سد النهضة.. واللغة المفقودة! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سد النهضة.. واللغة المفقودة!

نشر فى : الجمعة 23 يونيو 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 23 يونيو 2023 - 8:10 م

ما بين أزمة اقتصادية طاحنة تستنزف قدراتها وجهودها بحثا عن مخرج آمن، وبين جوار ملتهب تشتعل فى قلبه وأطرافه الحرائق وتتدفق عبر حدوده موجات من اللاجئين إلى أراضيها، ما يثقل قواها المنهكة بالفعل، تجد مصر نفسها أمام أزمة قديمة تتجدد كل صيف، وهى الملء المستمر لسد النهضة الإثيوبى من دون التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم مع دولتى المصب ينظم تشغيله.
فى نهاية الأسبوع الماضى، أعلن وزير الخارجية الإثيوبى ديميكى ميكونين، أن سد النهضة يقترب الآن من التعبئة الرابعة، زاعما أن «عمليات الملء الثلاث السابقة لسد النهضة لم تُحدث ضررا بدول المصب، وكذلك ستكون التعبئة الرابعة».
سبق هذا الإعلان الرسمى تأكيد تقارير صحفية أن صورا حديثة التقطتها الأقمار الصناعية، كشفت عن قيام إثيوبيا بفتح البوابة الغربية للسد، وترك البوابة الشرقية لتصريف نحو 50 مليون م3 من المياه، وهو ما يؤكد استعدادها للملء الرابع، المقرر خلال موسم الأمطار فى شهرى يوليو وأغسطس المقبلين، وذلك بعد أيام قليلة من تأكيد الهيئة الحكومية الإثيوبية المسئولة عن مشروع سد النهضة، أن بناء السد اكتمل بنسبة 90%.
تعتقد إثيوبيا أن الظروف مواتية لها لإحكام قبضتها وسيطرتها على نهر النيل، والتصرف فيه كما لو كان مجرد «بحيرة داخلية»، وليس نهرا دوليا تحكمه القواعد والقوانين المنظمة لعمل الأنهار الدولية، كما تحاول أديس أبابا إجبار القاهرة على القبول بالأمر الواقع أو التعايش مع الألم والمخاطر التى يسببها سد النهضة لدولتى المصب، وبالأخص مصر التى «توجد على رأس قائمة الدول القاحلة بوصفها الدولة الأقل على الإطلاق من حيث معدل الأمطار بين جميع دول العالم، كما أن نصيب الفرد فيها من المياه سنويا يبلغ نصف حد الفقر المائى»، وفقا لوزير الموارد المائية هانى سويلم، خلال كلمته فى مارس الماضى أمام الجلسة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، والذى أشار إلى أن «مصر تعتمد بشكل شبه مطلق على نهر النيل بنسبة 98 فى المائة على الأقل لمواردها المائية المتجددة، وهى الموارد التى يذهب ما لا يقل عن 75 فى المائة منها للإسهام فى استيفاء الاحتياجات الغذائية للشعب المصرى عبر الإنتاج الزراعى».
سويلم شدد كذلك على المخاطر الناجمة عن التصرفات الأحادية الإثيوبية فى ملء وتشغيل السد من دون اتفاق قانونى ملزم، حيث قال إنه «فى حالة استمرار تلك الممارسات على التوازى مع فترة جفاف مطوّل، قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15 فى المائة من الرقعة الزراعية فى مصر، ومضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية».
طبقا لهذه المعطيات، فإن مصر لا تستطيع بالتأكيد التعايش مع الألم وتحمل المخاطر التى يتسبب فيها السد الإثيوبى حاليا ومستقبلا، وبالتالى ليس أمامها من سبيل سوى مواجهة محاولات إثيوبيا الاستفراد بالنهر والمستمرة منذ عقد من الزمان، مهما كان حجم التحديات.. لكن كيف؟
بداية ينبغى الوقوف على مواطن الخلل التى أدت بنا إلى هذا الوضع ، والعمل على تلافيها فى أى مفاوضات قادمة حتى لا نصل إلى نفس النتيجة، ويضيع نهر النيل من أيدينا إلى الأبد.
كذلك يجب العمل على خلق زخم دولى حول أزمة سد النهضة، من أجل الضغط على أديس أبابا، للتوقف عن اتخاذ إجراءات أحادية تتسبب بضرر بالغ لمصر، وتهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة، وكذلك دفعها نحو «التحلى بالإرادة السياسية، للأخذ بأى من الحلول الوسطى، التى تم طرحها على مائدة التفاوض، والتى تلبى مصالحها، دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتى المصب» مثلما ذكر الرئيس السيسى خلال مؤتمر صحفى فى القاهرة مع نظيره الموريتانى بداية الشهر الحالى.
أيضا يجب أن يستعيد الخطاب الرسمى المصرى، اللغة المفقودة التى لا تخطئها عين، وهى أن إثيوبيا لن تنعم بالتنمية والكهرباء إذا نقصت حصة البلاد من المياه كوبا واحدا، وأننا لن نقبل مهما كانت الظروف محاولة أى طرف تهديد وجودنا وأمننا القومى، أو المس بحقوقنا المشروعة، وتغيير الاتفاقات التاريخية التى تحفظ حصتنا فى مياه النيل.
الوضع بالتأكيد صعب، خصوصا مع انكفاء السودان فى صراعه الدموى الداخلى، لكن عندما يتعلق الأمر بمسألة وجود، فلابد من وضع خطوط حمراء لأمننا ومصالحنا القومية مهما كان حجم التحديات التى تواجهنا داخليا وخارجيا، حيث لا يمكن أبدا ترك مصير الشعوب رهنا للظروف والتطورات غير المتوقعة، أو لمغامرات دول أخرى تهدد بشكل جدى استقرارنا وحدودنا.

التعليقات