مع إبراهيم عبدالمجيد في رحاب جامعة القاهرة - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مع إبراهيم عبدالمجيد في رحاب جامعة القاهرة

نشر فى : السبت 30 ديسمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : السبت 30 ديسمبر 2023 - 7:55 م
ــ 1 ــ
ما من مرة سعدت فيها بصحبته، والاستماع إليه إلا واستمتعت بحكيه المتفرد وحكاياته وذكرياته التى لا تنفد، بموازاة ما أفيده على المستوى الشخصى من خبرة الكتابة المقطرة التى تجمعت على مدى السنين بالدأب والمثابرة والتحصيل والقراءة والترجمة..
يحقق إبراهيم عبدالمجيد بالنسبة لى نموذج «الكاتب» كما يجب أن يكون، الموهبة أصيلة لكنه لا يراهن عليها وحدها، الثقافة واسعة وغزيرة وهى الزاد الذى لا ينقطع أبدا والرغبة الحارقة فى التعلم والشغف الذى لا ينتهى لمزيد من المعرفة والسعى للفهم وتمرين الكتابة والتذوق والمشاهدة والاستماع يوميا..
ــ 2 ــ
لم تكن مجرد ندوة ولا لقاء مما نشهده من لقاءات، كانت جلسة معرفية وإنسانية لم أرها من قبل، فى حدود الساعتين تقريبا، فى رحاب مركز جامعة القاهرة للغة والثقافة العربية، وبحضور كريم من كتاب ونقاد ومثقفين اجتمعوا على محبة واحترام وتقدير الكاتب الكبير.
بخبرة السنين والحكمة والنضج وما ترسب فى الوعى من خلاصات ورؤى، كثف صاحب (رباعية الإسكندرية) «المصرية» رؤيته للفن الروائى، وميز بين الإبداع الحقيقى الأصيل المنشغل بالجمال، وبين طوفان الكتابة وسيل الكتب والروايات الذى لا ينقطع.
باقتدار ميز عبدالمجيد بين «النقد المنتج للمعرفة» والحافز على الإبداع والمؤسس لفكر ورؤية «الأديب»، وبين عبث الصغار على مواقع التواصل الاجتماعى، وصخبهم وضجيجهم المزعج المنفر، والظواهر الرديئة التى طفت على السطح فى السنوات الأخيرة (عروض الكتب مدفوعة الأجر، تمويل دور النشر لجروبات قراءة موجهة على السوشيال ميديا، الارتزاق والتكسب مما يسمى ورش تعليم الإبداع وكتابة الرواية.. إلخ). يحكى عندما رأى لأول مرة الناقد الراحل محمد مندور فى ندوة بقصر ثقافة الحرية (بالإسكندرية)، كان يتحدث عن المذاهب الأدبية والفنية، ويحلل ويشرح مفاهيم «الواقعية» و«الرومانسية» و«الرمزية».. إلخ. يقول عبدالمجيد: «خرجت من الندوة وأنا كلى حماسة وفضول للبحث والقراءة، تضاعف نهمى وشغفى لمزيد من المعرفة والاطلاع، الكاتب الحقيقى باحث عن المعرفة والحقيقة والجمال، رحم الله مندور حينما كان الناقد ملهما وموحيا ومرشدا حقيقيا فى رحلة التأسيس المعرفى والتكوين الثقافى وتنمية الوعى والذائقة».
ــ 3 ــ
موضوع الندوة «الرواية العربية إلى أين؟»، وفى حدود الساعة تقريبا صحبنا إبراهيم عبدالمجيد فى جولة لا مثيل لها بين رياض الرواية وبساتينها، فى حب الرواية والشغف بها «قراءة وكتابة»، اتصلت حياته كلها بهذا الفن الذى كتب عنه مقالا نشره فى مجلة (الهلال) عام 1975، وصفها فيه (أى فن الرواية) بأنها «ديوان العرب». ولم يكن غريبا أن يخصص لفن الرواية بابا بديعا «عنها وعنا» فى كتابه استراحات الكتب الصادر قبل سنتين عن (منشورات إبييدى). حدثنا عبدالمجيد عن بدايات اتصاله بفن الرواية، ولماذا أحب الرواية، وقرر أن يكتبها، وإبراهيم عبدالمجيد فضلا على كونه مبدعا «مجيدا» فهو ينطوى على ناقد «مكين» أيضا، يمتلك ذائقة فريدة وحساسية رهيفة تجاه النصوص، ويمتلك قدرة فذة على قراءتها وتحليلها.
وفى الوقت ذاته يمتلك قدرات تنظيرية و«تجريدية» أظن أنه اكتسبها وتشربها من دراسته للفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وكلنا يذكر كتابه الذى لم أقرأ مثله فى الثقافة العربية فى السنوات الأخيرة «ما وراء الكتابة ـ تجربتى مع الإبداع» الذى صدر فى طبعات عدة منذ ظهوره فى 2014. فكأنه يستدرك بعض ما فاته فى «ما وراء الكتابة» هنا فى اللقاء الذى جمعه بقرائه ومحبيه فى رحاب مركز اللغة والثقافة العربية؛ فيتحدث عن أوجاع الكتابة؛ ومطاردة المبدعين، وكيف يعبر الأدب الحدود ويتخطى المسافات.
ما أجمل أن يصطحبنا مرشد إبداعى وفنى فذ فى ربوع الآداب والفنون تحت مظلة «ما أجمل الكتابة.. وما أروع الكلمة!»..
ــ 4 ــ
أهم الدروس التى يمكن استخلاصها من هذا اللقاء الرائع بنص إبراهيم عبدالمجيد نفسه أن المساحة الأكبر فى حياة المبدع والكاتب والمفكر والمثقف هى للأرواح والأفكار العظيمة. يقول عنها: «كيف رأيتها؟ وكيف كانت أعظم أسباب استمرارى فى الحياة. كل إنسان يعيش قصة حب كبيرة قد تنجح وقد تفشل، لكن أن يحيطك كل هؤلاء المحبين وأنت لم تكن تعرف أكثرهم بشكل شخصى، فقط نفذوا إلى روحك بإنتاجهم فى كل فضاءات الفنون، ويجعلونك قادرا على المغامرة فى الفكر والفن والرأى، فهذا هو الحب الإلهى الذى خصتك به السماء.
أعظم جائزة تحصل عليها عبدالمجيد فى حياته، يرويها بالبساطة المتناهية، هكذا: جاءنى شاب يقول عنه نفسه إنه «فاقد» و«صايع» ولا يحمل للدنيا هما، جاءته أمه برواية وقالت له اقرأها، لم يقرأها فى حينه واستمر فى حياته اللاهية العابثة، بصدفة عابرة أمسك بالرواية وقرأها، أعجبته فأكملها حتى آخرها، قال لعبدالمجيد حينما قابله بعد ذلك: تغيرت حياتى، دخلت الجامعة، أكملت دراستى وتفوقت، وأصبحت ما أنا عليه الآن».
هكذا يفعل بنا الأدب العظيم وتفعل بنا الروايات الجميلة. على المستوى الشخصى، تذكرت أننى قررت دراسة الأدب والنقد بعد أن قرأت أعمال نجيب محفوظ بالكامل، وأنا لم أنه المرحلة الثانوية بعد (كنت بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة تقريبا) . ما أعظم الأدب الحقيقى، وما أروع الرواية حينما تكون سببا فى إنارة الطريق، وإيقاظ الوعى، والبحث عن المستقبل..
ــ 5 ــ
لا أنسى أن أتقدم بوافر شكرى وتقديرى للأستاذ الدكتور أحمد عادل عمار، مدير (مركز جامعة القاهرة للغة والثقافة العربية) على دعوته الكريمة.. ولن أقول كلمة عنه، فشهادتى فيه مجروحة، لكن يشهد له دائما إخلاصه وتفانيه وأداء مسئولياته على أكمل وجه، وأحسنه، والكل يشهد له بذلك، وعمله يشهد له قبل الجميع..
(وللحديث بقية)