حين صنعوا الكراهية لإجهاض المستقبل - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حين صنعوا الكراهية لإجهاض المستقبل

نشر فى : الجمعة 29 مايو 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 29 مايو 2015 - 9:25 ص

أقول لكم يا شباب الأمة العربية الثائرين بأنكم ستجدون أنفسكم المرة تلو المرة أمام من سيحاول محو المنطلقات التى فجرت ثوراتكم، محوها من ذاكرتكم وذلك من خلال إدخالكم فى عقم الجدليات والصٍراعات التى لا علاقة لها بمنطلقات وبدايات ثوراتكم المبهرة سيحاول فقهاء السلاطين المذهبيٍين، من الذين لا يرون فى الدين إلاُ ضيق أفق مذهبهم وقلة تسامحهم أن يجرُوكم إلى صراعاتهم الطائفية، سيحاولون تدنيس ثوراتكم بالإصرار على أنها لم تقم من أجل الحقوق الإنسانية وإنٌما قامت من أجل كسب المزيد من السلطة.

ستسمعون من أبواق سادة الرَشوة والإفساد وستقرأون لكتبتهم الموتورين ما يحرفكم عن آمالكم وتطلٌعاتكم العادلة المتواضعة، سيركز هؤلاء على شعار خاطئ، على تصُرف غير مقبول، على راية هنا، ولكنهم لن يقولوا قط كلمة حق أو تعاطف أو تفهُم بشأن الجحيم الذى تعيشونه
أولئك لن يتعاطفوا قط مع رغبتكم فى الوقوف دون انحناء الذل والمهانة، ستسمعون نعيق غلاة الإيديولوجيات وهم لا يشبعون من رؤية تضحياتكم ومن سماع أوجاعكم، فيدفعون إلى المزيد منها، بينما يجلسون فى المقاهى والمطاعم يثرثرون بشأن عرقكم ودموعكم ودمائكم، سيعزف هؤلاء على أوتار الكراهية والبغض لهذه الجهة أو تلك ويبعدونكم عن منطلقات ثوراتكم.

أولئك جميعا، وغيرهم كثيرون، سيثيرون الغبار والأتربة والدُخان فى ساحات ثوراتكم الناصعة البياض ويقلبونكم من صناع التاريخ بحق إلى صناع الفوضى عندما تصبح الرؤية متعذٍرة على كل من يدخل فى لعبتهم، لعبة الكراهية العبثية، لسنا معنيون بهم فكراهيتهم سترتد إليهم، لكننا معنيون بكم يا شباب الأمة يا أنبل وأطهر ما فيها، من أن تنحرفوا بثوراتكم إلى الطرق المسدودة، طرق الكراهية والبغضاء والحقد على من يسدون آذانهم وأعينهم عن آمالكم وأحلامكم وعزة نفوسكم.

هذا جزء مما سطره السيد ( على فخرو) فى أبريل 2011 وهو يستشرف ما ستتعرض له الثورات العربية من تربص وتآمر لإجهاضها، وكأن الرجل كان يقرأ المستقبل ويرى ما سيحدث فى مصر وسوريا واليمن وغيرها حيث ينطبق هذا الكلام على جزء كبير من الواقع الذى آلت إليه الثورات.

•••

لم تُبتلَ مصر بلعنة الطائفية ولكنها احترقت بنار الكراهية التى أوقدها من قسموا المصريين ومزقوهم شر ممزق، كانت الكراهية هى المدخل للانقضاض على الثورة المصرية ولا عجب، فحين جمع الحب بين المصريين فى ميدان التحرير توحدوا وعرفوا عدوهم الحقيقى وهو الاستبداد والفساد فتصدوا له وتلاحموا ليجبروا الطاغية على الرحيل وليعيدوا كتابة تاريخ مصر والعرب فى صفحة جديدة تمتلئ بالعزة والكرامة واحترام الإنسان، شعر المصريون أن هناك ما يجمعهم وهو الإحساس بملكية الوطن واستعادة مشاعر الانتماء إليه، شعروا أنهم جميعا فى سفينة واحدة لا بد من إنقاذها قبل الغرق على أيدى هؤلاء الفاشلين وحين أنقذوها وشلوا حركة خصومهم ومنعوهم من زيادة الخرق فطن هؤلاء المخربون إلى أن توحد أهل السفينة قد منحهم قوة خارقة حولت هؤلاء إلى أقزام نُزعت عنهم أدوات البطش وأوهام القوة ولهيب القمع، كسر الناس الخوف واكتشفوا مدى ضعف وترهل هذا الجسد الشائخ والعقل المتبلد.

كانت الخطة واضحة لإجهاض الثورة عبر أربعة اتجاهات شكلت (معادلة الإجهاض) أولها: صناعة الكراهية لتمزيق الصف وتشتيت الناس، ثانيها: إعادة الخوف عبر آلة بطش دامية تجعل الناس تخشى كلفة التغيير، ثالثها: قتل الأمل ونشر الإحباط حتى تفقد الجماهير القدرة على الحلم وترضخ لبؤس الواقع وتتعايش معه، رابعها: بث مشاعر وطنية مشوهة تمجد قتل المخالفين وإرهاب المعارضين وتمجيد الاستبداد وتبريره، لذلك فأعداء الثورة والمتربصين بالديمقراطية أربعة: صناع الكراهية وأدوات القمع ومثيرى الإحباط ودعاة الوطنية المشوهة، من يريد أن يرسم طريق المستقبل لا بد من يواجه كل هؤلاء ويحجم تأثيرهم.

•••


يتهمون الثوار أنهم صنعوا الكراهية والحقيقة غير ذلك فلم يطالب الثوار إلا بتطبيق القانون وتحقيق العدالة فهل تحققت العدالة؟ هل تم عقاب القتلة؟ هل استرد الشعب ثرواته ممن نهبوها؟ اليوم يعود القتلة ليخرجوا ألسنتهم للشعب، اليوم يخرج علينا اللصوص ليتحدثون عن الشرف والأمانة، اليوم تفتح السجون أبوابها لمن طالبوا بالحرية بينما تخلو ممن وأدوا الحرية وقتلوا من طالبوا بها! أى منطق يمكننا به قراءة المشهد؟ ومن الذى يجرؤ على ادعاء أننا نسير فى الطريق الصحيح؟

•••

وصلنا لمرحلة من الصراع الواضح الذى لا يعنيه تجميل القبح ولا تزيين الإثم بل استولت عليه أوهام القوة وخرافة الإجماع وعجرفة الجهل، لذلك فالراية المرفوعة فى وجه هؤلاء يجب أن تحمل هذه الكلمات (لا للكراهية ولا للخوف ولا لليأس ولا للوطنية المشوهة).

هذا وطن يسعى كل أبنائه ولن يضيق بأحد، هذا شعب لن يعود لدولة الصمت ولن يرضاها، هذا حلم يتحدى اليأس ويواجه الإحباط، هذه أجيال لا شىء يعنيها فقده إذا فقدت حريتها وكرامتها، كل محاولات إيقاف عجلة التاريخ ستبوء بالفشل، ليس أمام الجميع سوى إدراك أن الزمان تغير وأن سنن الكون تحتم انتهاء هذه المرحلة بأفكارها الشائخة وشخوصها الذين يمثلون عقبة أمام المستقبل، سنحارب الكراهية لأنها صنيعة الاستبداد وأداته، وسينتصر المستقبل على الماضى، هذا يقين.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات