طارق حبيب - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طارق حبيب

نشر فى : الأحد 23 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 23 يونيو 2013 - 8:00 ص

تقدم المخرج الشاب بشكوى من نسختين، واحدة لرئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والثانية لوزير الإعلام آنذاك، اللواء أحمد أنيس، عددت الشكوى أسباب رفض المخرج للاستمرار فى التعاون مع طارق حبيب «الفاشل» - حسب النص - لأن برنامجه مثقل بالخمول والبطء الذى يصل لحد الجمود، مما يؤدى إلى الملل الشديد.

 

لم يكن الخلاف بين المخرج والمذيع شخصيا، أو تناقضا أخلاقيا، أو ماليا، ولكنه فى المحل الأول تباعد موضوعى بين عنصرين، وتوجهين ومدرستين.. طارق حبيب، سطعت صورته على الشاشة الصغيرة مع بداية السبعينيات، مدعما بقدرات متميزة وفقا لمعايير تلك الأيام: ثقافة أدبية وفنية، طبيعة هادئة، دمثة يعززها وجه على قدر كبير من الوداعة، بابتسامة مشرقة، دافئة لا تغادر شفتيه، ودود، بسيط، رقيق، نظراته يمتزج فيها الاحترام مع المحبة، ينجح فى إقامة جسور الاطمئنان مع ضيفه.. هذه السمات المتوافقة مع المزاج العام حينذاك، لأسباب كثيرة، تلاشت أو كادت، فأصبح المذيع، على درجة ما من الصرامة لا يسأل بقدر ما يجادل، لا يقيم وزنا للمجاملات، من الممكن أن يتنازع فى الأفكار مع من أمامه، ولا يتردد فى كشف أخطاء أو خلل رؤية ضيقة.. لذا، تكررت ظاهرة مغادرة الضيف للاستوديو غاضبا مما يعتبره تجاوزا من المذيع.

 

هذا الكلام لا يعنى تفضيل مدرسة عن أخرى، ولكن يهدف إلى بيان ملامح الاختلاف بين مرحلة ومرحلة وإذا كان من أسبابها حالة الفوران السياسى الذى نعشيه الآن، بما يحمله من أفكار تقف على طرفى نقيض فإن ما لا يمكن إغفاله فى ظل ندرة القنوات منذ أربعة عقود، أن الضيوف عادة كانوا من ذوى القامات الرفيعة العالية تتنافس البرامج على استضافتهم، واستطاع طارق حبيب بطاقته العاطفية والفكرية تقديم أهم مبدعى وأعلام مصر: نجيب محفوظ، محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ، أحمد رامى، الشيخ محمد متولى الشعراوى، البابا شنودة، توفيق الحكيم.. وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

 

ربما كان «اثنين على الهواء» هو البرنامج الأهم فى قائمة برامج طارق حبيب، يتبلور فيه أسلوبه واضحا ويظهر الفارق الواسع بينه وبرنامج مماثل عنوانه «اثنين فى اثنين» قدمه منذ ثلاث سنوات كل من وائل الإبراشى ومجدى الجلاد.. فكرة البرنامج سواء الأول أو الثانى تعتمد على لقاءين منفصلين مع نجمين يعملان فى ذات المجال بينهما خلافات ما توجه لكل منهما أسئلة وبالضرورة نتعرض للطرف الثانى فى الحوار ثم يتواجه الضيفان بعد سماع ما قاله الآخر وغالبا ينتهى اللقاء بتوقير كل من الضيفين للآخر مهما كان بعد الشقة بينهما حلقات البرنامج الإنسانى بامتياز جمعت بين يوسف وهبى وغريمه زكى طلميات.. فريد الأطرش ومنافسه عبدالحليم حافظ.. ملك الترسو فريد شوقى وخصمه الأبدى على الشاشة ملك الشر محمود المليجى.. تحية كاريوكا ومنازعتها على عرش الرقص الشرقى سامية جمال.. شاركت منى جبر بذات الأسلوب الحميم لطارق حبيب فى تقديم البرنامج.

 

على النقيض من روح المحبة التى سادت «اثنين على الهواء» الهادئ الناعم يأتى «اثنين فى اثنين» وقد انتابته الرغبة العارمة فى التسخين وإحداث صدامات واستدراج الضيوف للإدلاء باعترافات قاسية فبينما انتهت حلقة إيناس الدغيدى وآثار الحكيم الملتهبة بالاتهامات والتجريحات بمقاضاة الممثلة للمخرجة أحدثت أقوال صباح ومريم فخر الدين قدرا غير قليل من اللغط.

 

بأسلوبه الخاص بدت صورة من استضافهم مختلفة عن صورتهم فى البرامج الأخرى أوضح وأصدق وأكثر تواضعا فحين سأل فريد شوقى عما أضافه لشخصية «شحاتة أفندى» فى «السقا مات» لصلاح أبو سيف أجاب لم يكن أمامى أن أضيف شيئا ذلك أن يوسف السباعى فى روايته المدهشة حدد ملامح الرجل الداخلية والخارجية بكل دقة تتبع انفعالاته وأحلامه وأفكاره ورسم ملابسه بتفاصيلها على نحو لم أعثر عليه إلا عند نجيب محفوظ فى شخصيته «حسن أبوالروس» أحد أبطال «بداية ونهاية».. كان على فقط استيعاب الشخصيتين بروحهما وتصرفاتهما.

 

بلا ضغينة أو أى ميل أو هوى أنجز طارق حبيب عشرات الحلقات فى «ملفات ثورة يوليو» التى تعتبر وثائق سياسية وإنسانية نرى فيها ونسمع أصحاب الأسماء التى حفرت حضورها فى التاريخ وربما هى المرة الوحيدة التى نستمع فيها لشهادة وصوت شمس بدران، الملكة ناريمان، عبد القادر حاتم، مدكور أبو العز، والعشرات غيرهم.. وفى كلمات موجزة وصف مؤرخنا المنصف يونان لبيب رزق هذا الإنجاز بقوله: استطاع صاحب هذا العمل من خلال حوارات غير تقليدية أن يستخرج من سرائر من حاورهم كثيرا مما يمكن أن يرتقى لمستوى الأسرار.

 

دار الزمن دورة وأخرى ولأسباب صحية ومهنية انقطع طارق حبيب وعاد عدة مرات.. ولكن فى المرة الأخيرة أصبح الصخب عاليا فى معظم القنوات وبدا أسلوب طارق حبيب غريبا وبالتالى قدم المخرج المذكور شكواه وهو لا يدرك قيمة رجل ترك لنا ميراثا غاليا سيأتى كما أتمنى من يحافظ عليه وينهل منه.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات