البرنسيسة والأفندى.. والصديق المجهول - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 8:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرنسيسة والأفندى.. والصديق المجهول

نشر فى : الجمعة 22 مايو 2009 - 8:13 م | آخر تحديث : الجمعة 22 مايو 2009 - 8:13 م

 لا تقترب من هذا الكتاب إذا كنت مشغولا، لأنه سيخطفك من مشغولياتك ويستدرجك لقراءة أوراقه التى تتجاوز الستمائة صفحة من القطع الكبير، العنوان خادع، يؤكد أنه عن الأميرة فتحية ورياض أفندى غالى، ولكن تكتشف سريعا أنه عن عصر كامل، يتسلل بك إلى أروقة القصور الملكية، يقف وراء الستائر ليريك ما يدور من اتفاقات وقرارات ومؤامرات ودسائس، يشرح لك المناخ السياسى عالميا ومحليا، يرصد الحركة الصحفية والفنية والفكرية بتطوراتها خلال ما يزيد على قرن من الزمان، وهو فى هذا لا يسجل ما يعرفه من مواقف ووقائع وأحداث وعلاقات، على طريقة المؤرخين الذين تمتلئ كتاباتهم برائحة الماضى، ولكنه يستطيع بمهارة أن يحيل سطوره إلى أنفاس وأحاسيس ومباهج، ودموع، إنه نابض بالحياة.

صلاح عيسى، قصاص، يعرف أصول السرد، ما جعل كتابه أقرب للرواية، وله مقالات مهمة عن أفلام سينمائية، وسواء فى «البرنسيسة» أو «رجال ريا وسكينة» أو «الثورة العرابية»، لن تجد مادة سينمائية غنية وحسب، بل تلاحظ أنها كتابات أقرب للسيناريوهات التفصيلية الجاهزة للتنفيذ، فهو يهتم بتفاصيل الديكور والاكسسوارات ونوعية انفعالات أبطاله، ويتابع، بعين كاميرا يقظة، الحركة المادية لشخصياته، ولعل دقة وصفه لمقتل الأميرة واستفادته من تنوع اللقطات، ما بين كبيرة وقريبة وعامة، فضلا عن «الفلاش باكات»، يعطى لروايته مذاقا سينمائيا بديعا: ... رأت فى عينيه ومضة جنون من النوع الذى كان يطل منهما حين كان ينهال عليها وعلى شقيقتها «فائزة» والملكة العجوز بالصفعات والركلات.. فتراجعت بظهرها خائفة إلى غرفة النوم وهو يتقدم نحوها إلى أن وجدت نفسها محاصرة بين السرير والكوميدينو حيث لا مفر، فجلست القرفصاء، وحين أصبح على بعد ياردة انطلقت الرصاصات.

مثل رجل السينما المحترم، اهتم صلاح عيسى بالصور، كما لم يفته إفساح مناطق لـ«كومبارس التاريخ»، ولكن ثمة شخصية رائعة لم يكترث بها صلاح، بل أطفأ كشافاته عنه فبقى فى الظلام، فبعد أن فقد رياض غالى ماله ودمرت حواسه وأصبح قعيدا مهجورا، لا يشفق ولا يسأل عنه أحد، يصل إلى السجن خطاب من صديق يعرض فيه استعداده لعلاجه وإيوائه مدى الحياة فى لندن، وإذا كان من المنطقى ألا يتعرف رياض غالى، الميت الحى، على صاحب الشمعة الوحيدة فى عتمته، فهل من المنطقى أن يتجاهله صلاح عيسى؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات