ماذا تريد إسرائيل؟ التوسع اللا محدود؟ - عبد المنعم المشاط - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 8:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا تريد إسرائيل؟ التوسع اللا محدود؟

نشر فى : الثلاثاء 5 مارس 2024 - 7:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 مارس 2024 - 7:45 م

منذ أن تولى نتنياهو رئاسة حكومة إسرائيل لأول مرة عام 1996 وحتى الآن وهو لم يتخل عن اعتقادين سياسيين يتحكمان فى الرؤية الإسرائيلية لمكان ومكانة إسرائيل فى المنطقة، وأبعاد علاقاتها الاستراتيجية فى الشرق الأوسط، الأول كراهية العرب والفلسطينيين بصورة خاصة واحتقارهم وتحقيرهم، ومن ثم التمييز العنصرى ضدهم، إلى حد الترويج بأنه ليس هناك شعب فلسطينى من أساسه، ولقد ظهر ذلك مرارا فى سياسات التوسع غير المحدود على أراضى العرب فى سوريا ولبنان وأراضى فلسطين فى الضفة الغربية وغزة، وينعكس ذلك بالطبع على قناعات نتنياهو والإسرائيليين اليوم بأنه لا ثقة فى العرب، ولا حتى فى فاعلية وديمومة الاتفاقات معهم، من ثم تصير الأهداف واضحة وهى التوسع على حساب الفلسطينيين والعرب وبناء إسرائيل الكبرى دون عائق أرضى وبشرى، والثانى التوظيف السياسى للخرافات الدينية التى تلهب مشاعر اليهود والقوى الصهيونية فى العالم، والإسراع فى دعم خطط التوسع الإقليمى الإسرائيلى، ولقد استطاع وحلفاؤه بالفعل فى الحرب ضد غزة، ولاحقا ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية، استدعاء خرافة سياسية دينية يطلق عليها نبوءة إشعياء فى العهد القديم والتى تؤكد على انتصار اليهود النهائى على الأغيار أى العرب والفلسطينيين باعتبارهم «العماليق» الذين ينبغى قتلهم والتخلص منهم وعدم الإبقاء على أحد منهم، وامتدادا لهذه الخرافات الدينية، أطلق ترامب على اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، الاتفاقات الإبراهيمية نسبة إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولعله من المحبط أن يلقى هذا المفهوم قبولا لدى العرب على الرغم من الصبغة التوسعية والعنصرية الجلية لإسرائيل.
إن سياسة التوسع الإسرائيلى والتطهير العرقى فى غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية هى سياسة راسخة وجزء لا يتجزأ من العقيدة الصهيونية ولا تقتصر على نتنياهو وبين غفير وسموتريش وليبرمان الذين يتزعمون عقيدة وسياسة التوسع الإقليمى اللا محدود، ولكنها عقيدة راسخة لدى الإسرائيليين، فى استطلاع للرأى أخيرا أيد 73% من الإسرائيليين الهجوم الإسرائيلى البرى على رفح بصرف النظر عن أى ثمن‬ بشرى أو سياسى له، وأيده نحو 91 % من اليمين الإسرائيلى، ويؤكد ذلك أيضا سلوك المستعمرين الإسرائيليين فى الضفة الغربية واستخدامهم جميع وسائل القتل والترهيب ضد الفلسطينيين لإجلائهم عن أرضهم وممتلكهاتهم والسيطرة عليها كجزء من الخطة الأشمل لإجبارهم على الهجرة إلى الأردن.
• • •
إن النظر بتمعن إلى إستراتيجية بناء المستعمرات الإسرائيلية فى الضفة الغربية يؤكد أن المستعمرين هناك للبقاء الدائم وأن الهدف ليس فقط احتلال الأرض ولكن أيضا تفريغها من الفلسطينيين وجعل حلم بناء دولة فلسطينية مستحيل التحقيق، فمنذ عام 1967 تم بناء 144 مستعمرة فى الضفة الغربية بالإضافة إلى 12 مستعمرة فى القدس الشرقية هذا فضلا عن مائة منطقة سكنية أقامها المستوطنون بأنفسهم، وبلغ عدد المستعمرين فى الضفة الغربية 500 ألف، وفى القدس الشرقية 220 ألف بإجمالى 720 ألفا، ناهيك عما يناهز 250 ألفا فى هضبة الجولان، وهكذا تم تقطيع أوصال الضفة الغربية، والسيطرة على مفاصلها والقضاء على إمكانيات التواصل الأرضى بين مدنها وتجمعاتها، وفى هذا الصدد يعبر نتنياهو باستمرار أمام الإسرائيليين ومؤيدى التوسع من المنظمات اليهودية فى العالم عن فخره واعتزازه بما فعله فى الضفة الغربية والذى جعل أية احتمالات لإقامة دولة فلسطينية مستحيلة.
أعادت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد سكان غزة اختيار الدولتين، إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب فى سلام وأمن متبادل، إلى الوجود مرة أخرى، بيد أن نتنياهو قدم استراتيجيته الرافضة لإنشاء دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وغزة إلى حكومته التى تبنتها وإلى الكنيست الذى وافق عليها بأغلبية غير مسبوقة، فسحقا لاستراتيجية التوسع الإسرائيلى.
• • •
هل يمكن وأد التوسع الإسرائيلى فى الضفة الغربية وغزة كمقدمة للتوسع الإقليمى الإسرائيلى غير المحدود، وإقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وغزة ومنع التهجير القسرى؟ هناك بريق أمل جلى وممكن، وهو تمسك أشقائنا فى السعودية وبقية الدول العربية باشتراط التطبيع مع إسرائيل، ليس بالإقرار بحل الدولتين فقط، وإنما الاعتراف الإسرائيلى والدولى بدولة فلسطينية قابلة للحياة، وعضو فعال فى الجماعة الدولية. وكما حول الأمريكيون السلام بين إسرائيل والسعودية إلى مفهوم «التطبيع»، ينبغى التحول أيضا إلى مفهوم «الاعتراف» بدولة فلسطين العربية فى الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية فإن لم يتم الربط بين هذين التطورين، سيخسر العرب كثيرا أمام التوسع الإسرائيلى العنصرى الواضح وضوح الشمس.
والحقيقة أنه ربما للمرة الأولى فى حياة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى تصير إجراءات إعلان الدولة الفلسطينية فى يد العرب أى أنه يمكن أن يكون للعرب الدور المحورى فى إنشائها والإعلان عنها والاعتراف بها، وهى فرصة سانحة قد لا تتكرر كثيرا، وإن كانت سياسة إسرائيل التوسعية تثير سؤالا مصيريا ووجوديا يتعلق بماذا يريده العرب اليوم لمواجهة الأطماع الصهيونية الإسرائيلية خصوصا وأن هناك انتفاضة عالمية للتعاطف مع الشعب الفلسطينى ضد الغطرسة الإسرائيلية؟ وهذا سؤال مفتوح يتطلب إجابة واضحة وصادقة.

عبد المنعم المشاط أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات