كان قرار الانفصال شجاعا.. وكنت جبانة لأني تأخرت فيه - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 7:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان قرار الانفصال شجاعا.. وكنت جبانة لأني تأخرت فيه

نشر فى : الخميس 22 يونيو 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 22 يونيو 2023 - 8:15 م

نشر موقع رصيف 22 مقالا للكاتبة هالا عيد الناجى، تناولت فيه أن قرار الانفصال ليس قرارا سهلا، لكن بمجرد تخطى المرأة هذه التجربة تصبح أنضج وأقوى من ذى قبل... نعرض من المقال ما يلى:

بعد أكثر من عام ونصف على انفصالى، يبدو الزحف لمرور كل هذا الوقت قاسيا بما يكفى لأقول بأنى سلحفاة فقدت إحساسها بالوقت تمشى إلى نفسها على لوحٍ من الإبر الواقفة. لم ينته صمود الإبر ولا وجع السلحفاة. كان الوقت وحده يمضى إلى وجهته، وانتهى اليوم هنا، فى هذا النص.
• • •
كان قرارا شجاعا وكنت جبانة بما يكفى لأتأخر عنه كل هذا الوقت. القرارات الكبيرة دوما ندفع لأجلها أثمانا كبيرة أيضا، وقد نخسر الكثير لننقذ أنفسنا من قاع كنا نغرق فيه إلى ظلام لا يشبه حتى عتمتنا.
• • •
نحن النساء من نتخذ هذا القرار؛ نمارس الصمود والتشبث طول الوقت، نتعلّق بأملٍ خفيف الظل، ثقيلٍ على القلب لأنه مغموس بالألم. يشبه الأمر التعلّق بغيمة تمرّ من فوقك لتمطر فى جهة أخرى بعيدة عنك، ويحدث أن نلعن أنوثتنا الهشّة، أمومتنا العاجزة، الأنا اليائسة، الذات الخائفة والدموع التى تكابر طول الوقت كيلا تخذلنا على حين غرّة.
• • •
فهمت الآن لماذا تستكين النساء، لماذا يمتهن الصمت، لماذا يفضّلن التكيّف على التكلّف، فالتكلفة التى ندفعها لهذا القرار الكبير لا تقوى على حملها كثيرات.
• • •
قرار الانفصال ليس سهلا ولا يجب أن يكون. إذا شعرت أى امرأة بأنها فى علاقة سامة أو غير منصفة بحقها فيجب أن تفكّر بالتصويب والإصلاح أكثر من الانفصال والتخلى. على كل علاقة أن تأخذ وقتها وتستمرّ إلى رمقها الأخير، قد يستغرق الأمر شهورا وسنوات ربما، لكن حين نصل إلى النهاية حيث مرحلة التخلى التام يصبح قرار الانفصال سهلا، ولا يتبعه ندم أو أسف على تسرع، ويصبح النضال والصمود من أجل النجاة أمرًا لا هوان فيه. استغرق الأمر لدى ما يقارب تسع سنوات؛ كان هذا حال صبرى وطاقتى على العطاء إلى أن انتهيت. تسع سنوات دفعتها كى أنقذ ما تبقى من العمر وأسعف ما لدىّ من الأنا.
• • •
عقب هذا القرار؛ تعيش كل منّا مرحلة معقدة نفسيا ذهنيا، تدخل فى استجواب دائم لكينونتها، أمومتها، أنوثتها، ذاتها، مشاعرها، وعيها. تحاكم نفسها كثيرا بالشفقة على نفسها أحيانا وبالجلد أحيانا أخرى.
• • •
والتعافى من تبعات هذا القرار هى رحلة طويلة، تكتشف فيها أن الذكريات ندوب لا تختفى ولا تكف عن العمل، تواصل نخزك باستمرار، وإن لم تأكل ألمك تباعا سيأكلك هو. لذا عليك أن تصبح ميكافيليا باستغلال ألمك لفعل ما تحب، فاستغلال الألم قد يسعف الكثير من روحك.
• • •
أوروبا بأنظمتها التى تدّعى مناصرة المرأة لا تختلف كثيرا عن أنظمتنا السائدة فى بلادنا والتى تحكمها السلطة الأبوية والذكورية اللعينة. الفرق الوحيد يتجلّى فى ثقافة المجتمع الذى لا يعنيه بالمطلق من تكون وما هى حالتك الاجتماعية، على نقيض مجتمعاتنا التى تشكل فيها حوادث الناس الشخصية مادة حديث دسمة للجميع، بل وتنطلق بعدها الأحكام عليك من هذه المنطلقات.
• • •
فى هذه المواقف غالبا ما ينفضّ الجميع من حولك، تدرك من معك ومن عليك، من يحبك ومن يحابيك، من يساندك ومن يشفق عليك، من يعزّيك ومن يلومك، من يحترمك ومن ينتهز الفرصة، لتكتشف أن عالمك الذى تعرف لا يشبه هذا العالم الوحشى خلف شباك سكينتك.
• • •
بعيدا عن التفاصيل الخاصة وبالرغم من قسوة التجربة وهذا القرار الكبير القوى، تظل تجربة الزواج تجربة حياة كاملة مليئة بالدروس. الزواج مدرسة حياة حقيقية نختبر فيها وعينا، مهاراتنا الاجتماعية، صبرنا، عواطفنا، نسقنا الاجتماعى، نغوص فيها بعمق أكبر لإشكاليات المجتمع التى قد تبدو بعيدة، لكنها فى واقع الأمر هى صلب هذه المؤسسة المسماة بالزواج.
• • •
فالهجرة، الإجراءات البيروقراطية، قوانين لم الشمل، الاغتراب، القوانين الأوروبية، الذكورية الشرقية، أساليب التربية الحديثة، مسألة الدين، المعتقدات والتقاليد، العادات الرجعية، الانفتاح والتحرّر وغيرها، كلها إشكاليات تنخر فى جدران كل منزل وكل مؤسسة زواج، بل وكل علاقة. ومع هذا الايقاع السريع للحياة، يزداد تراكم التبعات وتكاثفها على كاهل أشخاص بات الصبر بالنسبة لهم فى صراع طويل مع الوقت الذى يأكل طاقتهم على التحمّل، العفو، التفهم والمجاراة.
• • •
حين تنجح المرأة فى تجاوز تجربة زواج كاملة لم تنصفها، تصبح أكثر نضجا وانتقائية، تصبح أكثر تفهّما لما يعنيه أن تكون شريكا داعما وشخصا حرّا بذاتك، لما يعنيه هذا العش وكيف يكبر، كيف نستر عيوبه معا وكيف نرمّم ما تآكل منه معا، كيف يكبر الاثنان وتُخلق العائلة، كيف تبدو الأبوة والأمومة والذات بينهما.
• • •
كل فتاة تخوض تجربة الزواج؛ سواء نجحت فى الاستمرار بها أو النجاة منها، تؤثر فى تجربتها تجربة والديها والتى تظهر بأشكال مختلفة؛ تارة كمحفّز وداعم وتارة كمهدّد ومصدر خوف وعُقَد هدّامة، لذا على الآباء أن يعزّزوا المعنى الأسمى للزواج والحياة التشاركية ودورهما فى تمتين الذات، ويصبحوا قدوة حقيقية فى هذا الأمر. من المؤسف أن الكثير من النساء يخضن صراع النجاة هذا ليس مع الشريك وحسب، بل مع الأهل إذا ما اختاروا الوقوف فى جبهة مضادة غير عادلة.
• • •
الأطفال هم الجانب الأكثر حساسية فى هذه التجارب. على النساء أن يدركن أن امرأة لا تكفى ذاتها لن تكفى أطفالها. امرأة لا تقوى على حماية كيانها وحدود شخصها وحقوقها لن تقوى على حفظ حق أولادها أو تعزيز ذواتهم، والتنازل والخضوع أمران ندفع ضريبتهما لاحقا، ويدفعها الأبناء تباعا دون وعى منّا.
• • •
الأمهات قدوة أبنائهن، وما يقال شعبيا حول أقدار البنات التى تشبه أقدار أمهاتهن، تبدو حقيقة مبطنة. كونى قوية بما يكفى لتختارى قدرا ينصف وجودك فى هذه الحياة؛ كى تختار الحياة أقدارا منصفة لأطفالك، الحياة تخاف القوى.

النص الأصلي

التعليقات