طه حسين في «الثقافة الجديدة» - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طه حسين في «الثقافة الجديدة»

نشر فى : السبت 30 سبتمبر 2023 - 7:45 م | آخر تحديث : السبت 30 سبتمبر 2023 - 7:45 م
ــ 1 ــ
هذا عدد سيذكر طويلا ويسترجع كثيرا ويعود إليه الدارسون والمهتمون بإرث وحضور الأستاذ العميد مرارا. أكثر من ثلاثة أشهر وفريق العمل الممتاز بمجلة (الثقافة الجديدة) يخطط ويستعد ويتحضر لهذا العدد، وهذه المناسبة هى (خمسون عاما على رحيل طه حسين). فبعد العدد الرائع عن الشيخ سيد درويش، وبعد الأصداء الرائعة التى أحدثها صدور هذا العدد، يخرج علينا فريق التحرير بعدد ممتاز آخر عن أحد سادات الفكر والمعرفة والتأصيل للنهضة والحداثة فى ثقافتنا الحديثة، عدد أتمنى أن يعمم على المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية والمكتبات العامة ومراكز الشباب وقصور الثقافة، وفى كل الأماكن التى يمكن أن يوجد فيها الشباب أو مجموعات منهم لعله يقع بين يدى واحد منهم فتكون البداية!
هذا العدد نموذج لما نفتقده الآن فى حياتنا العامة والثقافية والإدارية على السواء (الرؤية والتخطيط والتنفيذ المطابق للرؤية والسياسة العامة بعد دراسة وتحديد للمحاور والموضوعات والقضايا). ولا أريد أن أستطرد فى تعداد المزايا وجوانب الحضور المضىء والإشارة إلى الأسماء اللامعة التى قدمت دراسات ومقالات غاية فى العمق والاستبصار ببعض ما قدمه الأستاذ العميد من فكر ومعرفة وإبداع.
ــ 2 ــ
ولأننى أحد الذين ساهموا مساهمة متواضعة فى هذا العدد الخاص بكتابة البورتريه الافتتاحى لطه حسين (وهو بمثابة مقدمة وتمهيد ومدخل معاصر لكل الموضوعات والقضايا التى عالجتها مواد العدد) فإن شهادتى قد تكون مشوبة بانحياز أو بحماس أو بتأييد. أما الانحياز فلا أخفيه، وأما الحماسة فأنا فى غايتها القصوى، وأما التأييد فذلك واقع وحقيقة لا أنكرها أبدا. الانحياز للقيمة وللجهد والعمل الأصيل لا يختلف عليه اثنان، مهما كانت العاطفة حارة ومتأججة.
والحماسة تكون حيثما يُقدم عمل جدير بها، وأنا من أصحاب هذه الحماسة المعرفية «المعدية» منذ أول سطر كتبته وحتى الآن، ويعلم من يتابعون ما أكتب أو أنشر أو أذيع على الناس من أحاديث ومقالات أننى لا أتحمس إلا لما أومن بقيمته وبأصالته، وبتحقيقه هدفا نبيلا من أهداف المعرفة وغاياتها التى نكافح كفاحا مريرا ــ وسنظل ــ لنشرها والدفاع عنها وسط ركام من التفاهة والسذاجة والابتذال، وحدث ولا حرج!
والتأييد لا يكون إلا لما يملأ جزءا من فراغ رهيب وقاتل فى ساحة عجت بالفوضى والغث والبارد والسخيف من القول والفعل معا! وهذا ما قدمه هذا العدد الخاص من (الثقافة الجديدة)، يذكرنا بالأعداد الخاصة التى كان يصدرها المرحوم غالى شكرى فى مجلة (القاهرة) تسعينيات القرن الماضى.
ــ 3 ــ
بعد افتتاحية رئيس التحرير طارق الطاهر التى عنونها «الملهم»، والبورتريه التعريفى بصاحب العدد الخاص لكاتب هذه السطور، تتوالى دراسات العدد ومقالاته وشهاداته مغطية تقريبا معظم أو أهم مجالات إسهام طه حسين وحضوره الفكرى والأدبى والنقدى والمجمعى، وحتى فى حياته الشخصية وعلاقته بأفراد أسرته؛ زوجته سوزان وابنه مؤنس وابنته أمينة.
لفتنى من بين دراسات العدد ومقالاته دراسة الدكتور سامى سليمان عن تعدد الأصوات فى خطاب طه حسين النقدى متخذا من ثلاثيته عن أبى العلاء المعرى؛ «تجديد ذكرى أبى العلاء»، و«مع أبى العلاء فى سجنه»، و«صوت أبى العلاء» مادة للتحليل ونموذجا لعرض مقولاته النقدية، وإجراءاته التحليلية، وتصوراته المضمرة عن الأدب والشعر وتاريخ الأدب.. إلخ. ويمايز سامى سليمان فى دراسته بين ثلاثة أصوات فى خطاب طه حسين النقدى، صوت السارد، وصوت الواصف، وصوت المؤلف مدللا على ذلك باستشهادات نصية من كتب طه حسين الثلاثة المشار إليها.
ويلتفت الناقد وأستاذ البلاغة والأكاديمى المغربى القدير الدكتور محمد مشبال إلى بلاغة التواصل النقدى عند طه حسين وبراعته فى الحديث عن الأدب، وكيف كان يتوسل طه حسين بكل آليات التحبيب والتشويق وإثارة فضول القارئ لتقديم مادته النقدية دون عنت ولا إغراق فى الجفاف ولا إلغاز ولا غموض. إنها دراسة عن الكتابة الجميلة وفضيلة التواصل مع الجمهور بحميمية ويسر وسلاسة محببة.
ــ 4 ــ
وسنقرأ تحقيقا مطولا لرئيس التحرير بعنوان «تفاصيل جديدة عن معركة قديمة».. وهل كانت هناك معركة أكبر ولا أكثر صخبا وضجيجا وعنفا من معركة كتاب «فى الشعر الجاهلى» التى كانت منذ البداية وحتى النهاية معركة سياسية وظف فيها الدين، كما هى العادة فى كل ما جرى فى حياتنا الفكرية والسياسية طيلة القرن العشرين؟
ويضىء طارق الطاهر ببحثه الدءوب تفاصيل تلك المعركة من وجوهها كافة، ويتتبع نقاط اشتعالها فى الجامعة والبرلمان والأزهر وفى أروقة المؤسسات الحكومية. العدد متخم بالدراسات والمقالات الرائعة ولن تفى هذه المساحة بعرضها كلها، لكن لا تفوتنى الإشارة إلى مقال وليد الخشاب عن سينما طه حسين، وهى قراءة عميقة ولافتة.
ويختتم هذا العدد الاستثنائى القيم بمقال الناقد والكاتب القدير الدكتور محمد عبدالباسط عيد بعنوان «دعوة العميد» التى لخصها فى «الروح العلمية» أو تأصيل فكرة «المنهج العلمى» فى البحث والدرس الجامعى والعمل على تعميمها وترسيخها فى تربة الحياة الثقافية والعامة فى مصر على السواء.
ــ 5 ــ
إن طه حسين ما زال حيا، وحاضرا، حتى وإن ثارت العواصف وزمجرت الأعاصير، وعلا صراخ المتطرفين والكارهين لكل ما يمثله طه حسين من قيم ثقافية وإنسانية وفكرية؛ قيم الحرية والعقلانية، والتفكير العلمى، والدفاع عن العلم، والحداثة، والبحث عن المستقبل، إلخ.
وفى خضم ذلك كله؛ ثمة أجيال ناشئة، بازغة، واعدة، تتساءل: ومن يكون طه حسين؟ وما أهميته لنا؟ ولماذا يجب علينا أن نقرأه ونتعرف عليه حتى الآن؟
أظن أن هذا العدد الاستثنائى من (الثقافة الجديدة) يقدم مقترحات للإجابة جديرة بالقراءة والنظر والتأمل..