كلنا عايزين سعادة - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلنا عايزين سعادة

نشر فى : السبت 22 أبريل 2023 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 22 أبريل 2023 - 7:25 م
مونولوج إسماعيل ياسين الشهير الذى جاء ضمن أحداث فيلم «المليونير الفقير» طرح العديد من الأسئلة الفلسفية عبر كلمات أبو السعود الإبيارى: «كلنا عايزين سعادة، بس إيه هى السعادة؟ والا إيه معنى السعادة، قولى يا صاحب السعادة، قولى قولى». هل هى فى المال والجاه؟ أم فى الحب والغرام؟ أم فى الرضا والقناعة؟ احتار المفكرون والحكماء فى الإجابة عبر العصور، بل بدأت جامعة هارفارد الأمريكية دراسة بهذا الصدد عام 1938، واستمرت فى متابعة نحو 700 شخص من أوساط مختلفة على مدار 85 سنة، بعضهم كانوا طلابا مراهقين بها، وبعضهم انتمى لأحياء بوسطن الفقيرة. حاولت الدراسة الخروج بالنتائج من إطار الأفكار النمطية، لأن منظورنا للسعادة ارتبط هو أيضا بالعديد من المسلمات التى نرددها دون تدبر. توسعت لتشمل أحيانا شركاء وأبناء عينة البحث، راحت تفحص علاقاتهم وطبيعة مشاعر كل هؤلاء، حتى وصلت لبعض الاستنتاجات حول سعادة من حظوا بحياة يدفئها الحب والحنان، وكيف أنهم تمتعوا بصحة أفضل عند الكبر، فسر السعادة بالنسبة للمبحوثين كان يكمن فى علاقاتهم بالآخرين أكثر من تحققهم العملى والمادى.

• • •

نعرف أن السعادة تختلف عن اللذة، فهذه الأخيرة متقطعة، عابرة، وقتية، أما الأولى فأكثر استقرارا ومتانة ورصانة. هى حالة من السلام النفسى الذى قد تشكله مجموعة من المسرات والفرحات الصغيرة المتلاحقة. نتذكر مباهج الصبا وألعاب الطفولة، ما قرأناه يوما بخيال أكثر اتساعا من هذا الكون أو ما رواه لنا الأجداد. نتذكر كيف أتاحت لنا عبارة «افتح يا سمسم» المدهشة الاغتراف كما شئنا من كهف على بابا وكيف حمل البساط السحرى بطل الحدوتة إلى أماكن لم تطأها قدم، وتجولنا نحن معه، وكيف كان يكفى أن يحك أحدهم مصباح علاء الدين لكى يحصل على ما يريد. فى هذا العالم الطفولى توجد جبال الفاكهة وروائح من كل الألوان.. هنالك طيور موسيقية وأناس محبين للرقص والغناء، وملابس أنيقة جديدة كفستان العيد الذى يحمل قيمته فى المناسبة التى اشتريناه لأجلها وليس فى ثمنه.
بعدها بسنوات صارت السعادة ربما فى أن تجلس للقراءة والاستماع إلى الموسيقى لكى تتخلص من التعب والقلق على أنغام البيانو أو مقطوعة لشوبرت على آلة الهارب أو عزف عبقرى على العود، أن تأكل وجبة لذيذة مع أشخاص يحبهم قلبك وترتاح إليهم، دون تكلف أو تصنع، أن تكتشف خطابا قديما فى سوق شعبى كتب أحدهم فى بدايته «تحياتى وأشواقى»، وتظل تتتبع خيط الحكايات التى تقف وراء هذه المراسلات. الصوت الجميل لطائر الكروان فى هزيع الليل، ومنظر أشجار «دقن الباشا» فى الشوارع. جلسات مع أذكياء تجعلك تقتحم عقول العمالقة وتستفز قدراتك على أن تصنع شيئا خارج المألوف وأن تكون لك بصمة خاصة. كل ذلك حريُ بأن يرفع نسبة هرمونات السعادة ويجعلك تنسج ببطء شبكة من الحب يمكنك عن طريقها اصطياد الأرواح. تمتلئ بكلمات غاندى حين يُعرِف السعادة بأنها «توافق فكرك وقولك وفعلك»، وتشكر الله أنه وهبك حس الفكاهة والقدرة على السخرية من المصائب، وإلا ساء مصيرك.

• • •

تلك هى الأشياء البسيطة التى تدخل السعادة إلى قلبى وترسم الابتسامة على وجهى كلما سرحت بها، فماذا عنك؟ ما الذى يسعدك؟ وظيفة بأجر أعلى؟ رحلة بحرية إلى البحر الكاريبى؟ صحة أفضل؟ أن تصبح أكثر رشاقة وأناقة؟ أن تفرح بالأولاد؟ ما الذى يجعلك تشعر بأنك ممتن للوجود ومكتفٍ بذاتك، خاصة ونحن نعيش سلسلة من الكوابيس العالمية؟ نحاول أن نقتنص لحظات الفرح والعيد، نحاول ألا نكون مثل المهرج الذى يضحك وقلبه حزين، نحاول أن نهرب من مصير الكثيرين مثلنا الذين يعملون بجد معظم الأيام، لكى يمرحوا بجد فى نهاية الأسبوع ويحتفلون كما لو كانت آخر مرة. يحاولون ملء جعبتهم بهرمونات الدوبامين والسيرتونين، لكنهم لا يستطيعون الهروب من الأفكار المسبقة والعبارات المأثورة التى كررها السابقون وسيكررها اللاحقون... بعضهم يحاول دون جدوى ويلهث وراء سعادة كاذبة. يقع فى براثن تعاسة مقنعة، تعاسة مستدامة... وتستمر رحلة البحث.
إعلان يحث على التبرع لمستشفى خيرى يعيد إلى أذهاننا مونولوج «كلنا عايزين سعادة، بس إيه هى السعادة؟»، وقبل سنتين ذكرنا به يحيى الفخرانى حين أداه ببراعة فى مسلسل «نجيب زاهى زركش»، ثم مع شم النسيم كان موعدنا مع أغنية أخرى مبهجة وهى «الدنيا ربيع والجو بديع، قفل لى على كل المواضيع»، اثنان من مبدعيها وقعا فريسة للاكتئاب رغم كل السعادة التى أدخلوها إلى قلوبنا، فمع قِدم السؤال إلا أنه يحتاج إلى وقفة مع النفس من وقت لآخر.
التعليقات