للبلطجة.. وجوه أخرى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 2:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

للبلطجة.. وجوه أخرى

نشر فى : الثلاثاء 24 يونيو 2014 - 6:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 24 يونيو 2014 - 6:15 ص

ربما يتمثل أهمها، وأوسعها انتشارا، فيما يمكن أن تسميه «البلطجة المعنوية».. وهى حالة معدية، تنتقل سريعا من فرد لآخر، ومن مجموعة لأخرى، حتى تصبح سمة عامة، تصل إلى قمة خطورتها حين تزاولها، أحيانا، نخب مرموقة، تعتبر قاطرة المجتمع، أخلاقيا.

البلطجى التقليدى، معتاد الإجرام، يمسك بذلك السلاح الأبيض الفتاك، يهدد به الأبرياء، لا يتوانى عن استخدامه، إذا لم يذعن الضحية لابتزازه، وهو، غالبا، يهدف لكسب مادى، سواء يعمل منفردا أو لحساب غيره.. أما البلطجى المعنوى، فإنه يمارس نشاطه، فى الكثير من الأحيان، بدوافع نفسية، فى مقدمتها رغبة مقيتة فى الإحساس بالتميز، وتصدير صورته على نحو يوحى أنه الأشد غيرة على الوطن، والأعمق إيمانا بالمثل العليا، والأقوى تمسكا بالقيم الأخلاقية. وإذا كان من الصعب مواجهة حامل البلطة، فإن الأصعب منازلة من تحول لسانه إلى بلطة، تؤدى إلى جروح معنوية، قد لا تلتئم بسهولة.. إليك ثلاثة أمثلة:

• ممثلنا المصرى الموهوب، المجتهد، عمرو واكد، صاحب الأداء المتميز، المتفهم، للعديد من النماذج الاجتماعية التى تعيش بيننا: الشاب العشوائى الضائع فى «جنة الشياطين» لأسامة فوزى. الموظف الصغير فى «ديل السمكة» لسمير سيف. اللص فى «دم الغزال» لمحمد ياسين. الفلسطينى المناضل فى «أصحاب ولا بيزنس» لعلى إدريس. أحد المشاركين فى ثورة يناير ٢٠١١ فى «الشتا اللى فات» لإبراهيم البطوط.. أثناء عمله الدءوب فى السينما المصرية، بدأ مشواره على الشاشات الأجنبية، الصغيرة والكبيرة، على نحو ينبئ بأنه سيصبح نجما عالميا، مشرفا.. عمرو واكد، تعرض، ولا يزال، لحملة ضارية، بالبلط، على وسائل التواصل الاجتماعى، بالإضافة لصفحات بعض الجرائد، على خلفية الزعم أنه قال «لا تشرفنى الجنسية المصرية». وبرغم أنه نفى هذا الادعاء، جملة وتفصيلا، فإن بلطجية «التويترات» يواصلون الشحن ضده، بل يطالبون بسحب الجنسية المصرية منه، ونفيه خارج أرض الكنانة.. هنا، نرى أحد الجوانب القاتمة للبلطجة المعنوية.

• حاملة البلطة، هذه المرة، هى الممثلة الواعدة، رحاب الجمل، لفتت نظرى بقدرتها على التعبير عن انفعالات شابة تتحول، فى موقف واحد، من حال لحال، وذلك فى «احكى يا شهرزاد» ليسرى نصر الله ٢٠٠٩.. قدمت فيما بعد، بعض الأدوار المتواضعة، الأقل ــ فى تقديرى ــ مما تستحقه.. أخيرا، شاركت بالتمثيل فى «بنت من دار السلام» للمخرج الجديد تونى نبيه، وبينما الفيلم يتهيأ للعرض، أعلنت رحاب الجمل تبرؤها من ذلك العمل الذى ــ حسب قولها ــ يتضمن مشاهد جنسية، وفى تبرير تواجدها، ذكرت أنها لم تقرأ السيناريو واقتصر عملها على ثلاثة أيام فقط.. وفى سابقة غير مطروقة، طالبت الرقابة بمنع عرض الفيلم.

لم تنتبه صاحبتنا، وهى تلوح بالبلطة، إلى أنها تصغر من شأن نفسها أكثر من مرة، فمن الناحية الأخلاقية، لا يليق بمن شارك فى عمل، أن يتنكر له، ويحاول وأده، قبل ميلاده على الشاشة، بالإضافة إلى أنها، وهى تعترف بعدم دراستها أو الاطلاع على السيناريو، تضع نفسها فى خانة «فنانى المقاولات» أو «اسطوات المرمات»، لا يعنيهم من العمل سوى عدد الأيام فقط، بصرف النظر عن قيمة الدور أو الفيلم.

فيما يبدو أن الجمل أدركت تفاهة منطقها وانعدام تأثير البلطة فى يدها، فجاءت ببلطة أخرى، جارحة وباطشة، وأخذت تردد، بسخونة مفتعلة، أن الفيلم المنحاز، المتعصب، سيؤدى، والعياذ بالله، لفتنة طائفية.

• عند بعض المذيعين، يتحول الميكروفون المعلق فى ياقة الجاكتة إلى بلطة، فبعد انحسار حضور المذيع المحايد، المهذب، المتأنق فى ألفاظه، الحريص على عدم جرح مشاعر المشاهدين، ظهر المذيع المفكر، العالم بظواهر وبواطن الأمور.. وأحيانا، يطالعنا المذيع الجعجاع، الذى يطلق آخر مدى لحنجرته، كأنه يريد توصيل صوته إلى جمهور من الطرشان.

لكن أشدهم بطشا هم بعض الذين اندفعوا، أيام الانتخابات، فى توبيخ من لم يدل بصوته، ووصل الأمر بأحدهم إلى القول «إن الشعب المصرى يحب أن يسك على قفاه».. ولم يفت أكثر من واحد وواحدة، التلويح ببلطة عقاب من لا يشارك، بالسجن، والغرامة المالية، مع الاتهام بالخيانة.

هذه كلها وغيرها من مظاهر البلطجة فى حياتنا.. يليق بنا مواجهتها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات