أزمة تيريزا ماي أم أزمة بريطانيا؟ - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة تيريزا ماي أم أزمة بريطانيا؟

نشر فى : الإثنين 27 مايو 2019 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 27 مايو 2019 - 9:55 م

فى خطوة استباقية ولتفادى الإطاحة بها من قبل أعضاء حزبها، وبعد سلسلة من الإخفاقات المتوالية، أعلنت تيريزا ماى، رئيسة الوزراء البريطانية، يوم الجمعة ٢٤ مايو الماضى عن نيتها تقديم استقالتها يوم ٧ يونيو القادم. هذا، وقد عزت معظم التعليقات هذه الاستقالة إلى أداء ماى المتواضع وعجزها عن إدارة ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى والمعروف باسم بريكست. فهل كانت هذه الاستقالة فعلا نتيجة لسوء أداء ماى؟ أم أن هناك أسبابا أخرى مرتبطة بالأزمة السياسية التى تعيشها البلاد منذ إعلان نتيجة الاستفتاء الخاص بالبريكست، وأيا كانت شخصية رئيس الوزراء الحالى أو القادم؟

بداية، كان التحدى الأول الذى واجه ماى هو انقسام حزب المحافظين الذى ترؤسه على نفسه، بين مؤيد للبقاء داخل الاتحاد الأوروبى مثل سلفها ديفيد كاميرون، وبين مؤيد للخروج مثل بوريس جونسون الذى تولى منصب وزير الخارجية قبل أن يستقيل بعد ذلك. ولكن هذا الانقسام لم يكن الانقسام الوحيد، فقد كان فريق المؤيدين للخروج، ورغم ما يتمتع به من أغلبية، يعانى بدوره أيضا من انقسام حاد بين دعاة ما يسمى بالخروج الخشن ودعاة الخروج الناعم. وهو ما يحتاج إلى شرح هنا.

نبدأ أولا بدعاة الخروج الناعم؛ وهم الذين يؤيدون عقد اتفاق ينظم عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وينظم العلاقة المستقبلية بينهما. ولذلك فهم على استعداد للقبول ببعض الارتباطات المؤقتة مثل الاستمرار فى السوق الأوروبية الموحدة أو الاتحاد الجمركى، ولكن فى ظل شروط تضعها لندن وبعد استبعاد كل ما يرفضه المجتمع الإنجليزى مثل حرية الحركة التى جلبت العمالة الأجنبية وخاصة من أوروبا الشرقية إلى بلادهم. ويذهب أنصار هذا الفريق إلى أن بريطانيا وحدها تستطيع المنافسة فى السوق الدولية بضرائب أقل وقوانين أكثر سماحة وأقل قيودا عن تلك التى تضعها بروكسل. ولذلك فهم يؤيدون الخروج من الاتحاد ولكن بشروطهم هم، ويعتقدون بإمكانية ذلك.

أما دعاة الخروج الخشن، فهم الذين يدعون إلى الخروج من الاتحاد الأوربى دون وجود اتفاق، تطبيقا لدعاوى الانفصال التام عن الاتحاد الأوروبى وقطع كل الصلات والعلاقات مع بروكسل. هؤلاء يعارضون أى ارتباطات تلزمهم بأعباء مالية أو وجود عمالة أجنبية تنافس العمالة البريطانية، اعتقادا منهم بأن الاتحاد الأوروبى كان هو المستفيد الأكبر من العلاقة بينهما. وقد دعم هذا الاتجاه ما قيل فى خضم الحملة الانتخابية من أنه فى حالة خروج بريطانيا فإن الخزينة البريطانية ستوفر ٣٥٠ مليون جنيه إسترلينى أسبوعيا يمكن استغلالها فى حل أزمة الرعاية الصحية. وهو ما ثبت عدم صحته بعد ذلك وتنصل منه دعاة الخروج، بل وأصبح على بريطانيا أن تدفع تكاليف خروجها والتى قدرت بنحو ٤٠ إلى ٥٠ مليار جنيه إسترلينى.

وفى ظل هذه الأجواء والانقسامات، توصلت تيريزا ماى فى نوفمبر ٢٠١٨ إلى اتفاق مع بروكسل من ٥٨٥ صفحة ينص فى جوهره على فترة انتقالية لمدة عامين تتضمن بقاء المملكة المتحدة فى الاتحاد الجمركى إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائى. وهو ما كان يعنى عمليا التزام بريطانيا بالاتفاقيات الموجودة وما تفرضه من قواعد أو قيود دون أن يكون لها صوت، وأنه فى حالة عدم التوصل إلى اتفاق بعد عامين يتم تطبيق قواعد منظمة التجارة الحرة بينهما. وبمعنى أوضح، فإن اتفاق تيريزا ماى هذا كان يعنى اتفاقية تجارة حرة مع بروكسل تحتفظ لندن بموجبها بحرية انتقال السلع وليس الأفراد (الخدمات ورأس المال قد تكون محل تفاوض)، وهو ما كان يلبى إلى حد معين تطلعات فريق الخروج الناعم.

إلا أن ذلك كان يعنى أيضا البقاء مؤقتا فى الاتحاد الجمركى والسوق الموحدة حتى ٢٠٢١، مع ما يفرضه ذلك من الالتزام بقيود وقوانين بروكسل دون المشاركة فى اتخاذ القرارات. هذا فضلا عن عدم القدرة على الدخول فى مفاوضات وعقد اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، وهو أحد الأهداف الرئيسية لدعوة الخروج من الاتحاد الأوروبى، فضلا عن التخوف من أن يتحول هذا الوضع المؤقت الذى تم التوصل إليه إلى وضع دائم. لذلك رفضه الكثير من دعاة البريكست، وعلى رأسهم بوريس جونسون وزير الخارجية، الذى استقال احتجاجا على هذا الاتفاق قائلا إن الخروج دون اتفاق أفضل من الخروج باتفاق سيئ. وهو ما دعم من مركز دعاة الخروج الخشن. وقد زاد الوضع تدهورا لحزب المحافظين حين خسر ربع المقاعد التى كان يحتفظ بها ــ ١٣٣٤ مقعدا ــ فى الانتخابات المحلية الأخيرة لصالح الأحزاب الصغيرة.

وفى محاولة يائسة وأخيرة لاستمالة بعض أعضاء حزب العمال لصفها بعد ثلاث محاولات فاشلة للحصول على تأييد مجلس النواب لاتفاقها المقترح مع الاتحاد الأوروبى، وبعد مد الأجل للتوصل إلى اتفاق من مارس الماضى إلى أكتوبر القادم، قدمت تيريزا ماى مقترحها الأخير؛ وهو الاقتراح الذى تتعهد فيه ماى بإجراء استفتاء على الاتفاق المقترح، فإما تكون النتيجة الموافقة على اتفاق ماى كما هو، أو البقاء داخل الاتحاد الأوروبى. وهو ما يعنى عمليا استفتاء ثان على بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى والذى عده أنصار البريكست فى حزبها التفافا على الاستفتاء الأصلى وخروجا عن نتائجه. هذا فضلا عن أنه لم يلق القبول من أعضاء حزب العمال أو حتى أنصار البقاء من داخل حزبها، وحتى شريكها الأصغر فى الحكومة (الحزب الاتحادى الديمقراطى الأيرلندى الشمالى) أعلن أنه لن يؤيدها.

ومع تنامى المعارضة بشكل غير مسبوق والتهديد بتغيير نظام الحزب الداخلى بما يسمح بالإطاحة بها، لم يعد السؤال هل ستنجح ماى وتحصل على التأييد المطلوب فى التصويت للمرة الرابعة والذى كان مقررا له الأسبوع الأول من يونيو القادم، ولكن أصبح السؤال متى تستقيل وترحل؟ خاصة وأنها قد سبق وأن ألمحت إلى رحيلها فى حالة فشلها. وهو ما رضخت له تيريزا ماى فى النهاية وأعلنت عن تنحيها.

المرشح الأوفر حظا حتى الآن هو بوريس جونسون، وسواء كان المقبل هو أو غيره، فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق مع بروكسل تتضاءل حتى تكاد تكون منعدمة، وأصبح المرجح هو خروج بريطانيا دون اتفاق. ورغم أن ذلك قد يعد انتصارا لدعاة الخروج الخشن، إلا أنه يحمل فى طياته الكثير من المخاطر والتبعات، وبه تدخل بريطانيا فى سلسلة من التعقيدات والقضايا الدولية مع الاتحاد الأوروبى، ناهيك عن ارتباك حركة التجارة بينهما وغموض مصير أوضاع مليونى بريطانى يقيمون فى دول الاتحاد الأوروبى المختلفة و٣ ملايين من أوروبا الشرقية يقيمون فى المملكة المتحدة، وغيرها من الملفات والقضايا، فضلا عن انعكاس كل ذلك على الأوضاع الداخلية فى بريطانيا ذاتها، وبما قد يفضى فى النهاية إلى إجراء انتخابات جديدة والدخول فى نفق جديد لا يعلم أحد متى أو أين سينتهى.

التعليقات