الحرب الطائفية القادمة - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 3:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب الطائفية القادمة

نشر فى : الإثنين 29 مايو 2017 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 29 مايو 2017 - 10:30 م
تابعت مثل غيرى وقائع القمة العربية الإسلامية الأمريكية الأخيرة فى الرياض والتى أخذ فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يقرع فيها طبول الحرب ضد إيران بدعوى محاربة الإرهاب. ذكرنى ذلك بخطاب الرئيس الجمهورى الأسبق جورج بوش الابن الذى رأى فى نفط العراق غنيمة يجب الاستيلاء عليها، فكان غزو العراق عام ٢٠٠٣ ونتائجه المعروفة. فكيف يختلف ترامب اليوم عن جورج بوش الابن الأمس؟ وهل يمكن حقا أن تختلف النتائج هذه المرة؟
فى عهد جورج بوش الابن، كانت البداية والفرصة مع أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، حيث بدأ الإعداد لغزو العراق والبحث عن مبرر وغطاء شرعى. وتفتق ذهن المحافظين الجدد عن دعوة الأغلبية «الشيعية» لمواجهة الحكم «السنى»، لتأليب الداخل العراقى ضد صدام حسين وحكم حزب البعث العربى الاشتراكى. وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها وصف دولة أو نظام حكم بأنه «سنى»، الأمر الذى يختلف عن ما هو متداول أو متعارف عليه فى الدراسات والأدبيات السياسية الغربية فيما يتعلق بنظم الحكم فى الشرق الأوسط. حيث كان يتم وصف نظم الحكم بأنها إما «سلطوية» فى مقابل «ديمقراطية»، أو «قومية» فى مقابل «ليبرالية» أو حتى «إسلامية» فى مقابل «علمانية»، ولكن نظم حكم «سنية» فى مقابل نظم «شيعية»!!، كان ذلك جديدا. وكثر الحديث حينئذ عن الأقلية السنية التى تتحكم فى الأغلبية الشيعية، وكأننا نتحدث عن الأقلية البيضاء فى جنوب إفريقيا فى مواجهة الأغلبية السوداء. وللأسف فقد ارتكب نظام صدام حسين من الحماقات والأخطاء ضد الأغلبية الشيعية من شعبه ما أعطى زخما ومصداقية لهذا الخطاب الطائفى، ودفع جيرانه من عرب وغير عرب إلى التحالف مع أمريكا والانسياق مع مخططها لمجرد التخلص من نظامه دون حساب لتبعات هذا العمل أو نتائجه، لتسقط العراق وتستولى الأغلبية الشيعية على الحكم بمساندة أمريكية. إلا أنه سرعان ما تغير الخطاب الموالى للشيعة، وبدأ الحديث عن الهلال الشيعى وأهمية الوقوف ضد الخطر الإيرانى. وبعد أن كان الخطاب موجها لشيعة العراق ضد تحكم وتعسف السنة، تحول الخطاب إلى الدفاع عن السنة أمام المد الشيعى.
وفى عام ٢٠٠٦ مع الحرب اللبنانية/ الإسرائيلية، ودخول إيران على خط المواجهة مع إسرائيل فيما عرف بمحور المقاومة الذى ضم سوريا وحزب الله وحماس، دعت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كونداليزا رايس إلى العمل على تكوين محور مضاد. فكان ما اصطلح على تسميته بـ«محور الاعتدال» القائم على صيغة ٦+٢+١، أى دول الخليج الستة مع مصر والأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن هذا المحور ولد ميتا لأنه اصطدم بصخرة القضية الفلسطينية، والتعاطف الشعبى مع حزب الله وحماس والكراهية لإسرائيل.
خلاصة ما تقدم، أن التقسيم الطائفى الذى أتى به الأمريكيون أدى إلى تدمير العراق وأصبح الانقسام السنى الشيعى واقعا مريرا ندفع ثمنه الآن فى العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وباكستان، فما الجديد الذى يأتى به ترامب؟
يشير ما يشهده العراق وسوريا الآن من اتجاه لتقسيمها على أسس طائفية، أن بعض الدوائر فى الغرب (أمريكا تحديدا) ترى أن الخريطة التى وضعها الدبلوماسى البريطانى مارك سايكس مع نظيره الفرنسى فرانسوا جورج بيكو فى عام ١٩١٦ لتقسيم الشرق الأوسط فى أعقاب الحرب العالمية الأولى لم تعد صالحة ويجب استبدالها بخريطة جديدة لم تتضح معالمها بعد. وفى الرأى أن هذه الخريطة الجديدة فى انتظار أن يتفق عليها ترامب مع بوتين فى يالتا جديدة، وستكون هذه المرة لإعادة تقسيم الشرق الأوسط من جديد. والشاهد حتى الآن أنه تجرى حاليا عملية اصطفاف سنى خلف الولايات المتحدة فى مواجهة عملية اصطفاف شيعى خلف روسيا. وإذا كان العالم العربى قد شهد فى الخمسينيات والستينيات ما وصفه أستاذ العلوم السياسية الأمريكى الراحل مالكوم كير بـ«الحرب الباردة العربية»، بين ما كان يصنف كنظم رجعية متحالفة مع واشنطن فى مواجهة نظم تقدمية متحالفة مع موسكو، فيبدو هذه المرة أننا مقدمون على تقسيم جديد ولكن على أسس طائفية أو مذهبية. وما الإعلان عن تشكيل قوة من ٣٤ الف جندى لمحاربة الإرهاب فى سوريا والعراق «إذا أحتاج الأمر» سوى إرهاصات حرب باردة جديدة فى المنطقة.
ولكن هذه الحرب الباردة ممكن أن تنقلب إلى حرب ساخنة، وذكريات الحرب بين العراق وإيران فى الثمانينيات من القرن الماضى ليست ببعيدة عن الأذهان. تلك الحرب التى دامت ثمانى سنوات (١٩٨٠ــ ١٩٨٨) قتل خلالها ما يقرب من مليون شخص من المدنيين والعسكريين وقدرت خسائرها المادية على المنطقة بأكثر من تريليون ونصف تريليون دولار بحسابات ذلك العصر (أى أضعاف أضعاف هذا المبلغ بحسابات الآن). فما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه حشد العرب السنة بالأمس ضد إيران الشيعية بما يتم اليوم بحجة محاربة الإرهاب والتطرف. ولكن التطرف لا يتم محاربته بتطرف مضاد، والمشروع الطائفى لا يتم محاربته بمشروع طائفى مضاد. وإذا كان الإرهاب ينمو نتيجة الفقر والجهل والتعصب، فالأولى هو محاربة الفقر والجهل والتعصب. فهل يمكن تغليب صوت العقل ومحاربة الإرهاب دون الإنجرار لحرب طائفية جديدة فى المنطقة لا تستفيد منها سوى صناعة السلاح الأمريكية؟

 

التعليقات