«أوهام» جاريد كوشنر فى الشرق الأوسط - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أوهام» جاريد كوشنر فى الشرق الأوسط

نشر فى : الجمعة 26 أبريل 2019 - 10:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 أبريل 2019 - 10:09 م

نشرت مجلة «The Atlantic» مقالا للكاتبين «فيليب جوردون وبريم كومار» يتناول فيه مجموعة من أفكار جاريد كوشنر «الخيالية» المتعلقة بعملية السلام فى الشرق الأوسط وصفقة القرن.

على ما يبدو أن جاريد كوشنر يشعر بالتفاؤل.. ففى مقابلة أجراها فى وقت سابق مع إحدى الصحف الفلسطينية قال صهر الرئيس الأمريكى ومبعوث السلام إلى الشرق الأوسط أن «احتمالات السلام ما زالت قائمة حتى وإن كان الأمر على أرض الواقع يوحى بالعكس «وأكد أن الإدارة الأمريكية تستعد لإطلاق خطتها التى طال انتظارها للسلام الإسرائيلى الفلسطينى.

وبالنظر إلى المخاطر المتمثلة فى تصاعد العنف، والحالة الإنسانية الصعبة فى غزة، والتكاليف المستمرة لاستمرار الوضع الراهن، فإن رغبة كوشنر فى المضى قدما حتى فى ظل كل هذه الصعاب الطويلة أمر مفهوم. لسوء الحظ، يعيش كوشنر فى عالم خيالى وتصوراته بشأن القضية تفاقم من المشكلة بدلا من تقديم حل لها. حيث إن الافتراضات التى تقوم خطته على أساسها «معيبة» إلى الدرجة التى تجعلنا نتشكك فى هدفه فى بدء مفاوضات جادة حقا.

***
الخيال الأول هو فكرة أن «عقبة» الرئيس الفلسطينى محمود عباس ــ الذى رفض الاجتماع مع كوشنر فى رحلته الأخيرة ــ يمكن مواجهتها من خلال أخذ خطة السلام «مباشرة إلى الشعب الفلسطينى». يرى كوشنر أن عباس يتجنبه لأنه «خائف من أن نعلن عن خطة السلام وأن الشعب الفلسطينى سوف يرحب بها فعلا». وهذا ليس صحيحا. عباس فى الواقع لا يحظى بشعبية مع غالبية الفلسطينيين ــ نسبة تأييده تزيد قليلا عن 30 فى المائة ــ ولكن هذا بالكاد لأنه متشدد للغاية تجاه إسرائيل. وهو غير قادر على جعل الشعب الفلسطينى يقدم المزيد من التنازلات، الشعب الذى يتابع منذ استمرار إسرائيل فى التوسع الاستيطانى، ومصادرة الأراضى، وزيادة القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين. وهذه المشكلة أكبر اليوم. ففى الواقع، هناك عدد كبير من الفلسطينيين يعارضون حاليا حل الدولتين، بينما تقول أغلبية ــ 57 بالمائة ــ إن هذا الحل لم يعد عمليا بسبب التوسع الاستيطانى الإسرائيلى، الذى يمتد الآن إلى عمق الضفة الغربية. أكثر من 35 فى المائة من الفلسطينيين يؤيدون الآن حل الدولة الواحدة ــ وبعبارة أخرى، دولة واحدة ذات أغلبية عربية وحقوق متساوية للجميع ــ وهو حل جذاب بشكل متزايد للفلسطينيين تحت سن الثلاثين.

وبسبب هذه الاتجاهات، سيكون الزعيم الفلسطينى المقبل أقل استعدادا لتقديم تنازلات ــ حتى لو كان يدعم عملية السلام. ففى الواقع، تشير استطلاعات الرأى الأخيرة إلى أن عباس سيخسر مسابقة الانتخابات الرئاسية ضد إسماعيل هنية من حركة حماس (التى لا تعترف حتى بإسرائيل وتدعم العنف)، وأن هنية، بدوره، سوف يهزمه مروان البرغوثى، وهو أسير فلسطينى.. ألقى القبض عليه بتهمة قتل مواطنين إسرائيليين عام 2002.

يتمثل الخيال الثانى لكوشنر فى اعتقاده بأنه هو والإدارة التى يمثلها فى وضع أفضل للنجاح من أسلافهم «الفاشلين».. فى حين أن جميع الإدارات الأمريكية كانت دائما أقرب إلى إسرائيل من الفلسطينيين، إلا أنها حاولت على الأقل لعب دور الوسيط النزيه باسم إيجاد حل وسط عملى، واعتبرت شريكا ضروريا فى نظر الفلسطينيين.. لكن ترامب تخلى عن كل ذلك. فاعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، احتفل بعد ذلك بالانتقال الأحادى للسفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس ــ وهى خطوة عارضتها 128 دولة فى الأمم المتحدة ــ بحفل كبير حضره العشرات من أعضاء الكونجرس الجمهوريين فقط، وشمل خطب القساوسة الإنجيليين المعروفين أساسا بالخطابات المتعصبة ضد المسلمين، مما يوحى بأن الأمر برمته كان يتعلق بالسياسة الداخلية أكثر من تعلقه بعملية السلام فى الشرق الأوسط.

وفى الوقت الذى قتل فيه عشرات الفلسطينيين فى غزة فى اشتباكات مع قوات الدفاع الإسرائيلية، فإن إدارة ترامب اختارت ألا تعرب عن تعاطفها مع الفلسطينيين الذين قتلوا أو الانضمام إلى النداءات الدولية بضبط النفس الإسرائيلى. ومن ناحية أخرى، قام ترامب بقطع المساعدات المالية عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بحجة أن الفلسطينيين لم يظهروا «التقدير أو الاحترام» المطلوب، كما لو كانت المساعدات الإنسانية، حتى عندما تخدم مصالح الولايات المتحدة، ينبغى منحها فى مقابل الإطراء.

