سينما الثأر.. عطور الجزائر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 11:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سينما الثأر.. عطور الجزائر

نشر فى : السبت 27 أكتوبر 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 27 أكتوبر 2012 - 1:09 م

كأن السينما المغاربية أرادت تصفية حسابها مع قوى الإرهاب التى اغتالت العديد من الفنانين، معنويا وجسديا، فإلى جانب «مانموتشى» للتونسى نورى بوزيد، يقبع رشيد بن حاج، الجزائرى، بفيلمه «عطور الجزائر»، ثم المغربى محسن نصرى، صاحب «المغضوب عليهم»، الذى يعالج قضيته الشائكة، بقدر كبير من الشفافية ورحابة الأفق: فرقة مسرحية يتم اختطافها، من قبل مجموعة إرهابية، بناء على أوامر أميرها. وخلال أيام الاعتقال يكتشف كل طرف ما يماثله عند الطرف الآخر، وبالتالى تخفت روح العداء.

 

على النقيض من هذا التوجه الإنسانى، يأتى «عطور الجزائر» مدججا بشحنة كراهية، تتفجر لتصيب، من دون تمييز  الأبرياء والجناة. كاتب السيناريو، المخرج، رشيد بلحاج، حقق من قبل «زهرة الرمال»، «شجرة الأقدار»، «الخبز الحافى».. وهو، فى هذه المرة، يعود إلى سنوات «العشرية السوداء»، أو «العشرية الدامية» التى عاشتها الجزائر فى التسعينيات، حيث المذابح الهوجاء، المتبادلة، بين قوى تتصارع بجنون، على السلطة.. الفيلم، من وجهة نظر «كريمة» ــ بأداء الإيطالية مونيكا جريتورى ــ وذكرياتها التى تتخلل الحاضر، عن طريق الفلاش باكات.. هى، غادرت الجزائر منذ عقدين، بعد ان ضاقت ذرعا ببلادها، خاصة والدها، المتحجر القلب، الذى تكن له مقتا شديدا. فى باريس تغدو مصورة فوتوغرافية شهيرة. رسائل والدتها الصوتية، التى تركها على الهاتف، بصوتها المتهدج بالرجاء، المؤثر، يجعلها تقرر العودة إلى الجزائر ــ مؤقتا ــ لتساعد أسرتها فى الخروج من مأزق الشقيق المعتقل، الذى أصبح أمير الجماعة، ووالدها، طريح سرير بحجرة عناية مركزة، إثر إصابته بجلطة.. مصور الفيلم القدير، الإيطالى، فيتوريو استورارو، الحاصل على الأوسكار ثلاث مرات، عن «الحمر»، «الامبراطور الأخير»، «القيامة الآن»، صاحب مقولة «التصوير ــ كتابة بالضوء»، ولعل صورة الجزائر، بحدائقها متعددة الطوابق، وتجمعاتها البشرية، وقلعة المحكوم عليهم، تكتسب حضورا قويا، خلال عدسته..لكن يبقى جوهر  الفيلم ومضمونه.

 

«كريمة» تفاجأ ليلا بأصوات إطلاق رصاص وانفجار مفرقعات، تعرف من والدتها أن الإرهابيين هاجموا منطقة قريبة، ثم زغاريد نساء، إعلانا أن الغارة انتهت.. تتذكر شقيقها الرقيق، أيام الطفولة، مع شقيقتها الصغرى، «وسامية» ابنة أحد المجاهدين ضد الفرنسيين، استشهد على صدر والدها الذى أوصاه برعايتها.. وفى موقف من أبشع ما يمكن أن تقدمه السينما، يقوم الأب، المجاهد سابقا، باغتصاب ابنة زميله، ويسلم ابنته الصغرى، إلى إعرابى فى الصحراء، خوفا من افتضاح أمره. وبينما تغادر «كريمة» البلاد، يتزوج شقيقها من المعتدى عليها، رحمة بها. ومع الأيام، تنتقب الزوجة ويغدو الشقيق منخرطا فى الإرهاب.. ربما يقال ان الاغتصاب مجرد رمز لنزعة هيمنة جيل على جيل، ولكن غلظة الحدث وما  ترتب عليه من مواقف، يثبت أن بلحاج، يراه واقعيا ورمزيا فى آن.. أيا ما كان الأمر، فإن القول الفصل نجده فى تلك الجملة التى كتبتها الشاعرة الجزائرية، حبيبة العلوى، وتصف فيها حادثة الاغتصاب بأنها «جد مبتذلة فى التناول الأدبى والفنى لتاريخ الجزائر».

 

طبعا، من حق بلحاج نقد قدامى المجاهدين، لكن تشويههم على هذا النحو يصب فى طاحونة البكاء على أيام الاستعمار اللذيذة، وما يؤكد هذا شخصيةسائق سيارة الأجرة التى تحمل «كريمة» و«سامية» ووليدها، حيث لا يتوقف السائق العجوز، المرح، عن غناء مقاطع من أوبرات فرنسية، بصوت صداح، لأنه كان يعمل فراشا فى دار أوبرا، تركت آثارا متحضرة فى روحه.أما عن الجماعات المتطرفة، فإن الفيلم يقدمها بذات التنميط المتكرر، يجسدها الشقيق المعتقل، الذى يرفض التوقيع، فى البداية، على اتفاق «الوئام الوطنى»، ثم، بعد إلحاح «كريمة»، يوقع، وقد بيت النية على مواصلة حربه ضد «أعداء الله».. ولاحقا، فى طريق عودة «كريمة» مع «سامية» إلى بيتهما عقب زيارة «مراد»، تنطلق رصاصات لتصيب «سامية» فى ظهرها.. وبهذا يكون بلحاج قد ودع الجميع باللعنات، كما لو أنه يثأر من الماضى والحاضر، وان أضاء بصيصا من الأمل، فى جيل جديد، تمثله إحدى قريبات «كريمة»، تقنع المصورة القادمة من باريس، بالانضمام إلى مظاهرة نسائية ضد تغييب المرأة.. تساءل الكاتب الجزائرى رشدى رضوان «هل يمكن القول ان رشيد بلحاج جرح أصبعه من آخر وردة قطفها فى حديقة عطور الجزائر».. الإجابة تأتيه وتأتيه من قلب الفيلم: نعم.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات