مصر في «البريكس».. مكاسب محتملة وتحديات كثيرة! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر في «البريكس».. مكاسب محتملة وتحديات كثيرة!

نشر فى : السبت 26 أغسطس 2023 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 26 أغسطس 2023 - 8:55 م
منذ أيام قليلة انتهت القمة الخامسة عشر لدول الـ«بريكس» بإعلان انضمام ست دول جديدة إلى عضوية المجموعة التى تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا باعتبارها الاقتصادات الصاعدة عالميا. هذه الدول تمثل إضافة مهمة وتغييرا كبيرا فى المجموعة فى خطوة وصفت بالمثيرة للاهتمام كون أن العضويات الجديدة يتجاوز عددها العضويات القائمة بالفعل، ولأن هذه العضويات أيضا جاءت من ثلاث قارات مختلفة وضمت دولا كانت حتى وقت قريب بينها عداوات معلنة! انضمت السعودية والإمارات وإيران من آسيا، ومصر وإثيوبيا من أفريقيا، بينما انضمت الأرجنتين من أمريكا اللاتينية ليصل عدد أعضاء المجموعة إلى ١١ عضوا على أن تبدأ العضويات الجديدة رسميا فى يناير القادم!
هذا التوسع الكبير، يعنى أنه وبحلول العام القادم، فإن المجموعة ستساهم فى ٣٠٪ تقريبا من الناتج المحلى الإجمالى عالميا وما يزيد على ٤٥٪ من عدد سكان العالم والأهم أنها ستشكل ما يقترب من ٤٣٪ من إنتاج البترول العالمى، مما يرشح المجموعة للعب أدوار مهمة فى التحكم فى السياسة الدولية خلال السنوات القادمة. لكن ماذا تعنى عضوية مصر فى المجموعة، وما هى المكاسب المتوقعة من الانضمام، وهل هناك مخاطر أو تحديات بسبب هذا الانضمام؟
• • •
إذا ما بدأنا بالمكاسب المحتملة، فلا شك أن عضوية مصر فى مجموعة البريكس خطوة على الطريق الصحيح فى ظل نظام دولى يتغير بسرعة وتزداد عمليات الاستقطاب فيه بشكل كبير! فى ظل هذه الظروف ورغم خطورة هذا الاستقطاب، إلا أنه ولحسابات إقليمية استراتيجية بحتة فإن وجود مصر بجانب السعودية والإمارات فى عضوية البريكس وبقيادة صينية وعضوية الهند والبرازيل هى خطوة استراتيجية تحسب للسياسة الخارجية المصرية!
كذلك فعضوية البريكس توفر لمصر فرصا فى الدعم الاقتصادى وخصوصا لمشروعات البنية التحتية عن طريق بنك التنمية الجديد وهو البنك الذى يقع مقره فى شنغهاى ومقره الإقليمى فى جوهانسبرج وهو إحدى أهم مؤسسات المجموعة التى تستطيع أيضا تشبيك مصر مع عدد أكبر وأكثر تنوعا من الشركاء الاقتصاديين وتوفير فرص أعلى للاستثمار تحتاجها مصر فى السنوات القادمة! كذلك فإن عضوية المجموعة قد توفر فرصا لمصر فى تخفيف اعتمادها على الدولار سواء كعملة رئيسية للاحتياطى النقدى أو كعملة للتبادل التجارى وهو أحد أهداف البريكس المعلنة!
بالإضافة إلى ذلك، فإن عضوية مصر مع إثيوبيا فى المنظمة قد توفر مكسبا آخر محتملا وهو وجود فرص جديدة للتفاوض بين البلدين بخصوص سد النهضة وخصوصا أن أحد الأهداف الرئيسية لمجموعة البريكس هو توفير التعاضد بين الدول الأعضاء، ومن ثم فقد يجد المفاوض المصرى منبرا جديدا لتغيير شكل التفاوض الحالى مع إثيوبيا وسياستها القائمة على سياسة فرض الأمر الواقع!
كذلك فإن أحد المكاسب المحتملة لمصر هو استفادتها الكبرى من العام الذى ستقوم فيه باستضافة القمة السنوية للمجموعة ــ حتى الآن تتم الاجتماعات دوريا بشكل سنوى ومتساوٍ بين الدول الأعضاء ــ حيث جرى العرف على تحكم الدولة المستضيفة للقمة بشكل شبه تام فى أجندة المجموعة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية!
فى المجمل، فإن المكاسب المحتملة تتمحور حول توفير فرص أكبر لمصر للتعاون مع المؤسسات الدولية المالية سواء تلك التابعة للحكومات الكبرى أو تلك الخاصة، فى مجالات الاقتراض والاستثمار ودعم مشاريع التنمية المستدامة، لكن فى مقابل هذه المكاسب المحتملة، هناك بعض التحديات التى لا يجب إغفالها عند الحديث عن هذه العضوية الجديدة لمصر.
• • •
لعل أهم هذه التحديات هو التحدى المؤسسى، فمجموعة «البريكس» ليست مؤسسة دولية ولا إقليمية فلا مقر لها ولا سكرتارية ولا أمينا عاما ولا مجلسا تنفيذيا لاتخاذ القرارات! كذلك فهى ليست تحالفا بالمعنى المتعارف عليه دوليا فلا يوجد مثلا اتفاقية دفاع مشترك بين الدول الأعضاء، ولكنها فى أفضل الأحوال منبر أو تكتل شراكة بين مجموعة من الدول الذين يجمعهم هدف اقتصادى واضح، وهو تقديم بدائل للنظام الاقتصادى العالمى وكسر هيمنة المؤسسات الغربية على هذا الاقتصاد! ومن ثم فمصر لن تدخل إلى منظمة دولية ولا اتفاقية دفاع مشترك، ولكنها ستدخل فى مجموعة مازالت ضعيفة من الناحية المؤسسية تحاول تقديم بدائل للنظام الاقتصادى العالمى وهو أمر قد يقلل من الفائدة العائدة على مصر ما لم تتمكن المجموعة من تطوير العمل المؤسسى الخاص بها!
على مستوى العمل المؤسسى أيضا، تعانى المجموعة من قلة المخرجات، فعلى الرغم من إنشاء بنك التنمية الجديد المشار إليه أعلاه، ورغم محاولات إنشاء نظام بديل للتحويلات المالية القائم حاليا والمعروف اختصارا بـ swift، وكذلك وعلى الرغم من وجود ترتيب لاحتياطى الطوارئ المالية (نظام بريكس الذى يحاول أن يحاكى بعض وظائف صندوق النقد الدولى)، إلا أن هذه المخرجات قياسا بعدد سنوات عمل المجموعة (١٥ عاما تقريبا)، تشير إلى تواضع منجزات المجموعة مقارنة بأهدافها المعلنة، وهو أمر آخر على مصر الالتفات له عند الانضمام لعدم رفع سقف التوقعات أكثر من اللازم!
أما على مستوى العضوية، فتعانى المنظمة أيضا من بعض التنافر بين بعض الأعضاء، ولعل أهم هذه التنافرات ذلك العداء التاريخى بين الهند والصين، وكذلك بين السعودية وإيران، صحيح أن هذه العداءات التاريخية قد قلت حدتها فى السنوات الأخيرة، إلا أن بعض المعلقين مازال يرى أن المجموعة غير متجانسة وأن المزيد من ضم الأعضاء فى هذه الفترة الزمنية قد يزيد من عوامل عدم التجانس ومن ثم قد يؤثر على نجاح المجموعة مستقبلا فى تحقيق أهدافها!
وبالإضافة إلى كل ذلك فإن الوضع الاقتصادى للدول الأكبر فى المجموعة ولا سيما الصين وروسيا ليس فى أفضل حال! فمجموعة مثل هذه تركز على دعم برامج التنمية المستدامة وعمليات الإعمار والبنية التحتية تحتاج إلى اقتصاديات كبرى لقيادتها، وفى حالة البريكس فإن الصين صاحبة الاقتصاد الأكبر فى المجموعة تعرض اقتصادها فى السنوات الأخيرة للكثير من الهزات التى قد تؤثر مستقبلا على التزاماتها تجاه المجموعة، أما روسيا، فلا شك أن الحرب الأوكرانية قد أنهكتها كثيرا وفى هذه اللحظة تحديدا، فإنها فى حاجة إلى دعم المجموعة لها لا العكس! هذا التحدى قد يفسر أسباب انضمام السعودية والإمارات حيث من المنتظر أن تلعب الدولتان العربيتان دورا هاما فى دعم اقتصاديات دول البريكس مستقبلا!
أخيرا، فإن التحدى الأهم لمصر بعد انضمامها إلى هذه المجموعة هو مدى قدرتها على عدم الانخراط فى الاستقطابات الدولية، فالمجموعة تضم فى عضويتها دولا على عدم وفاق ــ وفى بعض الأحيان عداء صريح ــ مع الحلفاء الغربيين لمصر وفى مقدمتهم الولايات المتحدة! فلا شك أن عضوية الصين وروسيا بالإضافة إلى إيران قد تضع السياسة المصرية فى حرج مستقبلى مع نظيراتها الغربية ولا سيما فى الولايات المتحدة التى وبكل تأكيد تترقب العضوية المصرية وتأثيرها على التزامات القاهرة الإقليمية تجاه إسرائيل وعملية السلام فى الشرق الأوسط!
• • •
لا يمكن لنا فى مصر إغفال أهمية مجموعة البريكس وليس من الصواب التهوين من قوة المجموعة، لكن فى الوقت ذاته علينا وضع التحديات السالف ذكرها فى الاعتبار لتخفيض سقف التوقعات وعدم التعامل مع المجموعة كناد للدائنين من الأصدقاء يمكن الاعتماد عليه فى توسيع عملية الاقتراض فقط، ولكن علينا التعامل معه باعتبارها فرصة لزيادة قدراتنا التنافسية فى عالم شديد التأرجح اقتصاديا وسياسيا!
أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.