قدمت إدارة ترامب دعما غير مشروط للمستوطنات، وسفير أمريكى قاتل ضد استخدام كلمة «الاحتلال» ويشير إلى «يهودا والسامرة»، كما يفضلها المستوطنون الإسرائيليون، بدلا من الإشارات الأمريكية التقليدية إلى الضفة الغربية. ومن ثم ليس مفاجئا إذن أن يتوقف الفلسطينيون عن التحدث إلى الإدارة. ومن الصعب أن يتم النظر إلى الولايات المتحدة فى ظل ترامب على أنها وسيط نزيه..

الخيال الثالث لكوشنر هو أن دول الخليج العربى ومصر والأردن ستساعده على مواجهة هذه التحديات الرئيسية. صحيح أن إدارة ترامب قد أقامت علاقات وثيقة مع قادة هذه الدول، إلى حد كبير على خلفية موقفها القوى ضد إيران، ومبيعات الأسلحة، وترك المخاوف التقليدية جانبا بشأن حقوق الإنسان. وصحيح أيضا أن هؤلاء الزعماء الإقليميين يشتركون مع إسرائيل فى منظور استراتيجى مشترك بشأن إيران والإرهاب، وأنهم مع العديد من التحديات الأخرى التى تواجههم ــ من انخفاض أسعار النفط إلى الحرب فى اليمن والأزمة السورية ــ لا يعطون الأولوية للقضية الفلسطينية.

ولكن هذه المنظورات الإقليمية المتغيرة لا تعنى أن القادة العرب سيتنازلون عن القضية بالشكل الذى يعتقده كوشنر، لا شك أن كوشنر سمع كلمات إيجابية من أصدقاء عرب فى اجتماعات خاصة. لكن لا ينبغى له أن ينتظر أن يتبنى هؤلاء القادة مواقف علنية بشأن السلام يرفضها الفلسطينيون ــ والغالبية العظمى من مواطنيهم. وينطبق هذا بشكل خاص على قضية القدس، حيث سيتم على الفور استنكار أى تخفيف للدعم السعودى أو المصرى للفلسطينيين والاستفادة منه من قبل منافسيهم فى إيران وقطر وتركيا.

والخيال الرابع هو أنه يمكن شراء الفلسطينيين بمساعدة اقتصادية للتعويض عن الخسائر السياسية. اقترح كوشنر أن إدارة ترامب يمكن أن تقوم باستثمارات كبيرة للغاية فى البنية التحتية... مما سيؤدى إلى زيادة فى الناتج المحلى الإجمالى وتوفير غطاء للتعايش السلمى. «وقد تمت تجربة هذا التركيز على القضايا الاقتصادية دون جدوى عدة مرات من قبل. خلال حقبة أوسلو فى التسعينيات، ثم خريطة الطريق للسلام عام 2002 وعملية أنابوليس التى قامت بها إدارة بوش، وأخيرا جهود وزير الخارجية جون كيرى خلال إدارة أوباما، حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعزيز آفاق السلام من خلال تحسين الظروف على الأرض. تشجيع التنمية الاقتصادية مهم بالطبع والضفة الغربية وغزة فى أمس الحاجة لذلك، لكن يجب أن يعرف كوشنر الآن أن الرخاء لن يكون بديلا عن السلام السياسى. وتظل القضايا الرئيسية هى الحدود والسيادة؛ الأمان؛ المستوطنات والاحتلال واللاجئون والقدس. ولا يمكن لأى زعيم فلسطينى البقاء فى منصبه من خلال المنافع الاقتصادية الواعدة وحدها.

***
أخيرا، هناك مشكلة مفادها أن الإسرائيليين فى ظل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يوافقوا أبدا على نوع الصفقة التى ستكون ضرورية لجعل القبول الفلسطينى ممكنا. فى السنوات القليلة الماضية، توقف نتنياهو عن الحديث عن دعم حل الدولتين. كما أن غالبية أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية لا يدعمون حتى إنشاء دولة فلسطينية، ناهيك عن التنازلات التى ستحتاج إليها إسرائيل لتحقيق ذلك. ومع تهم الفساد الموجهة لنتنياهو، من المحتمل أن يرى رئيس الوزراء أمله الوحيد فى إبقاء تلك الحكومة المتشددة لدرء أو تأخير لوائح الاتهام ضده. ومن غير الواضح أن الشعب الإسرائيلى نفسه مستعد لتقديم التسويات الرئيسية المطلوبة للسلام، بما فى ذلك إجلاء مئات الآلاف من المستوطنين من الضفة الغربية ومن الواضح تماما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست مستعدة للقيام بذلك.

يعتقد كوشنر أن الرفض الفلسطينى سيؤدى إلى إبطاء دعم الجهود الرامية إلى لوم إسرائيل على المستوى الدولى. لكن هذا غير صحيح حيث إن هناك افتقار تام لمصداقية ترامب بشأن هذه المسألة، بعد القرارات المتعلقة بالقدس والأونروا على وجه الخصوص، وهذا يعنى أن معظم الأوروبيين وفى أماكن أخرى سوف يستنتجون أن الفلسطينيين رفضوا الخطة لأنها كانت غير عادلة وليس لأنهم يعارضون عملية السلام.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى: 

التعليقات