السيرك - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 7:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السيرك

نشر فى : السبت 23 أكتوبر 2010 - 10:08 ص | آخر تحديث : السبت 23 أكتوبر 2010 - 10:08 ص

 عنوان الفيلم هو «سيرك كولومبيا»، لكن لا علاقة له بكولومبيا، فكل ما فى الأمر أنه اسم السيرك الموجود فى بلدة صغيرة، فى البوسنة، حيث تدور فيها أحداث ما قبل الحرب الأهلية بعدة شهور، يحكيها، بطريقته الآسرة، المخرج القدير، الشاب، دانيس تانوفيتش، فى ثانى عمل روائى له. فيلمه الأول «أرض محايدة»، حصد عشرات الجوائز المرموقة، ومنها جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبى.. «سيرك كولومبيا»، المرشح لجائزة الأوسكار هذا العام، يعتمد على رواية بذات العنوان، كتبها الكرواتى إيفيكا ديكتشى. الفيلم يبدأ بداية نموذجية: عودة الرجل الستينى «ميكى» إلى بلدته بعد غياب عشرين عاما قضاها فى ألمانيا، هربا من حكم تيتو. «ميكى» غدا ثريا، يملك عربة فارهة، يصطحب معه فتاة ألمانية جميلة ينوى الزواج منها، فضلا عن قط أسود، مدلل، يقول إنه تميمة الحظ الجميل، الوافد، يجزل العطاء للعمدة الجديد، المرتشى، الذى يساعده على استعادة بيته القديم، من يد المرأة الغاضبة «ماريا» وابنها الشاب «مارتن».. لاحقا، سنعرف أن «ماريا» هى زوجة العائد وأن «مارتن» هو ابنه. العمدة يرسل موظفيه لطرد «ماريا»، التى تسكب عليهم، من النافذة، مياها ساخنة. الشرطة تداهم بيت «ماريا» وتقبض عليها مع ابنها. ولأنها من النوع المقاوم، يحاول العمدة استرضاءها بمنحها إحدى شقق البلدية. شقة جديدة نعم، لكنها ضيقة، قذرة، متآكلة الجدران، متهالكة النوافذ. إنها تجسد فساد البلديات فى الكثير من بلدان العالم.

«سيرك كولومبيا» يتكون من تفاصيل صغيرة، تنساب على الشاشة بنعومة، لتقدم فى النهاية لوحة بشرية، إنسانية، لواقع تلك البلدة، باتجاهاتها الفكرية والعاطفية، التى ستؤدى بالضرورة إلى اندلاع حرب مجنونة.. العمدة القديم، عضو الحزب الشيوعى المفكك، الذى قدم وحقق الكثير لبلدته، يعيش الآن مرتبكا فى أجواء معادية، فالبعض يقذف مصابيح وزجاج بيته، وها هو، فى لمسة كوميدية تنطوى على شعور بالمرارة، ينقل التمثال النصفى لتيتو، من الحديقة إلى داخل المنزل، لأن البعض يبصقون عليه.. قائد الثكنة العسكرية، الكرواتى، يحس بالخطر إزاء الميليشيا المحلية، ذات الطابع الفاشى، المدججة بالسلاح، التى تتهيأ للانفصال. وثمة الشاب النحيل، نصف الأبله، الذى بلا مهنة، الذى يحاول، شأنه شأن سكان البلدة، العثور على قط «ميكى» التائه، طمعا فى المكافأة، فيحضر له قطا مرقطا باللون الأبيض تارة، وقطة سوداء، أنثى، بينما القط ذكر.

وراء اللمسات الكوميدية، تتطور العلاقات، الخاصة والعامة، على نحو صارم: الفتاة الألمانية تضيق ذرعا بالمكان، وبالرجل الستينى الذى خمدت جذوته، تنزعج من سلوكه تجاه زوجته، والأهم أن قلبها يتفتح لحب «مارتن»، البرىء، الذى يبادلها حبا بعشق وفى المقابل، يدرك «ميكى» مدى شجاعة وصمود زوجته المهجورة، التى رفضت إعطاء أى معلومات عن زوجها الهارب، خوفا عليه من بطش النظام الشيوعى.. وعلى صعيد آخر، يجتاح وهم القوة تلك الميليشيا، التى تستولى على الثكنة العسكرية وتخطو نحو الانفصال، تجوب فى الشوارع، تقيم المتاريس. ومع قرار الابن الرحيل مع الفتاة الألمانية، يدرك الأب أنه إذا كان هرب بسبب قسوة مرحلة، فإن ابنه يهرب تخوفا من مرحلة أشد وطأة. وبينما الأب يجلس بجانب زوجته السابقة على أرجوحة فى السيرك تدوى صوت الانفجارات من بعيد. إنه فيلم يعنى الكثير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات