خيارات إسرائيل في غزة كلها سيئة - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 11:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خيارات إسرائيل في غزة كلها سيئة

نشر فى : الثلاثاء 31 أكتوبر 2023 - 5:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 أكتوبر 2023 - 5:55 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، يوضح فيه صعوبة تخلص إسرائيل من حماس دون هجوم برى، ولكن هذا الاختيار هو الأسوأ أمام إسرائيل للتكلفة الباهظة التى ستتكبدها جراء هذا الهجوم. بمعنى أوضح، تناول الكاتب آراء عدة لخبراء ومحللين يحذرون إسرائيل من تداعيات تنفيذ الاجتياح البرى، إذ ستتجاوز التكلفة الخسائر البشرية لتشمل الإضرار باتفاقيات التطبيع مع الدول العربية... نعرض من المقال ما يلى.
أوقعت إسرائيل نفسها فى معضلة كبيرة، عندما حددت لنفسها هدفا عاليا بحجم «سحق حماس» والقضاء على بنيتها العسكرية والسياسية فى قطاع غزة. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه من دون اجتياح برى كامل للقطاع حشدت له إسرائيل مئات الآلاف من جنود الاحتياط، وبدعم عسكرى وسياسى أمريكى بلا حدود.
على رغم التوغلات «المحدودة» فى قطاع غزة والإعلان عن «توسيعها» ليل الجمعة ــ السبت الماضى، فإن إسرائيل توحى وكأن الغزو البرى الشامل حاصل فى أى لحظة.. من قطع شامل لوسائل الاتصال وخدمات الإنترنت، وتصعيد غير مسبوق للقصف الجوى والبرى إلى الحصار المطبق وحرمان 2.3 مليون نسمة من الغذاء والماء والكهرباء والدواء، إلى الحصول على الحماية الأمريكية فى مجلس الأمن والحئول دون إصدار قرار دولى بوقف إطلاق النار.
ومع ذلك، يبقى سؤال مدى الغزو البرى وإلى أى حدود يمكن أن يصل؟ أم تشرع إسرائيل فى غزو شامل؟ صحيح أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لشن عملية برية من دون تحديد نطاقها الجغرافى، لكن بات معلوما أن الرئيس الأمريكى جو بايدن طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، التريث قليلا للإفساح فى المجال أمام جهود ديبلوماسية تبذلها قطر ومصر، من أجل الإفراج عن مزيد من المدنيين من ذوى الجنسية المزدوجة أو حملة الجنسية الأجنبية فقط ممن احتجزتهم «حماس» خلال اقتحامها لغلاف غزة فى 7 أكتوبر.
إلى ذلك، طلبت واشنطن من إسرائيل إرجاء الغزو البرى إلى حين اكتمال التعزيزات الأمريكية فى الشرق الأوسط، بحيث تصبح جاهزة للرد على أى هجوم قد تتعرض له المصالح الأمريكية من قبل القوى الحليفة لإيران فى المنطقة، فى حال توسعت الحرب وفتحت جبهات جديدة. ومنذ 17 أكتوبر وقعت هجمات ضد قاعدة التنف فى سوريا وقاعدة عين الأسد فى العراق. ويوميا تعلن وزارة الدفاع الأمريكية عن وصول المزيد من القوات الأمريكية لتضاف إلى حاملتى الطائرات «جيرالد فورد» و«دوايت أيزنهاور» ونظام «ثاد» المتطور للدفاع الجوى وأسراب من مقاتلات «إف ــ35» و«إف ــ16» و«أى ــ10».
وفى ما يشبه رسم خط أحمر أمام طهران، استهدفت مقاتلات أمريكية منشأتين للحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، فجر الجمعة الماضى، بعدما كان جو بايدن قد وجه تحذيرا لمرشد الجمهورية الإسلامية آية الله على خامنئى بالاسم. ويشارك ضباط أمريكيون فى الاجتماعات التى يعقدها المسئولون العسكريون الإسرائيليون المكلفون بوضع خطط الغزو البرى. وأعلن البنتاجون رسميا أن نائب قائد قوات «المارينز» الجنرال جايمس جلين موجود فى إسرائيل لهذا الغرض.
