أوكرديون ينقذ ليلة افتتاح المهرجان - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوكرديون ينقذ ليلة افتتاح المهرجان

نشر فى : الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 10:35 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 12:28 م

 مهرجانات الخليج السينمائية لم تعد قاصرة على عرض الأفلام وتنظيم المسابقات وتوزيع الجوائز، ولكن تحولت إلى مؤسسات إنتاجية وتعليمية، فالواضح أن المسئولين قرروا الدخول إلى المستقبل السينمائى بتكوين وإنماء قدرات أبناء الخليج، ودعمهم بالسبل كافة، لذا أفردت مسابقة خاصة للأفلام الخليجية، الفائز فيها لا يحصل على جائزة مالية وحسب، بل تتاح له فرصة استكمال أدواته بإرساله إلى المراكز التعليمية فى أوروبا وأمريكا، فضلا عن تنظيم دورات تدريبية، يحاضر فيها أساتذة فن السينما فى العالم.

وبهدف جعل الخليج، و«أبوظبى» بالتحديد، مركـــــــــزا سينمائـيــــا مرموقا، جاء إنشاء «صناديق تمويل الإنتاج» التى تشجع الكتاب الجدد والمخرجين وشركات الإنتاج، وذلك بتوفير منح مالية لتطوير الأفلام القصيرة والارتقاء بمستواها كى تكون صالحة للعرض فى القنوات التليفزيونية والمشاركة فى المهرجانات الدولية، ويشترط على المتقدمين لنيل هذه المنح «أن يكونوا إماراتيى الجنسية أو من مواطنى دول مجلس التعاون الخليجى أو من المقيمين فى الإمارات العربية لمدة لا تقل عن العام الواحد».

تمتد اهتمامات مهرجان أبوظبى إلى صناع السينما، خارج دول الخليج، وذلك بدعم الأفلام فى أصعب مراحل الإنتاج، المتمثلة فى بداية مشروع الفيلم، وعند تشطيبه.. وإذا تابعت بقية الأنشطة التى يقوم بها المهرجان، مع «لجنة أبوظبى للأفلام» ستكتشف أنه أقرب ما يكون لوزارة ثقافة، مضافا إليها شيئا من الصناعة، وشيئا من التجارة. ولكن ثمة مشكلات ومآخذ سأحدثك عنها فى مقال لاحق.

الافتتاح.. والختام

عرض فى المهرجان أكثر من سبعين فيلما ما بين طويل وقصير، روائى وتسجيلى، جديد وقديم لا يزال جديدا، مثل «المومياء» لشادى عبدالسلام و«اليازرلى» لقيس الزبيدى. بعضها على درجة رفيعة من النضج الفكرى ويتسم بقوة العواطف، فضلا عن المستوى الفنى المتميز.. وطبعا، ثمة المتواضع، الذى تسلل إلى المهرجان لمجرد كونه لم يعرض من قبل.. فتحت شعار «العرض العالمى الأول» المبهر ــ الذى لا يعنى عندى شيئا ــ جاء فيلما الافتتاح والختام: «سكرتاريا»، عنوان فيلم الليلة الأولى، وهو اسم حصان أمريكى شهير، حقق انتصارات كبيرة فى ميادين السباق، ومثل معظم أفلام الرياضة، يأتى الفوز بعد الفشل، الفوز هنا ليس للحصان وحده، ولكن لصاحبته، ربما فى المرتبة الأولى، فهى ذات إرادة من فولاذ، ترفض فى البداية بيع «اسطبل» والدها الغارق فى الديون، تراهن على فوز «سكرتاريا» فى سباق مهم. لكن الحصان يخذلها، وتبدو هذه الخيبة كما لو أنها ستغلق أبواب الأمل أمام صاحبة الاسطبل التى تؤدى دورها ديان لاين. الآخرون يحاولون تثبيط عزيمتها، إلا أنها تتمسك بحلمها، يساعدها فى مسعاها مدرب كفؤ، غريب الأطوار، انفعالاته لا تظهر على وجهه، يضع قبعة متنافرة الألوان على رأسه، يؤدى دوره الممثل الكبير جون ماكلوفيتش، وبعد معالجة الحصان من خراج فى فمه لم ينتبه له أحد، تتوالى ثلاثة انتصارات فى فترة زمنية قصيرة، فى إنجاز غير مسبوق، مما جعل «سكرتاريا» نجما لامعا فى تاريخ الجياد. المخرج، راندل ولس، استعان بوسائل التشويق المعروفة فى مثل هذه الأفلام: التركيز أحيانا على عينى الحصان، أقدام الخيول المنطلقة، موسيقى أقرب للمارشات العسكرية، صوت المعلق المتحمس الذى يصف السباق وكأنه معركة حربية، صخب صيحات الجمهور الصاخب.. لكن مع تكرار متابعة المسابقات، بذات المفردات، وعلى ذات المنوال، جعل المتابع يحس بالملل إن لم يكن الضجر. «سكرتايا»، بعيدا عن البروبجندا، فيلم تجارى عادى.

«أوكرديون»، الفيلم القصير الذى لا يتجاوز الثمانى دقائق، أضاء بفكرته، وبساطته، ومشاعره، ليلة الافتتاح. أخرجه الإيرانى الموهوب، المقموع فى بلاده، جعفر باناهى. الفيلم ينتمى إلى ما يطلق عليه «الواقعية المتفائلة» التى ترى أن طاقة التعاطف والتسامح والتفهم، من الممكن أن تخفف من قسوة الواقع: فتى أعرج، يعزف على «الأوكرديون»، شقيقته الأصغر منه تضرب على الطبلة، يتسولان بالقرب من مسجد. رجل يؤنبهما على اختيار المكان وينتزع «الأوكرديون» ويجرى بعيدا. الفتى يحاول اللحاق به، ممسكا بحجر فى يده. يتابعه فى حوارى سوق، ولا يفوت باناهى أن يرصد عناء شيالين يحملون أجولة كبيرة، ثقيلة، ينوءون تحتها. أخيرا يرى الفتى الخاطف عند حافة نافورة يحاول، بلا جدوى، العزف على الآلة. مظاهر التعاسة بادية على وجهه المحبط، الفتاة تحاول إقناع شقيقها أن الرجل، فى النهاية، جائع ومسكين. الاثنان يقتربان منه. الفتى يأخذ «الأوكرديون» ويعزف عليه وشقيقته تضرب الطبلة والرجل، بمظهره المثير للشفقة، يمسك الوعاء الصغير لجمع حسنات المحسنين. تتراجع الكاميرا فيبدو الثلاثة كأسرة واحدة.. فيلم جميل، يقول جملة مفيدة.

أما فيلم الختام، الذى عرض عقب الإعلان المترهل عن الجوائز، فإنه، حقيقة، مجرد استعراض سقيم، لقدرات السينما الصينية فى صنع أفلام عنف تستعين بالجرافيك، والمؤثرات الصوتية العالمية، والديكورات الغرائبية، وتغرق فى الدم، يتفجر من الرقاب والعيون، وتنهمر الصراعات بالسيوف والخناجر والسهام والكرابيج وكتل الخشب الضخمة، وتنتقل من القصور إلى البحار إلى الدهاليز إلى الفضاء إلى الغابات إلى الصحراء. مع ماكياجات تضفى غموضا على شخصيات تتنازع على العرش، بالإضافة لسلاحف نارية، ووحوش تخرج اللهب من أفواهها. عنوان الفيلم «المفتش دى.. وسر الشعلة الوهمية» للمخرج تشووى هارك.. ويمكنك تغيير العنوان بـ«حمام دم».. معظم المشاهدين غادروا صالة العرض، بعد قليل من بداية الفيلم.

عن الأفلام

إذا كان كل فيلم جاد، يقول جملة مفيدة، فإن مجموع الأفلام، فى هذا المهرجان أو ذاك من الممكن أن تكون فقرة تبلور المزاج العام، وتعبر عن اهتمامات وهموم وأشواق بلدان متباعدة، يربط بينها وشائج تجعلها أقرب إلى بعضها بعضا، وتبين فهما مشتركا للحياة.. هنا، فى الكثير من الأفلام، يختفى الشرير التقليدى الذى ظل لفترات طويلة، طرفا لا غنى عنه على شاشة السينما. هنا، لم يظهر مهرب المخدرات، أو العاشق المخادع، أو رجل العصابات المخادع، أو لص الخزائن، أو القاتل المهووس، أو المزور، أو المتآمر، أو المتاجر فى الأعراض.. إذن، فأين الشر؟

الإجابة تأتيك من قلب الأفلام. ربما متنوعة الأشكال، لكن جوهرها واحد: الشر، يكمن فى السلطات الرسمية، يجتمع فيها كل مواصفات الشر التقليدى، ولكن على نحو أشد إيغالا وبطشا، وتبدو الأفلام، على التوالى، كما لو أنها هجائية طويلة، مفعمة بالكراهية، لسلطات غادرة، ذات أنيات ومخالب، لا تعرف الرحمة.. خذ، الأمثلة التالية:

«لعبة عادلة» للمخرج الأمريكى دوج لايمن، يعتمد على وقائع ــ أو فضائح ــ حقيقية، تتعلق بعملية الاستخبارات الأمريكية السرية، فاليرى بلايم، تؤدى دورها «ناومى واتس». فاليرى، الضابط السرى، تقود فريقا للتحقق من وجود أسلحة دمار شامل فى العراق، تمهيدا لغزوه، فضلا عن إثبات صحة صفقة شراء العراق «يورانيوم» مخصبا من النيجر. زوج فاليرى، جو ويلسن، بأداء «شون بن»، صاحب الضمير اليقظ، يكتب مقاله فى «نيويورك تايمز» يفضح فيه الأمر. المسئولون الكبار فى البيت الأبيض يغضبون، يكشفون هوية فاليرى السرية بتسريب طبيعة عملها السرى، وتتوالى التحقيقات مع زوجها. وتكاد السلطات الأمريكية تنجح فى تحطيم أعصاب فاليرى التى تظهر، بشخصيتها الحقيقية، فى نهاية الفيلم، وهى تدلى بقصة التدليس والأكاذيب التى مهدت لغزو العراق.

وإذا كان «لعبة عادلة» يؤكد دور الموساد فى اغتيال علماء العراق، فإن «ميرال» لجوليان شنابل، المقتبس عن رواية الفلسطينية رولا جبريل، يبين بجلاء، وحشية السلطات الإسرائيلية فى تعاملها مع الفلسطينيين.

تمتد الهجائيات لتشمل السلطات العربية. فى «كارلوس» لأوليفيه أساياس، الذى يحتاج لوقفة تفصيلية، تتعامل حكومات العراق واليمن وسوريا وليبيا مع كارلوس، وأخيرا.. بعد انتهاء دوره تتخلى عنه السلطات جميعا، وتقوم حكومة السودان بتسليمه لفرنسا، وتتخلص منه كما لو أنه ورقة «كلينكس» جرى استخدامها.

الفيلمان الأشد قسوة هما «الحفرة» للصينى وانج بنج، و«لا تتخل عنى» للأمريكى مارك دومانك. «الحفرة» يعود للعام 1960، أيام «الثورة الثقافية» أو «القفزة الكبرى للأمام».. السلطات الصينية تزج بثلاثة آلاف معتقل فى معسكر لا يتسع إلا لخمسين شخصا. الكثير منهم لقوا حتفهم جراء شمس الصحراء القاتلة، وتفشى الأمراض، والعطش، ولعل من أعمق المشاهد إيلاما، فى أفلام المهرجان، ذلك المشهد الذى يتقيأ فيه رجل، ويأتى آخر، ليلعق القىء.. هكذا: السلطة تصحح أخلاقيات ذوى الميول البرجوازية.

أما «لا تتخل عنى» فإنه يثير التأمل طويلا، يدور فى مدرسة بريطانية معزولة، لا علاقة لها بالعالم الخارجى، تلامذتها ممن لا أهل لهم. تديرها بصرامة الناظرة، شارلوت رامبلينج، ذات الشخصية الطاغية. إنها السلطة المطلقة. لاحقا، نعرف أن التلاميذ يتم تجهيزهم لاستخدام أعضاء أجسامهم كقطع غيار.. يكبر التلاميذ، وفعلا، نرى الأجسام وقد انتزعت منها أعضاء، وداخل المستشفى يجرى تجهيز «المتطوعين» لمزيد من نزع الأعضاء. الغريب، أن «المتطوعين» يدركون تماما أنهم فى الطريق نحو الموت، ومع هذا لا يثورون ولا يهربون. فهل يريد «لا تتخل عنى» مجرد هجاء السلطة المطلقة، أم يبرز مأساة السيطرة على العقل والوجدان، أم ينبه إلى مغبة الاستسلام للسلطة التى تنتزع أعضاء من تطوله، عضوا عضوا.

أيا ما كان التفسير، فإنه مجرد بيت فى قصيدة طويلة، مكونة من عشرات الأفلام، تكره السلطة وتهجوها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات