حراس المعبد! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حراس المعبد!

نشر فى : الجمعة 29 يوليه 2022 - 6:45 م | آخر تحديث : الجمعة 29 يوليه 2022 - 6:45 م

مرت منذ أيام قليلة، الذكرى السبعون لثورة يوليو 1952، وكالعادة فى هذه المناسبة، يرتفع صوت الخلاف والجدل بين فريقين، الأول يهاجم وينتقد قائدها جمال عبدالناصر، ويحمله مسئولية تأميم ومصادرة وتجفيف منابع السياسة فى مصر، والثانى يدافع بقوة عما يراه حملات منظمة وممنهجة ومعدة سلفا للانقضاض والانتقاص والتقليل والتشهير بالزعيم الراحل، الذى أعاد للبلاد حريتها ودورها، ووضعها على خارطة الدول المؤثرة إقليميا ودوليا.
هذا العام كان مختلفا إلى حد كبير، حيث لم تحدث حملات ممنهجة أو منظمة ضد الرئيس ناصر، أو حتى كتابات نقدية لافتة لعصره وسياساته وقراراته، باستثناء قلة من التعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعى من الأعمال السينمائية التى تناولت تلك المرحلة.. لكن رغم هذا الهدوء اللافت، فإن «سدنة» التجربة الناصرية وشيوخها ودراويشها، لم يتحملوا دعابات جيل الفضاء الإلكترونى الشاب، واختلقوا معارك وهمية للدفاع عن الزعيم الراحل، فى حين أنهم لا يتوانون فى كل وقت عن توجيه أقسى عبارات النقد والتجريح للرؤساء الآخرين الذين تسلموا السلطة بعده، بل واتهام بعضهم بالخيانة!!
القضية الأهم والأخطر، والتى تعتبر «بيت الداء» المزمن فى الجسد السياسى المصرى، هى محاولة البعض بلا غضاضة «تقديس الرئيس»، بشكل يصبح مجرد نقد مواقفه وقراراته أو حتى تقييم سياساته، أشبه بـ«الكفر البواح» الذى يجب معاقبة صاحبه عليه بلا رحمة، بل إن البعض لم يكتفوا بهذا فقط، بل جعلوا من أنفسهم حراسا لما يتصورون أنه «معبد الرئيس» الذى لا ينبغى لأحد الاقتراب منه بأى شكل من الأشكال، ومن يجرؤ على فعل ذلك، عليه تحمل العواقب التى تكون فى أغلب الأحيان «غير آمنة».
فعبدالناصر.. لا يمكن أبدا تجاهل الدور الذى لعبه فى تاريخ مصر الحديث، أو الافتئات على تجربته فى الحكم، التى حقق فيها الاستقلال الوطنى للبلاد وقرارها، ونفذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية هائلة حققت العدالة بين أبناء الشعب، وقللت من الفروق بين مختلف الطبقات، وأتاحت للفقراء سبل العيش الكريم، عبر الحصول على حقوقهم المشروعة فى التعليم والتوظيف والخدمات الصحية.
ليس هذا فقط، بل إن مصر شهدت فى عهده نهضة زراعية وصناعية غير مسبوقة، ومشروعات عملاقة مثل السد العالى، الذى لا يزال يشكل حصانة مهمة للبلاد من العطش وقت الأزمات المائية الطاحنة، كما تضاعف دورها السياسى فى المنطقة والعالم، وتعاظم تأثير قوتها الناعمة فى محيطها العربى.
هذه حقائق لا يستطيع أحد تجاهلها أو القفز عليها، وإنجازات عظيمة لا يمكن إنكارها، لكن فى الوقت نفسه، كانت هناك أخطاء هائلة لتجربة ناصر فى الحكم، لا نزال نعانى منها رغم مرور سبعين عاما على ثورة يوليو، أهمها تأسيس جمهورية الخوف وسيادة الحكم الفردى ومصادرة السياسة وتجريمها، وتجاهل رأى الشعب فى مختلف القضايا، ووأد قواعد الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة، وتأميم الإعلام وتكميم الأفواه والضيق بالرأى الآخر المعارض ومعاقبته فى كثير من الأحيان، وغياب قواعد المحاسبة والشفافية بشكل دائم، وإسناد المناصب لأهل الثقة لا الخبرة.
هذه القواعد التى رسختها دولة يوليو، لا تزال بعض آثارها حاضرة فى المشهد حتى اليوم، بل ومتحكمة فى تفاصيله كلها، وكأنها إرث ينبغى علينا الحفاظ عليه وعدم التفريط فيه أو حتى نقده، رغم أنه ثبت للجميع، عدم صلاحيته لبناء دولة قوية حديثة قادرة على مواجهة العواصف والأزمات والتحديات التى تعترض طريقها.
لذلك، لا عجب فى أنه كلما اشتدت قسوة ومرارة الظروف المعيشية والاقتصادية الضاغطة على أعصاب المواطنين هذه الأيام، يتذكر البعض الأسس والقواعد السياسية التى رسختها جمهورية يوليو 52، والقائمة على تجاهل وتهميش دور الشعب، وعدم أخذ رأيه ومصالحه فى الاعتبار عند اتخاذ القرار، والتى لا تزال حاضرة بقوة حتى الآن.
على أى حال، ينبغى على الجميع الاقتناع بأن الرئيس ــ أى رئيس ــ ليس «قدس الأقداس»، ونقد سياساته وتقييم عصره ليس «ذنبا عظيما»، طالما كان ذلك يحدث بلا تجاوز، وفى إطار من الاحترام والموضوعية والالتزام بالقانون، كما أن الرد على آراء المخالفين أو المعارضين، لا ينبغى أن يكون بالتشكيك فى انتمائهم الوطنى، وإنما عن طريق مواجهة الرأى بالرأى الآخر، حتى لا نواصل بناء معابد لأشخاص وحراستها، ثم نفاجأ بسقوطها بلا مقدمات!.

التعليقات