وفى الإجمال، يستعرض الجنرالات الأمريكيون والإسرائيليون مآلات أى هجوم برى شامل على غزة. ويكثر الحديث عن أمثلة من التاريخ الحديث والأبعد نسبيا لمعارك مشابهة للمعركة المرتقبة فى غزة. البعض يشبه غزة بالموصل نظرا إلى تشابه المكانين من حيث عدد السكان وشبكات الأنفاق، على ما ذهب إليه قائد القوات الأمريكية السابق فى العراق وأفغانستان الجنرال المتقاعد ديفيد بيترايوس. والبعض الآخر يورد معركة مدينة الفلوجة العراقية أيضا كمثال، فى حين يعقد خبراء عسكريون مقارنة مع مدينتى باخموت وماريوبول الأوكرانيتين.
من المسلم به، إن حرب المدن عموما مكلفة من الناحية البشرية. فكان بالأحرى مع وجود شبكة من الأنفاق فى قطاع غزة يبلغ طولها بحسب تقديرات الخبراء الغربيين 310 أميال على رغم أن القطاع تبلغ مساحته فقط 362 كيلومترا مربعا. ويصل عمق بعض هذه الأنفاق إلى 80 مترا، أى تقريبا بعمق نفق «المانش» تحت سطح البحر. وتملك «حماس» فى هذه الأنفاق 40 ألف مقاتل.
وهى أمضت 16 عاما تستعد لهذه اللحظة، ناهيك بقوة مماثلة لحركة الجهاد الإسلامى تقدر بنحو عشرين ألف مقاتل، ناهيك عن فصائل ومجموعات أخرى صغيرة. وبحسب القائد السابق لسلاح الهندسة الإسرائيلية القتالية أمنون سوفرين «سيكون هناك الكثير من الأفخاخ الملغومة. لديهم أسلحة حرارية لم تكن لديهم فى 2021 وهى أكثر فتكا. وأعتقد أنهم حصلوا على الكثير من أنظمة الأسلحة المضادة للدبابات التى سيحاولون أن يضربوا بها ناقلات الجنود المدرعة والدبابات». وخاضت إسرائيل معارك فى جنين عام 2002 وفى جنوب لبنان عام 2006، ونفذت عمليات اقتحام ضد مراكز حضرية فلسطينية أخرى، بينها عام 2014 فى غزة نفسها.
• • •
لكن المعركة المقبلة قد تكون مختلفة كليا بسبب الأهداف المحددة لها. يكتب مراسل مجلة «نيوزويك» الأمريكية فى تل أبيب دان بيرى، «أن حجم الموت والدمار لمثل هذه العملية سيزيد من احتمال دخول حزب الله فى النزاع، وأن يؤدى إلى انتفاضة أخرى فى الضفة الغربية، وحتى احتمال اندلاع أعمال شغب دامية بالنسبة لبعض العرب داخل إسرائيل؟». ويصل إلى استنتاج بأن الغزو البرى «سيكون بمثابة هدية لحماس وإيران»، لأن عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية لن تكون مطروحة فى حال حصل الهجوم البرى، كما أن المعاهدات القائمة بين الدولة العبرية ودول عربية، ستكون على المحك.
ومقارنة مع معركة الموصل التى استمرت 277 يوما من عامى 2016ــ2017، فإن الخسائر البشرية بلغت بحسب أرقام نشرتها منظمات غير حكومية ما بين تسعة آلاف و11 ألفا. أما قوات مكافحة الإرهاب العراقية، التى كانت تخوض الهجوم البرى بغطاء جوى أمريكى، فيقال إنها فقدت ما يصل إلى نحو 40 فى المائة بين قتيل وجريح.
وفى ماريوبول الأوكرانية، يقدر عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا العام الماضى بعشرات الآلاف، بينما فقد الجيش الروسى جنرالين وآلاف الجنود، ولم تتوقف المعركة إلا بعدما أمر الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى ما تبقى من الجنود المتحصنين فى معامل آزوفستال بالاستسلام.
وتنقل صحيفة «تايمز» البريطانية عن الخبير الأسترالى فى مكافحة الإرهاب الكولونيل ديفيد كيلكولن ما كتبه فى العدد الأخير من مجلة «فورين أفيرز» الفصلية حول اضطرار أمريكا إلى وقف معركة الفلوجة عام 2004 «تحت ضغط الرأى العام العالمى.. بسبب الخسائر المتعاظمة فى صفوف المدنيين». ويقول إن «هجوما بريا فى غزة ينطوى على مخاطر استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، ويمكن أن يدمر شرعيتها الأخلاقية».
• • •
ليست الكلفة البشرية التى ستتكبدها إسرائيل أو سقوط المزيد من الضحايا المدنيين فى غزة، هما العاملان الوحيدان اللذان يدفعان أمريكا إلى الضغط على تل أبيب كى تتريث قبل الاندفاع برا إلى غزة، ذلك أن أصوات بدأت ترتفع فى الولايات المتحدة تدعو إلى دمج العنصر السياسى مع العمل العسكرى. والرئيس جو بايدن نفسه قال إن الشرق الأوسط لن يعود إلى الوضع الذى كان عليه قبل 7 أكتوبر، ولا ينى يذكر بحل الدولتين. وبحسب أستاذ دراسات الحرب فى الكلية الملكية بلندن لورنس فريدمان، فإن التحدى الذى يواجه إسرائيل هو «مواءمة وسائلها العسكرية مع أهدافها السياسية». ويقول إنه «مهما كانت إسرائيل مؤهلة من الناحية العسكرية، فإن الهدف السياسى الطموح جدا سينتهى بالإحباط والفشل». ويورد مثالا على ذلك كيف انتهى الانتصار الأمريكى فى العراق وأفغانستان إلى الفشل سياسيا.
أما مراسل صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية فى تل أبيب ستيفن إيرلانجر فيرى أنه وسط الحشود الإسرائيلية «يطرح لغز سياسى حول ماذا سيحدث لغزة بعد انتهاء الحرب. وبعد الدخول، كيف ستخرج إسرائيل. وبعد أن تفكك حماس، هذا إذا استطاعت، لمن ستسلم المفاتيح؟ وإذا لم تعد حماس تحكم غزة، فمن سيفعل؟»، ويستشهد الكاتب بتحليل مقتضب للفتنانت جنرال البريطانى المتقاعد توم بيكيت الذى يتولى الرئاسة التنفيذية لبرنامج الشرق الأوسط فى المعهد الدولى للدراسات الإستراتيجية يقول فيه: «فى الحقيقة، لا توجد خيارات جيدة بالنسبة لهجوم إسرائيلى برى فى غزة.. وبصرف النظر عن نجاح العمليات فى إلحاق الهزيمة بحماس كمنظمة عسكرية، فإن حماس ستستمر كضرورة سياسية فى حين أن الدعم الشعبى للمقاومة سيستمر.. فإما تحتل إسرائيل غزة لتحكمها، أو فى حال انسحابها بعد الهجوم، فإنها تكون تتخلى عن الأرض لأشخاص يعتبرون المقاومة بمثابة الوجود».
بعد كل هذه المحاذير، هل يكون المخرج بتوغل إسرائيلى لجزء من القطاع وليس اجتياحا كاملا، فى ضوء تراجع التأييد داخل إسرائيل نفسها للعملية البرية، وإعطاء الأولوية لكيفية تأمين الإفراج عن الأسرى؟.
وأظهر استطلاع للرأى نشرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فى 27 أكتوبر، أن نصف الإسرائيليين تقريبا يريدون وقف أى اجتياح لغزة، بينما كانت نسبة التأييد لهجوم برى كبير قد وصلت إلى 65 فى المائة، وذلك فى استطلاع أجرته الصحيفة نفسها فى 19 أكتوبر.

النص الأصلى

التعليقات