لم ينجح أحد - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم ينجح أحد

نشر فى : السبت 31 ديسمبر 2022 - 8:15 م | آخر تحديث : السبت 31 ديسمبر 2022 - 8:15 م

مع حصاد العام المنصرم، جلس يحاسب نفسه حساب الملكين، كم فقد من الأصدقاء والمعارف بسبب صراحته المطلقة؟ رغم التدريبات والجهود المضنية لم يتمكن من كبح جماح نفسه والتوقف عن قول ما يفكر به حقيقة، فهو من النوع الذى يسهل عليه تحمل التوبيخات المباشرة على احتمال مديح غير متكافئ. يرد بـ«شكرا» محايدة على الأرجح، ويُدخل المجاملات حيز الجمود، فيجد الناس أنفسهم أمام طريق مسدود. يدرك جيدا ظروف التبادل: هذا الشىء من أجل هذا الشىء، ويعرف أن فى كثير من الأحيان يختلط على البعض الفارق بين المجاملة والنفاق، وقد يبدو الأمران متقاربين لأن بينهما عناصر مشتركة، كاللين وبشاشة الوجه والرغبة فى التقرب من الطرف الآخر.
سأم المجاملات الخادعة، وصيغة «أفعل» التى يستخدمها من حوله للتعجب بمناسبة وبدون مناسبة: «ما أجمل فستانك!»، «ما أروع لوحات المعرض!»، «ما أحلى هذه الأكلة!». غالبا يقف مبهوتا أمام تلك التعليقات، فالفستان متكلف واللوحات عادية والطعام ردىء... لم ينجح أحد فى أن يجعله يُصرح بعكس ما يضمر، ولا أن ينجرف وراء سيل الإطراء، هكذا هى طبيعته! الكلمة الطيبة بحدود والصدق مطلوب والمديح يجب أن يكون لمن يستحقه دون تصنع أو إفراط. يسأل نفسه مرارا وتكرارا: «ما الذى يضير فى هذا؟!»، «لماذا الإصرار على أن تفقد الكلمات معناها؟».
•••
فى فترة من الزمن شك أنه يعانى من متلازمة «أسبرجر» التى تصنف ضمن اضطرابات التوحد، فالمصابون بها رغم ذكائهم الشديد ودقتهم وجاذبيتهم يجدون صعوبة فى التواصل الاجتماعى، تسألهم عن رأيهم فيما تلبس أو فى طريقة إدارتك لعملك فيعطونك إجابة دون مواربة. يحتاجون لإعطاء المعلومة صحيحة، ما يقلل غالبا من شعبيتهم بين الناس. يضحك فى سره، فهو يعرف جيدا أنه لا يعانى من أية «متلازمات»، لكنه ظل طفلا فى مكان ما، وهذا الطفل لا يخشى مغبة ما يقول ولا يحب الرياء ولا يهرب من المواجهات، بعكس من يلوذون بالأدب المفرط والمصطنع خوفا من المجابهة والتحدى.
•••
يمشى أمام إحدى عمارات مصر الجديدة المعروفة بطابعها المعمارى المميز بالبواكى المحمولة على أعمدة من الجرانيت الفاخر. خليط من الطراز الأوروبى فى التصميم والزخرفة الإسلامية فى الواجهات الخارجية. الرجال والنساء من حوله يحتفلون بعيد الميلاد. يبتسم حين يتذكر منظر جارته العجوز وهى فخورة بصبغة شعرها الجديدة وردة فعلها حين صرح لها برأيه الذى جاء بالطبع على عكس ما توقعت. يبتسم وهو نادرا ما يضبط نفسه متلبسا بالابتسام، فتعبيرات وجهه على الأغلب تكون محايدة، بديلا عن مشاعر الحزن والسعادة، إلا حين يكون بالفعل هناك سبب لهذا أو ذاك.
يراجع نفسه قليلا. انزعجت جارته من تعليقاته حول رغبتها فى أن تبدو أصغر سنا ومحاولاتها الدءوبة للتحايل على السن والتجاعيد، فهو بطبيعة الحال يرى أن عمليات النفخ والحقن أفسدت جمالها الذى كان، والذى فُتِن به فى وقت من أوقات حياتهما. المشاعر الصادقة التى حملها لها منعته من المجاملة الكاذبة. ربما سترفض التنزه معه كعادتهما، ولن يسيرا مجددا على غير هدى فى شوارع حيهما الأثير ليكتشفا المزيد من البنايات المهجورة. كان المشى معها من اللحظات المحببة إلى قلبه. ربما عليه إصلاح ما أفسده! لكن فكّر فى أن حياته سوف تنتهى فى يوم ليس ببعيد وسينتهى به الحال أن يكون صورة على جدار، وبالتالى عليه أن يعيشها كما يريد وليس كما يفرض عليه الآخرون. الوحيدة التى سعدت بوجوده وقبلته كما هو كانت أمه طيّب الله ثراها، أما الباقون فيطالبونه دوما بغلو فى الكلام وحسابات لا يطيقها.

التعليقات