العنف.. يجتاح شاشات العالم - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 12:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العنف.. يجتاح شاشات العالم

نشر فى : الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 10:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 10:20 ص

تعددت الأنواع والألوان، لكن الجوهر واحد، كما لو أن مبدعى السينما، فى ربوع دنيانا، اتفقوا على يقين متماثل: العنف، ذلك الطاعون العصرى الفتاك، أصبح منتشرا فى معظم المجتمعات وعلى نحو يثير الفزع وينبه أصحاب الضماير إلى خطورته.. فى مهرجان أبوظبى الأخير، يمكن للمتابع، بنظرة طائر، أن يرصد ظاهرة العنف المستشرى فى عشرات الأفلام، ذات الأساليب المتباينة، الناعمة والخشنة، أو التى توحى تارة، وتصرح تارة أخرى.

 

فى فيلم الافتتاح «السيد لزهر»، الذى أخرجه الدانماركى فيليب فالاردو، الفائز بالجائزة الكبرى فى مهرجان لوكارنو، يخلو من الدم ويتحاشى الصدامات الجسدية، ويبدو رقيقا لا يخلو من شاعرية، لكن يخفى تحت سطحه المتأنق عنفا مفزعا. فى إحدى مدارس الأطفال، يدخل التلاميذ إلى أحد الفصول. نشهد معهم جزءا من جثة مدرسة منتحرة، ويتعمد المخرج ألا نرى الجثة كاملة، وأن تكون اللقطة سريعة، مبهمة، لها تأثير نفسانى عميق على تلاميذ أبرياء أنقياء.. الانتحار، قمة العنف تجاه الذات، ويحاول المدرس البديل، الجزائرى الوافد «السيد لزهر»، بأداء متمكن، هادئ، من الممثل الجزائرى محمد فلاق، أن يدفع بالتلاميذ نحو تجاوز صدمة التجربة.

 

وخلال سياق الفيلم، ندرك أم السيد لزهر ترك بلاده فى التسعينيات، إثر حرق بيته، من قبل مجهولين، حيث لقى أفراد أسرته مصرعهم، وألقت ابنته بنفسها من الشرفة، لتموت نازفة على الرصيف، بدلا من أن تودع الحياة محترقة. المخرج، كان رحيما بنا، فلم يجسد هذه المشاهد على الشاشات واكتفى ببعثرة وقائعها خلال مواقف ومحادثات عابرة، فما كان يهمه هو رصد محاولة السيد لزهر للخروج من أزمته، وهو يساعد تلاميذه على تجاوز أزمتهم. إنه فيلم ضد العنف، سواء ضد الآخر، أو ضد الذات.

 

أما عن أكثر أفلام المهرجان إيغالا فى العنف، شكلا ومضمومنا، فإنه يأتى من المغرب، بعنوان «النهاية» لهشام لعسيرى، وبأسلوب ينتمى للمدرسة الوحشية، معتمدا على الأبيض والأسود، ويهيمن عليه درجات متفاوتة من القمة، وتبدو مدينة «الدار البيضاء» خربة، دكاكينها مغلقة الأبواب، ركام النفايات فى كل مكان.

 

داخل هذه الأجواء الكابوسية، تتلاحق مشاهد عنف بين عصابة مكونة من أربعة أشقياء، وضابط بالغ الشراسة، وآخرين، مع مطاردات لا تتوقف، فى الشوارع، وأسقف البيوت، وفوق الكبارى، وداخل الأنفاق، وتتوالى صدامات وتصفيات جسدية، وتمزيق للجثث، بمصاحبة موسيقى ذات طابع إزعاجى، حتى إن الفيلم يتحول إلى متاهة عنف، لا تنتهى إلا بإعلان التليفزيون عن وفاة الملك الحسن الثانى، ومصرع ضابط الشرطة، ومعظم أبطال الفيلم.. صحيح، صرح المخرج بأنه يعبر عن هاجس القيام بانقلاب عسكرى يحول البلاد إلى «جمهورية موز بلا موز»، لكن فى «النهاية» يرصد، بأسلوبه الوحشى، عن طاقة العنف المدمرة فى المجتمع، وفى النفوس.. إنه قناع آخر، لذات الوجه الذى عبر عنه «السيد لزهر» ومعهما عشرات الأفلام، ذات أقنعة متباينة ومختلفة، تؤكد حقيقة دامية: العنف.. يجتاح العالم.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات