ماذا قال السوفييتى العجوز؟ - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 3:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا قال السوفييتى العجوز؟

نشر فى : السبت 29 أكتوبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 29 أكتوبر 2011 - 8:00 ص

رفضت تفسيراته فى البداية، بل كدت أعتبرها مجرد تهويمات رجل من الزمن الغابر.

لكن، بعد مغادرته، وعودتى إلى الفندق، أخذت تحليلاته تتسرب إلى عقلى، وجدت فيها الكثير من المنطق، وبدت لى وجهة نظره على درجة عالية من الوجاهة، وأنه رأى فى الفيلم معنى لم يخطر لى على بال.. كان هذا عقب عرض «إيلينا» للمخرج الروسى أندريه زفيا كنتسوف فى مهرجان أبوظبى.. جلست على أريكة بالقرب من الخليج أمام دار السينما جاء الرجل السوفييتى العجوز، عرفت أنه يعمل، منذ سنوات طويلة، فى صيانة مواتير السفن، وهو يتمتع بثقافة أدبية وفنية واسعة، فضلا عن رؤية سياسية متميزة خاصة، وتجلت فى حديثه عن «إيلينا».. الفيلم الهادئ شكلا، الصاخب جوهرا، الذى ينساب كما لو أنه منسوج على منوال أعمال تشيكوف، ولكن مضمونه يذكرنا بعنف دوستويفسكى. يبدأ بمناظر ساكنة داخل شقة مريحة فى الصباح. «إيلينا»، امرأة خمسينية قوية البنيان، تستيقظ، تجلس على حافة السرير قبل أن تتجه لسرير زوجها كى توقظه.

 

 الزوج «فلاديمير» يبدو صارما برغم الشيخوخة التى غزت ملامحه. كل منهما كان متزوجا من قبل. هو، له ابنة، تعيش على هواها بعيدا عنه. وهى، لها ابن متزوج ويعول. بالأحرى، لا يعول أسرته لأنه كسول، لا يستمر فى عمل. يعتمد على ما يأخذه من والدته. وبدورها، تعتمد على زوجها الثرى، الذى يدفع مرة، ولا يذعن غالبا.

 

تتوالى المواقف فى الفيلم الذى يكاد يخلو من الأحداث.. إيلينا، حانية على أسرة ابنها. تذهب لها حاملة زجاجات الحليب وعلب الطعام. تهدهد الطفل الرضيع وتحاول البحث عن وسيلة لتدبير مصاريف إلحاق حفيدها الخائب فى جامعة خاصة وإلا سيدخل الجيش.. حين تفاتح زوجها فى الأمر يرفض، بهدوء، رفضا باتا، ويستنكر تحاشى دخول الجيش، ويهاجم نمط الحياة الخاملة التى يعيشها ابنها. يتصاعد الخلاف بينهما، لكن الرجل يحسم الأمر حسب مفاهيمه الجادة. لاحقا، يتعرض لأزمة قلبية، يتحملها بفضل متانة بنيانه. يقرر كتابة وصيته. ممتلكاته لابنته ومعاشه لزوجته. إيلينا، تخفى غضبها. وبلا تردد ــ وهى الممرضة أصلا ــ تعطيه جرعة كبيرة من دواء يودى بحياته. تستولى على رزم النقود التى يحتفظ بها. تمزق مسودة الوصية، وتتصاعد موسيقى تجمع بين التوتر والنذير وكأن حادثا مهولا سيقع. لكن المفاجأة أن الفيلم، بوقائعه، وشخصياته، وعلاقاته، ينساب فى هدوء. أسرة ابن الزوجة، تترك شقتها الضيقة وتنتقل لتعيش مع الأم فى رحاب شقة زوجها المغدور. وها هى الكاميرا، خارج الشقة، تتابع من خلال زجاج شرفة، أفراد الأسرة التى تعيش فى وئام.

 

الفيلم مؤثر، محير، يدفع للتفكير فى أكثر من اتجاه، ويتحمل تحليلات عدة، ومنها تفسير ذلك الرجل السبعينى الذى جلس على الأريكة بجوارى، وقال: «إيلينا» فيلم سياسى بامتياز. يتحدث على نحو شفاف، غير مباشر، فى جريمة القضاء على الاتحاد السوفييتى ممثلا فى ذلك الرجل الصلب، الجاد، الثرى، الذى توطأت الظروف ضده، بما فى ذلك جيل عابث، مفتون بالحياة الناعمة، منصرفا عن مسئولياته تجاه الذات، وتجاه الوطن ممثلا فى الجيش، يكاد يعيش على ميراث لم يسهم فى صنعه.. أعترف: وجدت فى كلام الرجل قبسا من الحقيقة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات