x قد يعجبك أيضا

مبادرة جديدة لتسوية الأزمة الليبية

الثلاثاء 2 سبتمبر 2025 - 6:35 م

حرصت المبعوثة الأممية الجديدة هانا تيتيه، منذ تسلمها عملها رئيسة لبعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا فى 2 فبراير 2025 خلفًا لعبد الله باتيلى، على أن تكون مساعيها لحلحلة الأزمة الليبية من حالة الانسداد السياسى والتأزم الاقتصادى وانقسام الفرقاء الليبيين وداعميهم الإقليميين والدوليين، مبنية على المبادرات والاتفاقيات التى سبق أن توصل إليها المبعوثين الأمميين السابقين والتى تمثل رصيدًا قانونيًا وسياسيًا وعسكريًا يمكن البناء عليه وتطويره لإحداث انفراجة لفتح الطريق للاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية للخروج من الحلقات المفرغة التى تدور فيها الأزمة الليبية منذ عام 2011.

بدأت المبعوثة الأممية بتشكيل لجنة استشارية ليبية من 20 شخصية من الخبراء القانونيين والسياسيين ويمثلون أقاليم ليبيا والمرأة والشباب، لوضع تصور عام استشارى من واقع المبادرات والتجارب السابقة لإحداث انفتاح للأفق للتوصل إلى تسوية سياسية وإجراء الانتخابات. وأتمت اللجنة عملها فى 20 مايو 2025، واقترحت خيارات تكون نقطة انطلاق لحوار وطنى شامل حول أفضل السبل لتجاوز الانسداد السياسى الذى حال دون إجراء الانتخابات منذ عام 2021، وتمثلت هذه الخيارات فى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، أو إجراء انتخابات تشريعية تليها مراجعة للدستور ثم انتخابات رئاسية على أساس دستور دائم، أو اعتماد دستور دائم قبل إجراء الانتخابات، أو إنشاء جمعية تأسيسية لتحل محل المؤسسات الليبية القائمة وإجراء مراجعة للدستور يعقبها إجراء الانتخابات. ويلاحظ أن تعدد الاختيارات يفتح باب الاختلاف والانقسامات على مصراعيه أمام الفرقاء الليبيين ليزدادوا انقسامًا على انقسامهم.

وقدمت المبعوثة الأممية تيتيه فى كلمتها أمام مجلس الأمن للأمم المتحدة فى 20 أغسطس 2025 خارطة طريق من ثلاثة مراحل لحل الأزمة الليبية ومدة تنفيذها، وأشارت إلى وجود حاجة ملحة لإعادة إطلاق مسار سياسى شامل يركز على إجراء انتخابات عامة وتوحيد المؤسسات الليبية. وأشادت بالانتخابات البلدية الليبية التى أجريت مؤخرًا فى 26 بلدية وشارك فيها نحو 71% من الناخبين وهو مؤشر إيجابى على رغبة الشعب الليبى فى اختيار ممثليه. وأثنت على المفوضية الوطنية الليبية للانتخابات فى تنظيم هذا الاستحقاق، وأعربت عن أسفها لموقف الحكومة المعينة من مجلس النواب لمنعها الانتخابات فى 16 بلدية بالمنطقة الشرقية، داعية سلطات الأمر الواقع فيها إلى السماح بإجرائها فى أقرب وقت ممكن. وعرضت أهم ملامح خارطة الطريق وهى:

     •    إعداد نظام انتخابى سليم يمهد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة.

     •    توحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة جديدة موحدة.

     •    إطلاق حوار وطنى مهيكل يعالج القضايا الخلافية ويهيئ بيئة مواتية لإجراء الانتخابات.

وتتراوح المدة الزمنية لتنفيذ هذه الخارطة ما بين اثنى عشر وثمانية عشر شهرًا. وأكدت المبعوثة الأممية أن الوضع فى ليبيا ما يزال متقلبًا للغاية، وأن استمرار الخلافات بين حكومة الوحدة الوطنية وجهاز الردع فى طرابلس يؤدى إلى التقلبات الأمنية، وهو الأمر الذى يتطلب حل هذه الخلافات من خلال الحوار. وأكدت أهمية اعتماد ميزانية مالية موحدة لتوحيد المؤسسات الاقتصادية. وحذرت من التحديات التى قد تواجه خارطة الطريق، ودعت مجلس الأمن إلى تقديم الدعم الكافى للعملية السياسية؛ حيث إن الشعب الليبى يتطلع إلى المجلس وإلى حل الأزمة ودفع ليبيا نحو انتخابات شفافة تضمن محاسبة الفاسدين.

يؤكد عدم استقرار الحالة الأمنية، خاصة فى طرابلس، تعرض مقر بعثة الأمم المتحدة فى ليبيا لإطلاق صاروخ لم يصبها وإنما أصاب منزلًا قريبًا من المقر، وذلك أثناء إلقاء المبعوثة الأممية بيانها أمام مجلس الأمن. ولم يتم التعرف على هوية المتهمين وتعهدت الأجهزة الأمنية بالعمل على تحديد هويتهم، والالتزام بتأمين مقار البعثات والسفارات وتوعدت بعدم التهاون مع المجرمين والخارجين عن القانون.

• • •

وقد جاءت ردود الفعل الليبية على خارطة الطريق متضمنة إما بعض الانتقادات من جانب نائب رئيس المجلس الرئاسى الليبيى عبد الله اللافى، بقوله إن ليبيا واجهت سنوات من الاضطراب السياسى والمؤسساتى، وتقف اليوم على عتبة جديدة، وتؤمن بأن التعافى ليس بعيد المنال، بل ثمة مسار واقعى مدعم بإرادة شعبية قوية ومقدرات اقتصادية واعدة، وأن الاستقرار لا يتحقق إلا عبر المصالحة الوطنية. كما رحب النائب الثانى لرئيس مجلس النواب الليبى بخارطة الطريق لإحراز تقدم فى العملية السياسية فى ليبيا، رغم وصفه لها «بالضبابية» وعدم الوضوح. بينما أعلن المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد تكالة عن استغرابه لما ورد فى إحاطة المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن عن الأوضاع فى ليبيا، ولكنه فى نفس الوقت أكد على أهمية احترام خريطة الطريق، وضرورة التزام المجتمع الدولى بدعم المسار الانتخابى، ودعا جميع الليبيين إلى تغليب مصلحة ليبيا والابتعاد عن خطاب الفرقة. وقد اعتبر عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية فى طرابلس، أن العقبة الكبرى ما تزال فى القوانين الانتخابية، مؤكدًا أن الحل هو التوجه مباشرة إلى الانتخابات. وأعرب عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، عن تأييده مقترح تشكيل حكومة موحدة، مشددًا على أن حكومة أسامة حماد، فى شرق ليبيا والتى شكلها المجلس، هى الحكومة الشرعية. وهو ما يعنى تمسكه بعدم شرعية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وهذا مؤشر على احتمال تفجر مزيد من الخلافات بينه والدبيبة.

لقيت المبادرة ترحيبًا إقليميًا ودوليًا، فقد رحبت بها مصر وأعربت عن الأمل فى أهمية الالتزام بتنفيذها، كما أيدتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، ورأوا فى الخطة فرصة أخيرة لتوحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات الليبية، وأكدت روسيا أن أى مسار سياسى يجب أن ينطلق من توافق داخلى يتواكب مع انسحاب متوازن للقوات الأجنبية، وشددت الصين على ضرورة احترام السيادة الوطنية وأولوية الحوار الداخلى فى ليبيا. بينما حذرت واشنطن بشكل خاص من الانتهاكات المتكررة لحظر السلاح على الفرقاء الليبيين، والاتجار غير المشروع بالبترول، ولوحت بفرض عقوبات على المعرقلين للمبادرة.

• • •

الحقيقة أن الانقسام السياسى والعسكرى والاقتصادى يمثل عبئًا ثقيلًا على الشعب الليبى، وعلى كل من يتصدون لفتح الأفق أمام حل سياسى دعامته إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية يلتزم جميع الفرقاء الليبيين بنتائجها. هذا إلى جانب عبء الدين العام المتزايد نتيجة الانقسام بما يمثل أعباء ثقيلة على المواطنين الليبيين. وأن التوصل إلى الاتفاق على تعديلات قانونى الانتخابات الرئاسية والتشريعية يواجه بخلافات بين مجلس النواب الذى يرى أنه السلطة التشريعية المنتخبة وأن المجلس الأعلى للدولة مجرد هيئة استشارية، بينما يرى المجلس أنه شريك فى السلطة التشريعية ولا يجوز إصدار تعديلات فى قانونى الانتخابات إلا بموافقته. كما أن الخلافات بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة فى طرابلس، والتى تعتبر نفسها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا والمكلفة بإجراء الانتخابات، وتمسك الدبيبة بأنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، وحكومة أسامة حماد التى شكلها مجلس النواب والمدعومة من المشير حفتر قائد الجيش الوطنى الليبى، والتى ترى أنها هى الحكومة الشرعية وأنه لا صلاحيات قانونية لحكومة الدبيبة.

وثمة خلافات حول تعديلات قانون الانتخابات الرئاسية، هل تكون متزامنة مع الانتخابات التشريعية، أم تجرى قبلها، أم بعدها. وشروط المرشحين للرئاسة سواء حاملى الجنسية الأجنبية ومدى أحقيتهم فى الترشح من عدمه، والمتولين مناصب عسكرية عليا والوقت المطلوب لتركهم الخدمة ليكون لهم حق الترشح من عدمه. وكذلك القيادات فى المناصب السيادية الحالية تنفيذية أو تشريعية هل يكون لهم حق الترشح ومدى إمكانية تأثيرهم على نتائج الانتخابات مما يتطلب عدم ترشحهم. وهل يكتفى بتعديل الدستور السارى أم أن الأمر يتطلب إعداد دستور جديد دائم قبل الانتخابات التشريعية أم يترك أمره للمجلس التشريعى الجديد. قضايا قانونية سبق أن عطلت الانتخابات عام 2021، وتحتاج إلى سباق اجتياز الحواجز لتجاوزها.

أما مسألة وجود جيشين، الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر فى شرق وجنوب ليبيا، والذى لا يخضع لإشراف أو تبعية أى من الحكومتين الليبيتين وتعيين حفتر لابنه نائبًا له فى القيادة العسكرية مؤشر على نيته خوض الانتخابات الرئاسية، وتمسك حفتر بتسليم الجيش الوطنى لحكومة منتخبة، والجيش الآخر فى غرب ليبيا يتبع حكومة الدبيبة وتدعمه ميليشيات أجنبية وتعاون مع تركيا. ولم تقترب جهود اللجنة العسكرية الليبية (5+5) من أى بوادر لتوحيد الجيش الليبى للمساعدة على الاستقرار وإخراج الميليشيات والمرتزقة الأجانب من ليبيا.

• • •

لا شك أن المبادرة الأممية للتسوية السياسية للأزمة الليبية تحوى على عدة عناصر إيجابية فى مضمونها وتتابع مراحل تنفيذها خلال فترة زمنية محددة، وتلقى الدعم السياسى الإقليمى والدولى، والترحيب المتحفظ من الفرقاء الفاعلين الليبيين، ولكنها فى حاجة إلى أمرين غاية فى الأهمية، أولهما تخلى الفرقاء الليبيين عن النظرة الشخصية أو المناطقية والجهوية وشخصنة الخلافات من أجل مستقبل ليبيا، وثانيهما الدفع الإقليمى، خاصة من دول الجوار، والدولى من أجل إقناع الفرقاء الليبيين بتنفيذ المبادرة بتوقيتاتها.

مساعد وزير الخارجية الأسبق

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة