دعاوى النسخ «تحريم الخمر» (1ــ2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 8:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دعاوى النسخ «تحريم الخمر» (1ــ2)

نشر فى : الأربعاء 24 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 يوليه 2013 - 8:00 ص

هذا نموذج لبعض الآيات التى زعموا نسخها، وهى الآيات التى ذكرت «الخمر»، وقد تتابع التشريع فى «أربع مواد»، وقبل أن تعرض مواد التشريع القرآنى يجدر بنا أن نتبين الحقائق التالية:

أولا: الخمر منتج مالى اقتصادى تداوله الراغبون، فهو فى عالم الاقتصاد «أموال» لدى الزارع والصانع والبائع بالإضافة إلى العمالة المعاونة لكل تلك الحرف بل ليضم الزارع والصانع والخادم ثم الشارب فى نهاية الأمر، وبذلك ترى أن عددا من الناس نشأوا على حرف ومهن تابعة للخمر وحينما يريد الشارع تحريم هذا الأمر، فإنه يعلم الناس كيفية التشريع وكيفية معالجة المشكلة من جذورها، فالخمر ليس مجرد جريمة «تعطيل العقل» بل خالطها «عمل اقتصادى» وأبسط مثال لذلك زارع النخيل والعنب إذا باع سلعته «خام كما خلقها الله» باعها بسعر رخيص، أما إذا انزلق إلى تصنيعها فقد حقق دخلا كبيرا له ولغيره، وبعد ذلك حيث تتكاثر الأيدى العاملة كما ذكرنا .

ثانيا: حينما نتجه إلى إلغاء أو تحريم «سلعة حرام» فلابد أن ندرك أن كل سلعة لها سوق خاصة بها تقوم على «العرض والطلب»، ومن الأفضل البحث عن البداية هل نبدأ «بتجريم وتحريم العرض والإنتاج» أم نبدأ «بتحريم وتجريم الطلب الشراء»؟

ثالثا: إن الخمر لها تأثيرها الخاص على الأبدان بصفة عامة ثم على العقول وهذا التأثير يصل إلى درجة الإدمان (دوام الاعتماد والاعتياد على شربها) وعلى ذلك فلابد من إخراج هؤلاء المصابين (المدمنين المعتمدين على الخمر) مما هم فيه من الإدمان مع الحفاظ على حياتهم قبل تحريمها عليهم.

وفى ضوء هذه الحقائق الثلاث تمت معالجة «جرائم تصنيع وبيع وتقديم وتناول الخمر فى مراحل متتابعة» فبدأ القرآن يدعو الناس إلى المقارنة بين تناول البلح والعنب طازجا كرزق حسن، وبين إفساده وتحويله إلى خمر مُسكر يضر العقل والبدن كما يتلف المال الذى خلقه الله لنفع البشر وليس لإضرارهم ((‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا..)) النحل (67) وكانت الآية سببا فى تراجع البعض عن تناول الخمر، فتخلخل (سوق الطلب والعرض) .

وبعد أن تحقق الناس من «سوء» الخمر جاءت المادة الثانية تبين سعى الناس بأنفسهم يسألون الرسول رأيه فى الخمر: (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا..)) البقرة (219) وهذه التشريعات تبين ضرورة توافر ظروف اقتصادية ملائمة للإلغاء.

وبقى فى المجتمع فئة لم يحركها الخطوتان السابقتان فما زال هناك من ينتج ــ رغم قلتهم ــ وما زال من يستهلك ويشرب ــ رغم بيان الوحى للسوء والإثم حيث لا تحريم حينئذ، وجاءت «المادة الثالثة» لمحاربة (العرض والطلب) معا حيث استثمر الوحى مناسبة عزيزة على كل مؤمن وهى مناسبة الصلاة فقد تأخر قوم عن جماعة صلاة المغرب وحينما صلى المتأخرون قرأ إمامهم سورة «الكافرون» فأخطأ فى القراءة بسبب تأثير الخمر إذ قرأ الآية (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)) الكافرون (1ــ2) فحذف لا النافية وهكذا فقد سقط «الإيمان والتوحيد بسبب الخمر»، وانتشر خبر تلك الحادثة حتى قال عمر بن الخطاب (اللهم بين لنا فى الخمر بيانا شافيا) وهكذا ارتج المجتمع رافضا للخمر التى تسببت فى الخطأ فى القرآن، بل تسببت فى أن ينسى الإنسان الإيمان بالله ولا يجد فرقا بينه وبين الكافر، وفى تلك الظروف وهذا المناخ جاء الوحى بقول الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ..)) النساء (43) ونلاحظ فى هذا الدور أن الحكم جاء خطابا للذين آمنوا، أما ما سبق فكان توجيها عاما.  

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات