هوامش دستورية - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 9:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوامش دستورية

نشر فى : الأحد 24 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 24 نوفمبر 2013 - 9:59 ص

نخطئ كثيرا، ولعلى أول المخطئين حين تجعلنا دروس الماضى ننشغل عن قضايا مستقبل ينبغى أن يكون أول همنا، ومناط اهتمامنا وانشغالنا.

ونخطئ كثيرا، ولعلى أول المخطئين حين يستغرقنا «ما جرى»، رغم كونه «عبّد الطريق» إلى لحظة وصلنا اليها مسكونة بالقلق، واللا يقين.. والأسئلة.

•••

أول الأسئلة، أو أقربها بحكم «خارطة طريق» أردناها حاكمة هو ما يتعلق بالدستور (الثانى عمليا فى عام واحد) بعد العديد من الإعلانات الدستورية التى أدى الاختلاف حول بعضها إلى إراقة الدماء. كما كانت التضحية بالدماء طريقا نبيلا إلى بعضها الآخر (١٣ فبراير ٢٠١١).

سيبدأ التصويت هذا الأسبوع على المسودة التى كان من الطبيعى، والحال كما نعرف ألا تنجو من نتائج ضغط الوقت، بعد أن لم تنج من نتائج ضغوط من هذه المؤسسة أو تلك، فضلا عن ضغوط هواجس وتوجسات حاكمة بالضرورة لهذه اللحظة الخاصة جدا من تاريخ مصر. (رغم أننا جميعا نعرف أن «النفخ فى الزبادى» الذى يشير إليه المثل الشعبى المصرى، قد يكون ضرره صحيا أكثر أحيانا من نفعه).

قد تدفع بالبعض حسابات يُقدرها إلى أن يغض الطرف عن صياغة تسللت «أو تمكنت» من هذا النص أو ذاك. وهذا طبيعى ومفهوم. إلا أنه لا أحد بوسعه أن يغفل أهمية ما ستأتى به نتائج الاستفتاء؛ الخطوة الأولى على «خارطة طريق» وعر لا يحتمل عقبة هنا أو عثرة هناك. فالحكمة تقتضى الإقرار بحقيقة أن الشارع لم يعد كما كان عشية الثلاثين من يونيو، بعد أن حاول اختطافه أولئك القادمون بنظام مبارك؛ تجاوزا أمنيا مضرجا بالدماء، أو تهافتا إعلاميا معجونا بالنفاق والغباء.

لا أحب أن أعطى لاستطلاعات الرأى، خاصة فى بيئتنا تلك أكثر مما تستحق. ولكننى أحسب من الحكمة أيضا ألا نتعالى على نتائجها؛ تجاهلا أو إنكارا أو ثقة فى تقارير لا تخلو مما اعتادته من نفاق أو خوف لا يرى الملكَ أبدا «عاريا».. وفى هذا السياق تأتى قراءة استطلاع الرأى غير المنشور لمؤسسة جيمس زغبى Zogby Research Services LLC، Egyptian Attudes September 201٣ والذى أشار إليه الصديق مصطفى النجار قبل أيام («الشروق» ٢٢ نوفمبر ٢٠١٣)

عرفنا غير مرة معنى «التصويت العقابى» وجربنا نتائجه. ونعرف أن نصا لمادة واحدة يرفضها أحدهم، أو يتوجس منها، كفيلة «فى حالتنا تلك» بأن تدفعه للتصويت بلا على الدستور بكامله. وليس بيننا من لا يدرك العواقب السياسية و«الواقعية» لذلك. فى القلب من هذا المشهد، وليس على هامشه أن عددا لا بأس به من الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدنى، وشباب نقى «غير مسيس» لا يهمه غير أن شكل أيامه القادمة تحددها سطور تُكتب الآن (منهم من كان له دور كبير فى مجريات الأحداث التى قادتنا إلى الثلاثين من يونيو) صدر بالأمس فقط ما سموه «وثيقة الحد الأدنى للدستور». وهى نتاج جهد استمر متواصلا منذ الثلاثين من يونيو وحتى الآن. ورغم حقيقة أنها ليست «دستورا»، كما لا يتوافر لها ما هو ضرورى فى الصياغات الدستورية، إلا أن «تقدير الموقف» والاستعداد لكل السيناريوهات المتوقعة، يجعل من الأهمية مقارنتها بما سيجرى التصويت عليه، ومن ثم طرحه للاستفتاء.

نعرف كما يعرف القانونيون، أننا «قانونا» بصدد إدخال تعديلات على دستور ٢٠١٢، مما كان له أن يوفر للمشرع مرونة كافية بعدم الاضطرار إلى «استحداث نصوص ملغمة» قد تأتى بما لا يرغب فيه أحد. ولكننى لا أعرف، عمليا «والوقت داهمنا» كما يقول مقدمو البرامج التليفزيونية، كيف السبيل إلى ما نادينا به سابقا من إرجاء واقعى لتلك القضايا التى بدا كم هى ملتهبة، والمحكومة فعليا بقدر معتبر من الهواجس والتوجسات المشروعة، سواء تلك المرتبطة بوضع المؤسسة العسكرية، أو الهيئات القضائية المختلفة، أو كوتة المرأة، أو نسبة العمال والفلاحين، أو النظام الانتخابى، أو حتى تلك «المفتعلة» المرتبطة بالهوية. ناهيك عن تلك التى بدت «فئوية» بامتياز، أو تستحضر «حديث الأقليات» المربك والمقلق؛ إن فى حسابات المستقبل، أو حسابات الصندوق.

كنت أفضل، كما أشرت قبل أسبوع أن نعتمد فكرة الاقتصار على دستور مصغر «مؤقت» لا يضم غير المواد التى تكون محلا لاتفاق الجميع، وتحذف منه كل المواد الخلافية أيا كانت. وينص فى ديباجته بوضوح على أن هذا «ما اتفق عليه» المصريون، ثم يحدد فى أحكامه الانتقالية تاريخا للعودة لبحث أمر «دستور دائم»، بعد سنوات تكون فيها النفوس قد هدأت، والمناخ أصبح أكثر ملاءمة لحوار حقيقى هادئ وناضج ومتزن، لا تحكمه هواجس «اللحظة الآنية»، ولا المواقف «المسبقة» من الآخر.

ربما فات، عمليا وقت ذلك. ولكننى أحسب أن مجرد الإشارة إلى أنه دستور «انتقالى مؤقت»، وهو «واقعيا» كذلك، قد تهدئ من مخاوف وقلق كثيرين. وكحل احتياطى لا أكثر، أعيد طرح الفكرة. «كمرفأ اضطرارى» يلجأ له الربان إذا ما أتت الرياح بما لا تشتهى السفن.

•••

يبقى مما يحسب للجنة الخمسين أن بين أعضائها من أدرك أن للتحول الديموقراطى إلى شرعية دستورية «حقيقية» متطلباته. وأن هذا التحول لا يمكن له أن يُستكمل بنجاح وسلام، إلا بإنفاذ معايير وآليات العدالة الانتقالية Transitional Justice المتعارف عليها. ولذلك فلابد من الترحيب بما جاءت به المسودة من نص يشير إلى ذلك. ورغم أننى أعرف «وأقدر» ما كان من جهد للبعض وراء تمرير النص، رغم صعوبات ومخاوف مفهومة ومتوقعة. إلا أننى كنت أتمنى أن يأتى بصورة أكثر حسما، تحول دون أى تضارب دستورى فى المستقبل، خاصة مع القواعد المستقرة لعدم «رجعية التجريم» مما يسمح بمساءلة «سياسية» حقيقية. تصبح الخطوة الأولى لتغيير حقيقى يحقق طموحات شباب خرج فى يناير ٢٠١١ يطالب «بإسقاط نظام»، لا بتنحية أفراد، ولا بانتقام أو نصب مشانق. وأظن أن نصا واضحا من قبيل «تنشأ مفوضية عليا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، تقوم على تحقيق متطلباتهما. وتضع القواعد الخاصة بالمساءلة السياسية. التى لا تسقط جرائمها بالتقادم، كما لا تقيدها القواعد العامة لعدم رجعية التجريم. ويكون للمفوضية استقلال كامل عن السلطتين التنفيذية والتشريعية وعن الأحزاب السياسية. ويحدد القانون مهامها واختصاصاتها وطريقة تشكيلها» كان جديرا بأن يناقش ليأخذ ما يستقر عليه النقاش، وصياغة الدستوريين مكانه فى باب الأحكام الانتقالية.

•••

وبعد..

فربما لم تضف دعوتى «الاحتياطية» إلى جعله «مصغرا ومؤقتا وانتقاليا» جديدا يُذكر إلى ما دعوت اليه الأسبوع الماضى فى الموضوع ذاته. ولكن ساعة التصويت تقترب، و«آفة حارتنا النسيان» كما يقول الراحل نجيب محفوظ.

ولذا أستميحكم عذرا أن أكرر، وأذكر بأن كان هناك من طلبنا منهم قبل عام واحد أن يكون «دستورهم» مؤقتا لمدة «ست سنوات» فرفضوا.. فكان أن لم يعش أكثر من «ستة أشهر». والتاريخ، وإن لم يكرر نفسه، إلا أنه يرجونا، بوقائعه ومشاهده أن نتعلم الدرس.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات