فقه العلاقات الدولية سلطة إعلان الحرب (3) - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية سلطة إعلان الحرب (3)

نشر فى : الجمعة 26 أكتوبر 2012 - 9:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 أكتوبر 2012 - 9:25 ص

(1)

 

الحرب باعتبارها الحل المكروه للأزمات، ليست نزهة، ولا سلوكا معتادا يترك قرار إعلانها إلى رئيس الدولة سواء كان هذا الرئيس «أحد الراشدين» (رض) أو «الخليفة» أو «أمير المؤمنين» أو «رئيس» أو «ملك»، أقول ذلك رغبة فى إثراء الفكر السياسى الإسلامى وتخليصه من كثير من «القراءات المتعجلة» و«القراءات المقلدة» والمفاهيم المقتطعة من سياقها القرآنى أو من سياق «البلاغ النبوى»، فكل هذه القراءات و«المقتطعات» لا تعبر عن القرآن وصحيح السنة النبوية، وأبدأ فى عرض ما أراه.

 

(2)

 

من الإشكالات المثارة فى الدراسات الفقهية ذلك الخلط الشديد بين عدة مفاهيم متغايرة، لكنها تشكل جميعا «مصطلحا واحدا» هو مصطلح «الحاكم» والحقوا به مصطلحات «الشارع» و«المشرع» و«ولى الأمر» ولهذا حدث تداخل بين اصطلاحات زعموا لها الترادف، لكن هذه الأقوال بحاجة إلى تحرير وتدقيق لانهاء فوضى المصطلحات التى قسمت الأمة إلى فرق ومذاهب وأحزاب ينكر بعضها بعضا، بداية من الخوارج والمعتزلة، مرورا بأطياف التشيع، وانتهاء بالفقه السنى.

 

(3)

 

فقول البعض إن «الحاكم» هو «المشرع» هو «الله». قول يعبر عن بعض الحقيقة وليس كلها، فالمسلم يؤمن بأن الله سبحانه لم يترك الناس عالة دون هداية تضمن منع الخطأ والتأهيل للصواب، وتلك هى «هداية التأسيس» أو الاحكام الأساسية الضامنة لاستبعاد الفساد، والشروع فى الإصلاح، وهذا المستوى التأسيسى هو مستوى (الحكم الإلهى) العام المحدد للأصول العامة لحركة الحياة التى يسميها الفقه المعاصر «التعايش السلمى، وحقوق الإنسان وكرامته، هذا هو حكم الله» الحاكم الحكيم الأعلى رب العزة»، وليس لبشر مهما كانت صلاحياته أن يتجاوزها أو يتضاد معها أو يعطلها.

 

(4)

 

أما منصب «الرسول» (ص) فهو صاحب «البلاغ المبين» وله (ص) البيان التفعيلى لكل ما نزل من الوحى، ويجب ألا ننسى أن الرسول (ص) مع تفرده بالبلاغ المبين للوحى، قد مارس (ص) تصرفات وأنشطة أخرى كثيرة بالإضافة إلى البلاغ المبين وكل ما ثبت أنه بلاغ مبين صحيح يتعلق بكل الأمة، فذلك هو القدر الذى لا يشاركه فيه أحد، ولا يملك أحد من المسلمين «تجاوز هذا القدر أو تجاهله» وليس لأحد من المسلمين أيا كان موقعه أن يزعم لنفسه حق ممارسة ما فعله الرسول بقوة الوحى «فالوحى» خصيصة موقوفة على الرسول (ص)، أقول ذلك حتى لا يتوهم البعض حق المسئول الأول فى أى مجتمع إنسانى فى الانفراد بقرارات عامة مثل قرار إعلان الحرب قياسا على أن الرسول هو الذى كان يعلن الحرب.

 

(5)

 

وهكذا فلابد من التفريق جيدا بين «حكم الله»، و«حكم رسول الله»، وبين «حكم الناس بعضهم لبعض»، فعندما نقرأ (....أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ...)، يجب عدم التعجل، فالقرآن لا يمكن أن يفهمه المتعجلون، بل لابد من مستويات متعددة من: التذكر، والتفكر، والتعقل، والتدبر، ثم التفقه حتى نفهم القرآن الكريم.

 

وأمام هذه الآية تتجلى الحقائق التالية:

 

•أن ما شرع الله هو حكم واجب النفاذ (....أَطِيعُوا اللَّهَ...)

 

•أن ما شرع الرسول (ص) تفعيلا للقرآن هو حكم واجب النفاذ.

 

•أما ما بعد هذين المستويين (الإلهى)، (النبوى) فلم ينص على طاعته استقلالا بل مقرونا بطاعة الرسول (...وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ...).

 

(6)

 

وتعبير «أولى الأمر» فى هذا السياق له دلالة كبرى، فطاعة «أولى الأمر» بعد الله والرسول يشير إلى قدر واسع من عمومية المجال لا يعقل ان يستقل به شخص واحد ولا مذهب واحد لذلك يجب أن يفهم (أولى الأمر) على أنه «هيئة متخصصة موضوعية»، وليس المقصود به رأس السلطة التنفيذية كان هذا الرأس هو أحد الراشدين (رض) أو غيرهم.. فالتعبير القرآنى «أولى الأمر» يفيد ضرورة خروج القرارات العليا والعامة من خلال الشورى الجامعة (أولى الأمر)

 

لذلك قلت إن الأمة الإسلامية، بل وكل دولة فيها» لابد وأن تتحصن حياتها بتخصيص «هيئات متخصصة علميا متعددة» التوجه متفرغة لموضوعها (أولى الأمر) قبل (ولى الأمر)

 

وهذا يفرض التمييز بين صنع القرار وصياغته وبين إصدار القرار.. يتبع.

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات