تيتانيك الفقراء - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 3:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تيتانيك الفقراء

نشر فى : الأحد 25 يونيو 2023 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 25 يونيو 2023 - 6:50 م

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب عبدالرحمن شلقم، يدعو فيه المنظمات الدولية إلى إعادة النظر فى الاتفاقية الخاصة باللاجئين وإصدار ميثاق إنسانى جديد يتوافق مع المتغيرات الحالية، إنقاذا لأرواح آلاف الهاربين قسرا من وطنهم بحثا عن لقمة العيش أو الأمان... نعرض من المقال ما يلى:
عاش العالم فى الأيام الماضية، صدمة بسبب ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية، حول الكارثة الإنسانية التى شهدها البحر الأبيض المتوسط، إثر غرق مركب كبير يحمل أكثر من سبعمائة شخص. انطلق المركب من ليبيا، وفوقه مئات الهاربين من معاناة الفقر، دفع كل واحد منهم أكثر من 3 آلاف دولار إلى تجار الموت. شباب وأطفال ونساء، يدفعهم حلمهم نحو أضواء أوروبا. غرقت الحياة ومعها الأحلام قبالة الشواطئ اليونانية. المئات الذين باعوا كل ما يملكون، وما جمعه أهلهم من مدخرات وعقارات، مغامرين فوق القبر الأبيض المتوسط نحو دنيا الحلم الموعود، إيطاليا. لجوء البشر تاركين أوطانهم إلى بلدان أخرى، قضية شغلت قادة الإنسانية منذ زمن بعيد. بقيت حية تعيش فى كل الحقب الإنسانية، قبل رسم الحدود بين البلدان وقبل اختراع جوازات السفر والتأشيرات. مئات الجثث تتكدس فى قاع البحر الأبيض المتوسط الذى يشهد تزاحما لسمك القرش هذه الأيام على شواطئه. ما حلَّ بالفقراء الهاربين نحو دنيا الحلم أمام الشواطئ اليونانية، كان فاجعة فاقت ما حل بسفينة تيتانيك التى لم تغب عن الذاكرة البشرية إلى اليوم. مأساة توقظ أخرى.
لقد انشغل الساسة فى النصف الأول من القرن المنصرم، بموضوع الهجرة، تحت عنوان اللجوء، الذى يعنى مغادرة البشر من أوطانهم كرها إلى بلدان أخرى.
• • •
غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، شهد العالم ظاهرة إنسانية شغلت السياسيين. هجرة مجموعات كبيرة من أوطانهم الأصلية إلى بلدان أخرى قريبة وبعيدة. أنجزت منظمة الأمم المتحدة اتفاقية اللاجئين. وافقت أغلب الدول المستقلة آنذاك على الاتفاقية وصدّقت عليها. كان العالم يعيش فى أجواء ما لحق به من مآسٍ ومعاناة الملايين من القتل والدمار. تلك الاتفاقية التى أصدرتها منظمة الأمم المتحدة 1951، كانت تعبيرا إنسانيا عن الرغبة السياسية فى تأسيس فضاء كونى يرتكز على معايير تطوى صفحة مأسوية دموية، كتبتها الفاشية والنازية والعنصرية، ودفع العالم كله تقريبا ثمن بشاعتها. بعد سنوات من استقلال جميع بلدان العالم انضم أغلب أعضاء الأمم المتحدة إلى اتفاقية اللاجئين.
تطورات سياسية واقتصادية فى سنوات الحرب الباردة، خلقت عالما آخر. انقسم فيه العالم إلى معسكرين، وصار للجوء مفاهيم ودوافع وتوظيف سياسى. اللاجئون من المعسكر الشيوعى إلى الطرف الآخر الرأسمالى، أصبحوا ورقة سياسية يوظفها الجانب الرأسمالى ضد غريمه الشيوعى. اتفاقية 1951، طاولها الكثير من غبار الصدام السياسى.
تغيرت المنظومة السياسية الدولية، وارتفع عدد البلدان المستقلة منذ قيام منظمة الأمم المتحدة. فى البداية أُنشئت الوكالة الخاصة لشئون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وارتكزت موادها على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى نص فى مادته رقم 14 على أن لكل فرد الحق فى أن يلجأ إلى بلاد أخرى، أو يحاول الالتجاء إليها (هربا) من الاضطهاد. فى خضم التطورات الإنسانية والسياسية الدولية، صارت قضية الهجرة ظاهرة عالمية فرضت نفسها على محفل السياسة الدولية. وفى عام 1950، قررت الأمم المتحدة، إنشاء مفوضية شئون اللاجئين، ومهمتها الأساسية، توفير الحماية الدولية للاجئين فى جميع أنحاء العالم.
تضمّنت الوثائق الدولية تعريفات لأسباب اللجوء التى تدفع الأفراد إلى مغادرة أوطانهم إلى بلدان أخرى، حتى من دون الحصول على تصريحات دخول رسمية. يمكن تلخيص تلك الدوافع فى تهديد الحياة والحرية والاضطهاد، بسبب العرق أو الدين أو الانتماء السياسى.
فى عام 1967 صدر البروتوكول الخاص باللاجئين الذى يعد إضافة أو ملحقا للاتفاقية، وإن اعتبر وثيقة مستقلة، وصدّقت عليه أغلب الدول الأعضاء فى منظمة الأمم المتحدة، وذلك يبرز إدراك ساسة العالم للتطورات التى شهدها العالم واستدعت تحديث الضمانات القانونية فى هذا الموضوع الإنسانى المهم. البروتوكول اهتم بموضوع إدماج اللاجئين واحترام عقائدهم الدينية وثقافاتهم ومنع إعادتهم قسرا إلى بلدانهم.
ما يعانيه اللاجئون اليوم على أيدى تجار البشر، هو فى الحقيقة كارثة مضافة إلى الكوارث التى دفعتهم إلى مغادرة أوطانهم. اللاجئون الذين يغامرون بتسليم أنفسهم إلى مجرمين، يستولون على ما لديهم من مال، ويشحنونهم فى وسائل نقل متهالكة ويعبرون بهم الصحراء الكبرى، ويموت منهم الكثيرون، ويكدس من يصل منهم فى مجمعات النخاسة، ليعاد بيعهم إلى قراصنة البحر الأبيض المتوسط، ليكدسوهم فى مراكب متهالكة نظير 4 آلاف دولار عن كل فرد هارب من خوفه وجوعه نحو شعاع الأمل فى أوروبا. وفى بلدان أمريكا اللاتينية ينشط جيش يجمع بين تجارة البشر والمخدرات والجريمة المنظمة. من دول أمريكا اللاتينية يتزاحم البشر على حدود الولايات المتحدة الأمريكية، شبكات المهربين لا يترددون فى استغلال معاناة الملايين الهاربين من الفقر نحو أضواء بعيدة تشعل خيالهم وحلمهم، والسلطات الأمريكية، خصوصا فى عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، رأت أن تبنى سورا عاليا على حدودها مع الدول التى يعبر منها اللاجئون إليها.
اليوم هناك أكثر من مائة مليون لاجئ فى بلدان مختلفة من العالم. كل واحد من هذه الملايين وراءه دافع أو أكثر لمغادرة وطنه. الحروب الأهلية والاضطهاد والقمع والإرهاب السياسى والدينى والعرقى والفقر وغيرها، دفعت الملايين إلى الفرار واللجوء إلى حيث يعتقدون أنهم سيجدون مكانا يحققون فيه إنسانيتهم.
• • •
لقد صار من المُلح أن تعيد المنظمات الدولية، وتحديدا الأمم المتحدة، النظر فى الاتفاقية الخاصة باللاجئين والبروتوكول الإضافى، وأن يُصار إلى إصدار ميثاق إنسانى جديد يراعى ما شهده ويشهده العالم من تغييرات تختلف عمّا كان وقت صدور الاتفاقات السابقة، لمعالجة ظاهرة اللجوء الحالية، التى تتسبب فى كوارث تقضى على آلاف الهاربين قسرا من أوطانهم. تحقيق السلم والتنمية وحقوق الإنسان فى بلدان المصدر، هو أول الحلول لهذه الظاهرة التى تشكل بقعة سوداء فى عالم اليوم، الذى تسود فيه معاناة فى بعض بلدان العالم، تدفع مواطنيه إلى المغامرة بالرحيل إلى دول أخرى مخاطرين بحياتهم، فى حين تعيش دول أخرى فى دنيا الرفاه والحرية. قفل الطرق البرية والبحرية ليس هو الحل، ولن يقدم إلى المغامرين هربا من أوطانهم ما يجعلهم يتراجعون عن المغامرة. لقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات كبيرة إلى الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، فيما عرف بـ«مشروع مارشال»، الذين مكّن الدول الأوروبية من تجاوز ما لحق بها من دمار فى الحرب والقدرة على الإقلاع الاقتصادى. أعتقد أن الوقت قد حان لمراجعة كل ما صدر عن الأمم المتحدة من مواثيق حول قضية الهجرة واللجوء.

التعليقات