مصر والسعوديون الجدد - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 3:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والسعوديون الجدد

نشر فى : الأحد 30 أكتوبر 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الأحد 30 أكتوبر 2016 - 10:15 م
(1)
يخطئ من يقدر أن انتقال الخلافات المصرية – السعودية من الغرف المغلقة إلى العلن قد جاء بسبب إعلان الرياض استياءها من تصويت القاهرة فى مجلس الأمن إلى جانب مشروع قرار روسى بشأن سوريا، وما ترتب عليه من وقف شركة أرامكو السعودية إمدادات البترول إلينا الشهر الحالى. الأمر – فى تقديرى – يرجع لخيبة أمل حكام السعودية الجدد الذين رأوا أن اللحظة مواتية للفوز ببيعة مصر لسعودية جديدة تبدو على المسرح كقوة إقليمية كبيرة، بإمكانها ليس فقط وراثة الدور المصرى المعطل منذ حرب أكتوبر 1973، بل وإخضاع مصر نفسها، التى يتوجب أن تعتنق تصورات الرياض فى كل قضايا الإقليم الملتهبة!

(2)
ظروف العالم العربى منذ بداية الألفية الجديدة جعلت السعودية تنتظر اللحظة الحاسمة للتخلى عن سياسة إظهار الزهد فى لعب أدوار كبيرة فى الإقليم، هذه الظروف تتمثل فى اختفاء العرب الكبار عن المشهد؛ فانتهى كل أثر لبغداد، بفعل شطحات صدام حسين، ثم الغزو الأمريكى، الذى ترتب عليه اندفاع إيران وحدها لملء الفراغ فى عراق ما بعد الحقبة البعثية؛ فبات الدم الفارسى يجرى فى جسد عربى أنهكته الانقاسامات الطائفية والمذهبية!
غابت سوريا عن المشهد بفعل ثورة شعبها ضد نظام قمعى، ما لبثت أن انزلقت إلى أتون حرب أهلية طاحنة، أضحت بمقتضاها وحدة التراب السورى أمنية تبدو بعيدة المنال، فى ظل تحول درة بلاد الشام إلى حلبة مصارعة بين القوى الكبرى فى الإقليم والعالم.
زادت أيضا غيبة مصر التى اكتفت بـ«دور المتفرج» على ما يجرى فى محيطها طيلة حكم حسنى مبارك. والذى تعزز بعد ثورة 25 يناير، التى انكشف بعدها وهن الاقتصاد المصرى، الكابح لإمكانية قيامها بأى دور قيادى فى الإقليم، ناهيك عن حالة الضحالة الشديدة التى باتت سمة نخبها السياسية، العاجزة عن فهم حقائق مصر الجغرافية والتاريخية.

(3)
رأى السعوديين الجدد أن هذه هى اللحظة المناسبة للعب دور إقليمى فى ظل الانكشاف الواضح للعالم العربى من كل قواه التقليدية. أرادوا صك اعتراف بهذا الدور، الذى يوقنون أن أختامه غير موجودة لا فى أنقرة ولا فى طهران، اللتين تناصبان أى قوة عربية بازغة العداء فى حسابات القوة فى الشرق الأوسط. أيقن هؤلاء السعوديون الجدد أن هذه الأختام موجودة لدى العرب، أصحاب الأغلبية السكانية والجغرافية فى هذا الإقليم، وإذا تحدثت عن العرب يبقى أن يأتى الاعتراف والبيعة من الشقيقة الكبرى التاريخية.
اعتقد السعوديون الجدد أن مصر مهيأة لأن تبصم لهم على هذا الدور؛ لحاجتها الماسة لدعمهم المالى فى اللحظة الراهنة، فضلا عن «ميوعة» الخطاب المصرى فى التعاطى مع الأشقاء، وخروج إشارات تشير إلى التسليم بهذا الدور السعودى الجديد، كأن يقول وزير خارجيتنا: «إن مصر لا تسعى لقيادة العالم العربى ولا تبحث عن ريادة».

(4)
السعوديون الجدد براجماتيون.. تعلم أغلبيتهم فى جامعات الغرب. أرادوا اختبار مصر عساهم يحظون بالصك المنشود، فبدأوا «عاصفة الحزم» فى اليمن قبل ساعات من انعقاد القمة العربية فى شرم الشيخ. رسالتهم كانت واضحة «نحن كقيادة كبرى لسنا بحاجة لاستئذان أحد قبل شن هذه الحرب، حتى لو كانت مصر»، التى فوجئت بالعملية برمتها. سعوا أيضا كى تتدخل مصر عسكريا فى اليمن وبقوات برية إعمالا لما فهموه من «مسافة السكة»، وبديهى أن هذه القوات فى حال دفعها لميادين القتال ستعمل تحت إمرة قادة سعوديين، وهو أمر له ما له من الدلالات، إذا علمت أن ذلك لم يحدث فى تاريخ العسكرية المصرية التى خاضت حرب أكتوبر بالتنسيق مع سوريا، تحت قيادة موحدة للجبهتين كان على رأسها المشير أحمد إسماعيل.
تعاطت القاهرة بحذر مع عاصفة الحزم متأثرة فى ذلك بتجربة مريرة للجيش المصرى فى المسرح اليمنى الوعر، وهو ما أغضب السعوديين، الذين ابتلعوا الأمر إلا من بعض الضجر الإعلامى هنا أو هناك؛ لكنهم أصروا على ما هو أبعد من ذلك. أصروا على الإمعان فى إخضاع القاهرة ودفعها كى تبصم لهم بالقيادة.. ليس عبر دعمهم فى حروبهم الخارجية، ولكن عبر اقتطاع جزء من اللحم المصرى الحى؛ فجاء موضوع جزيرتى «تيران وصنافير»، اللتين أوشكت السلطة المصرية على تسليمهما للسعوديين، لولا أنها انتبهت لأنها تقامر بمستقبلها إذا ما فرطت فى هذه البقعة التى وقر فى عقول أغلبية المصريين أنها مصرية بالتاريخ والجغرافيا ودماء الشهداء التى سالت لأجلها.

(5)
بقى أن نقول للأشقاء: إن زمن الزعامات الكبرى فى العالم وفى الإقليم قد ذهب إلى غير رجعة.. ليس أمامكم سوى التنسيق والتعاون معنا.. ففيه وحده قوتكم وقوتنا.

kaboubakr@shorouknews.com
التعليقات