أزمة الرعاية المجتمعية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الرعاية المجتمعية

نشر فى : الخميس 22 يونيو 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 22 يونيو 2023 - 8:15 م

نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، تقول فيه إن أزمة كورونا كشفت هشاشة الجمعيات الأهلية ــ بخاصة فى تونس ــ، موضحة أن العمل الخيرى يقدم لفئة دون أخرى حسب الطبقة والسن والجندر والثقافة وغيرها من المحدّدات لا يقوم على أساس الحس الإنسانى، مما يعنى انعدم العدالة فى توزيع الخدمات للمحتاجين.. نعرض من المقال ما يلى.
يرى عدد من المنظرّين أنّ من أهمّ الدروس المستخلصة من أزمة كورونا عدم نجاح المجتمعات المعاصرة فى مواجهة النتائج المترتبة عن استشراء هذا الفيروس بالقدر الكافى، وهو أمر راجع إلى هيمنة قيم إيثار النفس وثقافة مراعاة المصالح الفردية وقلّة التعبير عن التعاطف والعزوف عن الانخراط فى شبكات التضامن، وهو ما أدّى إلى الاعتراف بوجود «أزمة رعاية» مجتمعية. وقد أعيد طرح هذا الموضوع بعد بروز الأزمات الاقتصادية التى تمرّ بها كلّ بلدان العالم، وعسر معالجة انهيار الميزانيات وتراجع تصنيف أغلب الدول فكان البحث على مقاربات جديدة لمناهضة كل أشكال الاستغلال الناجمة عن الرأسمالية والنيوليبرالية وإعادة النظر فى توزيع الأدوار بين الجنسين التى تنسب رعاية الأطفال وكبار السن والمرضى إلى النساء فقط فضلا عن التدبر فى قيم التآزر والتضامن التى كانت ترسخها العائلة الموسعة ويمارسها الأجوار والأصدقاء ولكنّها أضحت محدودة الحضور فى حياتنا اليومية. أمّا على الصعيد التونسى فقد اقتصر الأمر على عرض حلول تتصل بالاقتصاد التضامنى، وبعث الشركات الأهلية وغيرها.
غير أنّ المعاين لمعاناة المنسيين فى السياسات العامة كالمتسولّين (أطفال، نساء، شيوخ، مهاجرون، معاقون..) وتضاعف أعداد «البرباشة» وتنازعهم حول فضاءات العمل والمتابع لصدور أحكام بسبب سرقة رغيف أو علبة تنّ أو غيرها من المواد لا يملك إلاّ أن يتساءل عن دور الجمعيات التى كانت تقوم بأنشطة تصنّف على أنّها رعائية أو خيرية وفق الأيديولوجيا التى يتبنّاها مؤسسو هذه الجمعيات. ولعلّ ما يسترعى الانتباه أنّ الأعمال الخيرية التى تجذّرت فى التاريخ الاجتماعى التونسى من خلال ممارسات ومعاملات كالأحباس والهبات وتكفّل بعض العائلات بمصاريف عدد من اليتامى وتقديم خدمات متنوعة للمعوزين سرعان ما أصبحت خلال العقدين الأخيرين، مقترنة فى المتخيل الجمعى بالجمعيات الممثّلة «للإسلام السياسى» ثمّ فى مرحلة الانتخابات، ذات صلة ببعض الأحزاب (كحزب «المقرونة»). ولكن لنا أن نتساءل لِم لَم تظهر مقاومة لتحويل وجهة العمل الخيرى ولاحتكاره لفائدة فئة من المجتمع وتسييجه فى دائرة النشاط السياسى؟
إنّ فهم التونسيين للعمل الخيرى يختلف باختلاف الطبقة والسنّ والجندر والدين والثقافة العامة والتجارب الشخصية والمرجعيات الأيديولوجية وغيرها من المحدّدات. فمن النساء الناشطات فى الجمعيات الإسلامية مثلا من يعتبرن أنّ المساعدات لابدّ أن توجّه إلى الفئات التى تعانى من الإعاقة أو الأمراض المزمنة حتى لا تكون الجمعيات داعمة للتواكل والعطالة إذ إنّ الإسلام يحثّ على العمل والسعى والكدّ، ومنهنّ من تذهب إلى أنّ «الإعانات» لا تقدّم للأمّهات العازبات أو غير الملتزمات شرعيا.. وعلى هذا الأساس يعدّ المعيار الأخلاقى أو الدينى أو المذهبى مهمّا بالنسبة إلى فرز المجموعة المنتفعة بالدعم المالى. وفى المقابل تشير بعض شهادات المُعينات المنزليات إلى أنّ عددا من المُشغّلات يُلقين ببقايا الطعام أو الملابس فى المزابل ويرفضن انتفاع النساء به مع علمهن بظروفهن القاسية لأنّهن يعتبرن ببساطة، أنّ دفع الأجرة يُخرج المعينة المنزلية من العوز وأنّه لا يجب تشجعيها على «الطمع». ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى فهم التونسيين لأدوار الرعاية إذ يعتقد أنّها من مسئولية النساء وذات بعد عائلى، أى أنّها مرتبطة بالفضاء الداخلى، وهو فهم عملت الأنظمة الرأسمالية على ترسيخه بالفصل بين الإنتاج وإعادة الإنتاج من جهة، والمادى والرعائى من جهة أخرى.
وسواء تحدثنا عن المبادرات الخيرية الاجتماعية المرتبطة بالقناعات الدينية والروحنة أو عن الأنشطة الرعائية الموجهة إلى الفئات المنسية والمهمشة فإنّ السياق الحالى يستدعى تشجيع العمل الرعائى التطوعى الذى يبرز المسئولية المواطنية التى تتأسس على قاعدة الحسّ الإنسانى وخارج المحددات التقليدية (الدين، بنى القرابة، الجهويات..)، وهى علامة على التحضّر والتماسك الاجتماعى فى أزمنة العسر.

التعليقات