إسرائيل.. وعبودية الحروب التكنولوجية
السبت 2 نوفمبر 2024 - 7:40 م
نشر موقع 180 مقالًا للكاتب الفضل شلق، يقول فيه إن الشغف بالتكنولوجيا متأصل لدى يهود إسرائيل، حتى وصل لحد العبادة والتفاخر بما وصلت إليه قدرة هذه التكنولوجيا من قتل وتدمير... نعرض من المقال ما يلى:
حربٌ قوامها التكنولوجيا. يُقرّر النصر أو الهزيمة فيها التفوّق التكنولوجى. حربُ المنطقة نتج عنها الكثير من الضحايا والدمار المادى قبل أن ينزل جندى واحد على الأرض. فى مراحل ماضية، كانت حروب الجو بالطائرات والصواريخ تُمهّد لحروب المشاة على الأرض، حيث كانت تُحسم الحروب. لم يعد الأمر كذلك. يستطيع المتفوّق تكنولوجيًا أن يُصيب أهدافه بإدارة المقذوفات من غرفة تحكّم خارج مسرح القتال. لكأنها حرب تدار بالريموت كونترول.
هى حروب النخب الإلكترونية التى تُطوّر أجهزتها فى مختبرات مغلقة وهذه بمعظمها فى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تُوضع بتصرف نخب عسكرية يتفوق من بينها من تزوده الولايات المتحدة أو تدعمه. هذا يدفع إيران إلى التردد حيال إسرائيل، برغم تحرشات الأخيرة التى تكاد تفقد إيران هيبتها.
فى لبنان، دمّر الإسرائيليون مساحات واسعة وقتلوا أعدادًا كبيرة، وهجّروا نسبة كبيرة من السكان. وكل ذلك قبل أن تطأ أرجل جنودهم الأرض اللبنانية. وما يزال الإسرائيليون يواجهون صعوبات، إذ يصطدمون بمقاومة شرسة فى شجاعتها وبما تصنع من بطولات.. سماء المنطقة مفتوحة للمعتدين والأرض مستباحة، وقد دمّر الإسرائيليون ما دمروا، وهو كثير، لكنهم ما زالوا يترددون فى وطئهم للأرض.
الحقيقة المرة أن التكنولوجيا المتقدمة تفلت من عقالها لتصير هى المسيطرة. يُفترض بالتكنولوجيا أن تكون مجموع الأدوات التى يستخدمها الإنسان فى استخدام أشياء الطبيعة لمنفعته. بعد الثورة الصناعية جرى تطويع التكنولوجيا فى خدمة العلم الحديث، حتى صارت مكتشفات التكنولوجيا لا تتم من دون حاضنة العلم، وفى أروقة الأكاديميا وغرفها المغلقة وجماعاتها، فى ما يشبه العبادة. لكنها انفصلت عن العلم الحديث، وصار لها مسارًا مستقلًا عن العلم الحديث وعن الإنسان. وهذا ما حذّر منه، مارتن هايدجر، فيلسوف القرن العشرين.
يبدو هذا الشغف بالتكنولوجيا أكثر تأصلًا عند يهود إسرائيل، الذين أوصدت فى وجوههم أبواب السياسة نتيجة افتقادهم شرعية الوجود كدولة، وارتكابهم الإبادة فى فلسطين وما جاورها. فهم أثاروا حقدًا سببه كثرة الاعتقال والإهانات التى أصابوا بها المعتقلين، والأهم من ذلك رفض كل الحلول التى تجعل للشعب الفلسطينى دولة الى جانب إسرائيل، ورفض أن يكون أفرادهم ناسًا مسموحًا لهم بالوجود البشرى.
نتيجة ذلك تصرّفت إسرائيل على قاعدة أن أمنها لا يتحقق فعلًا إذا لم يكن مطلقًا، أى مئة بالمئة، فلا حق للعرب بالاحتجاج، وكل شيء من ذلك يقود إلى تهمة الإرهاب واللاسامية، التى قدّس الغرب مقتضياتها، فسيطرت الصهيونية على عقل وقلب الغرب الإمبريالى، وبخاصة حيث تنتشر الإيفانجيلية (التبشيرية) المسيحية التى قدّست الصهيونية، وجعلت من مسيحيتها دينًا صهيونيًا.
تدفقت المساعدات إلى إسرائيل، مالًا ومعدات وتكنولوجيا وأدواتها مما لا يصل إليه حلفاء الولايات المتحدة. تفاقم زهو إسرائيل بنفسها بدافع التكنولوجيا، فخاضت حروبًا ضد جيرانها، لا نهايات لها. هى حروب دون أسباب (وبدايات تستدعى ما حصل)، ودون أهداف تعمّم على أساسها الحوادث على الأرض. حروب من دون بداية معتبرة أو أهداف مفهومة، ولا شىء فيها ذو أهمية إلا التكنولوجيا واستخداماتها.
يُمارس الإسرائيليون سيطرة على العرب بما ينخر تلافيف أدمغة هؤلاء. إذ الوعى السائد لدى العرب هو قوة إسرائيل التى لا تقهر بما تملكه من تكنولوجيا زوّدها بها الجانب الأمريكى، وطوّروها هم فى أروقة شركاتهم ومراكز البحوث لديهم، فأصابهم زهو وتعالٍ واستعلاء، تشى بها كلها مشية نتنياهو ذاهبًا إلى مجلس وزرائه أو خارجًا منه، واجتماعات القيادة العسكرية، وكل ذلك تعرضه علينا الشاشات العربية بما يزيد من شعورنا باليأس، وشللنا بالعجز والهزيمة، دون أن ندرك أن يهود إسرائيل هم أنفسهم صاروا عبيدا للتكنولوجيا، وشغيلة عند أرباب التكنولوجيا الأمريكيين. هنا عبودية الإنسان للإنسان (نحن وإسرائيل)، وعبودية الإنسان للتكنولوجيا (إسرائيل وما يتباهون به من أدوات قتل وتدمير). هو ليس ما بشّر به هاكسلى فى بداية القرن العشرين عن عالم جديد شجاع، بل عالم تعود إليه العبودية. هذه المرة عبودية الأشياء والأدوات. عبودية الإنسان لما ينتجه. ثم يأتينا الذكاء الاصطناعى الذى يجعل الإنسان كائنًا لا حاجة إليه. فيُصار إلى تعميم حرب الإبادة ليس بالقتل والتدمير والتهجير هذه المرة، بل بجعل الإنسان أداة لتكنولوجيا لا تحتاج إلا إلى عدد قليل من الناس فى مراكز البحوث.
• • •
التيه اليهودى الذى تحدث عنه التوراة، وربما كان أسطوريًا، صار تيها حقيقيًا؛ التيه القديم ضياع والتيه الجديد زهو بإنجازات تشكّل جريمة حرب. وفى اللغة العربية تكثر ألفاظ كلٌ منها بمعنيين متضادين، وقد أُلفت لذلك كتب الأضداد.
التيه الراهن آخر منجزات الإمبريالية وعنصرية الغرب. هو فى جوهره الزهو والتفاخر بما وصلت إليه القدرة على القتل والتشريد والتهجير وتغيير الديموغرافيا البشرية.
النص الأصلى:
https://bitly.cx/esKUsw
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا