل الثانى والثالث والرابع للاجئى 1948. ويوجد عدد مشابه فى مختلف أنحاء القدس. الأونروا، مثل كل وكالات الأمم المتحدة وكل دول العالم، لا تعترف بضم القدس الشرقية، ولذلك، من غير المتوقع أن تلغى وضع اللجوء للاجئين من المقدسيين، لكن من المتوقع أن يتراجع تقديم الخدمات لهؤلاء.
بالإضافة إلى مدارس الأونروا الثلاث فى المخيم، لدى الوكالة 3 مدارس صغيرة فى مناطق من القدس الشرقية. وفى الإجمال، هناك نحو ألف تلميذ وتلميذة سيضطرون إلى الذهاب إلى مدارس أُخرى. لقد أعلنت بلدية القدس ومكتب القدس قبل أيام أنهما قادران على استيعاب التلامذة. لكن تواجه بلدية القدس ووزارة التعليم صعوبة فى مواجهة مشكلة النقص فى صفوف التعليم فى القدس الشرقية، وبحسب تقرير جمعية «عير عميم»، فإن النقص يبلغ 2477 صفًا.
• • •
لا يصدق سكان مخيم شعفاط أن بلدية القدس ستؤمن لهم الخدمات التى تقدمها الأونروا اليوم. على سبيل المثال، المستوصف فى المخيم يقدم الخدمات الطبية لمرضى السكرى، وللمسنين الذين لا يستطيعون الحصول على هذه الخدمات لدى المنظومة الصحية الإسرائيلية بسبب سكنهم ما وراء جدار الفصل. وعندما يُسأل سكان المخيم عن تورّط موظفى الأونروا فى «الإرهاب»، فإنهم يرفضون ادّعاءات إسرائيل، ويقولون إن هذا غير صحيح، وأنهم مجموعة من الموظفين الذين يعملون بصورة موقتة ضمن منظمة ضخمة تضم آلاف العاملين.
هناك مركز أساسى مهم لنشاط الأونروا فى القدس سيضطر إلى غلق أبوابه بعد 90 يوما، هو القيادة الإقليمية التى تعمل بالقرب من أحياء رامات أشكول، وتقدم الخدمات لفروع الأونروا فى كل أنحاء الضفة الغربية. هذه القيادة موجودة فى مبنى تاريخى بناه البريطانيون، وكان مدرسة للشرطة، وشكّل فى حرب الأيام الستة جزءا من موقع تل الذخيرة. ومنذ نشوب الحرب الحالية، أصبح مركز الأونروا هدفا دائما لناشطى اليمين المتطرف الذين ألقوا عليه الزجاجات الحارقة عدة مرات، وتسببوا بنشوب حريق فى داخله. وقبل أيام، وُضعت فى مدخل المبنى أكياس من الحلوى ويافطة تدعو الجمهور إلى الاحتفال بالتخلص من «الأونروا الشريرة»، وتحمل توقيع «شبان الصهيونية الدينية».
• • •
كما فى قوانين كثيرة تتعلق بالقدس منذ سنة 1967، فإن قانون طرد الأونروا لم يأتِ على خلفية حل مشكلة ما، أو للتخفيف عن حياة سكان القدس، أو من أجل الدفع قدما بمستقبل أفضل. ومثل قانون القدس العائد إلى سنة 1980، ومثل التصريحات الجوفاء بشأن وحدة المدينة وأبديتها، ومثل قانون آخر جرى إقراره فى نفس جلسة الكنيست، والذى يمنع إقامة قنصليات أجنبية من أجل السكان الفلسطينيين فى المدينة، فإن هدف قانون الأونروا الاستقواء، وإظهار مظهر زائف من السيادة، وصوغ عناوين طنانة فى الصحف. حتى لو كان هناك مشكلات مع الأونروا، فهى ليست منظمة «إرهابية»، بل منظمة تقدم خدمات حيوية لمئات الآلاف من الناس، جزء منهم سكان فى عاصمة إسرائيل.
لم يجرؤ شخص واحد من الـ 92 عضو كنيست من الذين صوتوا مع القانون على رؤية المشكلات الحقيقية للقدس. كما لم يجرؤ أى منهم على قول الحقيقة للجمهور الإسرائيلى: بعد مرور 56 عاما على الاحتلال والضم، القدس ليست موحدة أكثر، وليست إسرائيلية أكثر مما كانت عليه فى يونيو 1967، ونحن أصبحنا قريبين أكثر من دولة أبارتهايد منبوذة فى العالم، وليس من دولة يهودية ديمقراطية.

نير حسون
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية