جريدة المغرب ــ تونس هجرة المرأة.. محاولة فهم - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جريدة المغرب ــ تونس هجرة المرأة.. محاولة فهم

نشر فى : الأربعاء 26 أكتوبر 2022 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 أكتوبر 2022 - 9:40 ص

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، تحدثت فيه عن قضية الهجرة غير الشرعية للمرأة (شابة ــ أم ــ أرملة ــ مطلقة)، وكيف يواجهن عنفا لفظيا واتهامات أخلاقية لا يواجهها أقرانهن من الذكور رغم أن الأنظمة السياسية سحقتهن كالذكور بل هن يواجهن ظلما مضاعفا؛ جندريا واجتماعيا.. نعرض من المقال ما يلى.
يعود اهتمامنا بعلاقة النساء بالهجرة اللا نظامية إلى أكثر من عشرية من الزمن حين قرأنا «نساء الريح» للروائية السورية ــ الليبية رزان المغربى ولكنّنا نرجع مرّة أخرى، إلى الموضوع لنتوقّف عند فئة من الأمّهات اللواتى شددن الرحال إلى بلاد تُتمثّل على أنّها الملاذ الآمن. وفى التركيز على هذه الفئة بالذات إشارة إلى الفروق بين النساء وتعدّد تجارب الأمومة، وتنبيه إلى أنّ الهويات تتغيّر بتغيّر السياقات وأنّ الدوافع تتنوّع جندريا ما يفرض تجديد المقاربات وطرائق التحليل.
فبعد أن ظلّت «الحرقة» ذكورية بامتياز ومرتبطة بالشباب ثمّ الكهول صارت اليوم مسلكا يستهوى الجميع والحلّ الأوحد لمن فقد الأمل أو الصبر أو سحقته الأنظمة السياسية والاجتماعية والجندرية والدينية والأخلاقية.. لذا تتضاعف اليوم أعداد النساء والشابات الملتحقات بـ«قوارب الموت» وترتفع نسبة الأمّهات المصحوبات بأطفالهن.
وما يسترعى الانتباه فى رود فعل عدد من «المحلّلين» وروّاد «الفيسبوك» هو العنف اللفظى الممارس ضدّ الأمّهات الذى يصل إلى حدّ تأثيمهن وتجريدهن من صفة الأمومة. وفى المقابل يُعامل الآباء بطريقة أقلّ قسوة بل قد تُوفّر لهم المبرّرات وتُشرعن قراراتهم وأفعالهم. ثمّ إنّ ما يلفت الانتباه فى التفاعل مع هذا الموضوع لا التعاطف المناسباتى «الحماسى» الذى سرعان ما يتوقّف بعد أرشفة الخبر بل ميل القوم إلى إصدار الأحكام الأخلاقية والاجتماعية، خاصّة على الأمّهات العازبات أو الأرامل والمطلقات لأنّهن لم يكن ضحايا وتابعات لأزواج قرّروا الهجرة بل هنّ نساء حَلمن ومارسن حقّهن فى الاختيار وفى حرية التنقل فدبّرن وخطّطن وأقدمن على «الحرقة» بعد أن «احترقت» أعصابهن.
وبالرغم من كلّ هذه التحوّلات لا يزال أغلبهم وأغلبهن يعتبر النساء موضوعا للبحث ويسمح لنفسه/لنفسها بأن يصادر حقّهن فى التعبير عن تجاربهن ومعاناتهن. ولكن تأتينا اليوم، بعض الردود فى شكل تدوينات على «الفيسبوك» أو شهادات لتثبت لنا أنّ الأمّ العزباء المتحصّلة على شهادة عليا فى القانون قادرة على امتلاك الصوت وشرح الأسباب. تقول إحداهن: «أنا أمّ ولدى ابن فى العام الثانى من عمره حين قررت الهرب من ذلك الخراب الذى يدعى «وطن» فى مركب صيد صغير عابر للبحار «خلسة». الرحلة دامت ست عشرة ساعة كاملة.. نجحنا فى الهرب من «الوطن» الذى لا ينتمى إلينا من الأساس ولا يعرفنا رغم أننا بذلنا السنين الطوال فى محاولة لفت انتباهه.. أنا التى أنشدت مرارا «هلموا هلموا لمجد الزمن» خلال سنوات التعليم الطوال لم أجد زمانا مجيدا فى بلد اللصوص والمختلين أخلاقيا وإنسانيا فقررت ألا ينشد ابنى نشيدا كاذبا وأن لا يمارس اليأس فى عباءة الانتظار، حملته بين ذراعى وأقفلت على ذلك الصوت الذى ينادينى من الداخل قائلا: «ماذا لو غرق ابنك أمام عينيك فى البحر، ماذا لو هبت العاصفة وتحطمت المغامرة لتحل الفاجعة، ماذا لو قالت الصحافة والأخبار والمنظمات وحرس الحدود وشرطة الأخلاق والأمهات الصالحات العاقلات والأصدقاء والأعداء والمحللون والسياسيون والمهربون بأنك قتلت ابنك وعرَّضت حياته للخطر ووزعوا الصور والتعازى والأقاويل والأحكام والسخافات والولاويل الكاذبة «لكننا نجونا من الموت ومن «الوطن» معا وفى آن واحد».
هذه الفئة من الأمّهات العازبات «الحارقات» صرن اليوم مرئيات وفاعلات وصاحبات قول وقادرات على إرباك التمثلات الاجتماعية والصور النمطية التى تقرنهن بالضعف والخوف والجبن والقصور.. وهنّ إذ يكتبن لا يعبّرن عن معاناتهن ووجعهن ومقاومتهن وصمودهن بقدر ما يتحرّرن من الخوف والإكراهات فيمارسن المواجهة: مواجهة مختلف الأنظمة والمؤسسات وتعرية الرياء والنفاق الذى تمارسه مختلف الجهات بما فيها المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية والأحزاب و...
ولكن لا زالت «الحارقات» غير مؤثرات لأنّهن لسن «صانعات محتوى» ولا كرونيكورات فاتنات... ولأنّ الرئيس لا يصغى ولا يرى ويصعب عليه أن يتعاطف مع من أنجبت خارج «مؤسسة الزواج» وفرّت بعد 25 يوليو المبارك. ولا يختلف الحال بالنسبة إلى رئيسة الحكومة التى تؤثر الصمت أو وزيرة المرأة التى تغضّ الطرف أو وزير الشئون الاجتماعية الذى لا يحرّك ساكنا. الكلّ مطالب بالتأمّل فى كيفية تغيّر علاقة التونسيين بالبحر والبحث عن الدلالات والمعانى والرموز.. كيف انتقلنا من الرومانسية إلى العبثية والعدمية و...
وعندما يتمأسس العنف ويغدو ظاهرة مركّبة ومعقّدة يبقى البحر الملاذ الأخير بالنسبة إلى «الحارقين/الحارقات» وكذلك ملاذ الحكومة التى تنصّلت من المسئولية فلم تفهم التقاطع بين مختلف بنى الهيمنة وبين صلة العنف المنزلى وكل أشكال العنف ضدّ النساء والقمع البوليسى والفساد والفقر والبطالة واللا استقرار السياسى.. بـ«الحرقة».

التعليقات