أساطير أوكرانيا من «القديسة جافلين» إلى «الريجانية»! - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 9:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أساطير أوكرانيا من «القديسة جافلين» إلى «الريجانية»!

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2022 - 8:00 م
نشر موقع 180 مقالا بتاريخ 20 مارس للكاتب سميح صعب حلل فيه موقف الرئيس جوبايدن من حرب أوكرانيا، ورغبته من خلال الحرب فى إدخال روسيا فى مستنقع مثل الذى وقع فيه الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، وترميم شعبيته التى انهارت بعد قرار الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، وأخيرا توحيد الموقف الأوروبى خلفه الذى كان قد فقد الثقة فى الولايات المتحدة.. نعرض منه ما يلى.
فى السرديات الغربية أن الفضل فى إسقاط الاتحاد السوفيتى يُعزى إلى الرئيس الأمريكى الراحل رونالد ريجان، لأنه هو من وصف الاتحاد بـ«إمبراطورية الشر» وأطلق «حرب النجوم» ليكسر قاعدة «الردع النووى المتبادل» وزوّد «المجاهدين» الأفغان بصواريخ «ستينجر» التى أحدثت فارقا فى الحرب، وجعلت موسكو تفكر فى الانسحاب، ومن ثم حصل الانهيار.
جو بايدن يحاول الآن أن يكون رونالد ريجان القرن الحادى والعشرين، فيسحب التجربة الريجانية فى أفغانستان على أوكرانيا، معتمدا على عقوبات غربية غير مسبوقة على روسيا.. وعلى تزويد كييف بـ«أسلحة فتّاكة» فى مقدمها صواريخ «جافلين» المضادة للدروع التى بحسب التقارير الغربية حالت حتى الآن دون اقتحام الدبابات الروسية للعاصمة كييف أو للمدن الكبرى، وبدأ الأوكرانيون يطلقون عليها لقب «القديسة جافلين». وإلى «جافلين» التى صارت رمزا أساسيا من رموز الحرب، تُرسل واشنطن أيضا صواريخ «ستينجر»، إلى الطائرات المسيرة من الطراز «الانتحارى»، إلى منظومة صواريخ «إس ــ 300» المضادة للطائرات السوفياتية / الروسية الصنع. ويبدو أن بايدن لن يترك حجرا إلا ويقلبه بحثا عن هذه الصواريخ، وكأنه يريد أن يهزم روسيا بسلاحها.
وكى لا يترك بايدن الجمهوريين يزايدون عليه فى حب أوكرانيا، بلغت المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف فى غضون الأسابيع الأخيرة أكثر من مليارى دولار.
ولهذه الخطوات صلة مباشرة بسعى الرئيس الأمريكى إلى إعادة ترميم شعبيته التى انهارت بعد الانسحاب من أفغانستان، وبفعل زيادة التضخم فى الداخل الأمريكى فى سنة الانتخابات النصفية، التى كانت التوقعات ترجح فوزا ساحقا للجمهوريين فيها، مقدمة لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى 2024. وأتت أوكرانيا لتشكل حبل النجاة لبايدن والديمقراطيين، الذين يعتبرون أن فى إمكانهم قطف ثمار التعبئة الواسعة ضد روسيا، فى صناديق الاقتراع فى نوفمبر المقبل.
وكلما اقترب موعد الانتخابات النصفية، لن يتردد بايدن فى تقديم المزيد والمزيد من المساعدات لأوكرانيا والتصعيد أكثر فى وجه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى حد وصفه بـ«مجرم حرب»، عاكسا ما ردّده دائما فى خطاباته من هذه الحرب هى «حرب بوتين»، فى إشارة إلى أنه لا يستهدف روسيا كبلد وإنما قيادتها، التى سارت بها إلى الحرب.
• • •
وفى ذروة المواجهة مع روسيا، لا ينسى بايدن الصين التى كان يعتبرها همه الأساسى منذ دخول البيت الأبيض، لذا فهو يكثر من إطلاق التحذيرات من مغبة إقدامها على إنقاذ روسيا من ورطتها فى أوكرانيا، من طريق تقديم أى مساعدة عسكرية أو اقتصادية لها، ويطالبها بأكثر من ذلك، وهو التعبير عن إدانة علنية للغزو الروسى والخروج من المنطقة الرمادية التى تتظلل بها الصين منذ 24 فبراير الماضى. ويضع بايدن الميزان التجارى المختل لمصلحة الصين بنحو 360 مليار دولار، فضلا عن الاستثمارات الصينية فى سندات الدين الأمريكى والتى تفوق التريليون دولار، على المحك. وفى الخلاصة إما أن تكون الصين مع الغرب فتنقذ اقتصادها أو تختار روسيا فتتحمل العواقب. هذه خلاصة المكالمة الهاتفية عبر الفيديو يوم الجمعة الماضى بين بايدن والرئيس شى جين بينج، والتى سبقها اجتماع الساعات السبع فى روما بين مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان والمسئول عن السياسة الخارجية فى الحزب الشيوعى الصينى يانج جيشى.
• • •
ومن الأوراق الرابحة فى يد بايدن، هو الموقف الأوروبى الموحد خلفه فى المواجهة مع روسيا. ولإجراء مقارنة سريعة فى ما يتعلق بالتبدل الذى طرأ على هذا الموقف، لا بد من الإشارة إلى أنه عندما زار بايدن أوروبا فى يونيو من العام الماضى، لقى استقبالا فاترا من زعمائها، لأن الحلفاء كانوا لا يزالون تحت صدمة الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، مما غذى الشكوك لديهم بمدى جدية بايدن فى وضع شعاره «أمريكا عادت» موضع التنفيذ، بالاستناد إلى الاستياء الذى تولد لديهم من قرار الانسحاب المتعجل من أفغانستان والإجلاء الفوضوى الذى رافقه.
هذا كله قاد زعماء أوروبيين وفى مقدمهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، إلى إعادة إثارة مسألة «الاستقلال» دفاعيا عن الولايات المتحدة، لا سيما بعد الشرخ الكبير الذى أصاب العلاقات بين ضفتى الأطلسى فى ظل رئاسة دونالد ترامب.
وعندما اقترح بايدن على حلفائه فى بروكسيل العام الماضى أن ينضموا إليه فى حملة احتواء الصعود الصينى، وجد صدودا وترددا، كيف لا وبكين هى الشريك التجارى الأول للاتحاد الأوروبى. وبالكاد تمكن بايدن من إقناع قادة مجموعة الدول الصناعية السبع بإطلاق مبادرة بمئات مليارات الدولارات لمواجهة ما يربو على تريليون دولار تنفقها بكين على مبادرة «الحزام والطريق» التى تشمل ما يربو عن 60 دولة.
بعد أوكرانيا، سرعان ما تبددت أجواء الشك وعدم اليقين بين أمريكا وأوروبا، وتوحد الجانبان على نحوٍ لم يعهداه منذ الحرب الباردة. واستبق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قدوم الرئيس الأمريكى إلى بروكسيل، بتبييض صفحة حلف شمال الأطلسى، بالقول إن أوكرانيا كانت بمثابة «صدمة كهربائية» أيقظت الحلف من موته السريرى، فى استدراك لما قاله عام 2019. والمستشار الألمانى أولاف شولتس يستقبل بايدن بإنفاق دفاعى سنوى يزيد عن 110 مليارات دولار (أى ضعف الموازنة الدفاعية لروسيا تقريبا)، والتفكير بشراء مقاتلات «إف ــ 35» الأمريكية. وبالكاد تختلف لهجة جوزيب بوريل عن لهجة الأمين العام لحلف شمال الأطلسى ينس ستولتنبرج، وإذا بالفوارق تذوب بين تكتل اقتصادى وحلف عسكرى.
ويذهب الأوروبيون أبعد من ذلك، فهم نزولا عند رغبة بايدن، بدأوا التفتيش عن بدائل للنفط والغاز الروسيين، وشرعوا فى وضع الجداول الزمنية التى يفترض أن يحين معها موعد «الفطام» عن موارد الطاقة الروسية، والتعبير لرئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، الذى يتصرف أيضا وكأن «بريكست» لم تكن، بينما كان حتى الماضى القريب يتبادل التهديدات مع فرنسا على خلفية حقوق الصيد.
وفتحت الدول الأوروبية أبوابها للملايين من اللاجئين الأوكرانيين من دون تذمر أو شكوى، ولم تكن هذه هى الحال مع اللاجئين الأفغان الفارين من وجه طالبان العام الماضى، أو قبلها مع اللاجئين السوريين والعراقيين. وبصرف النظر عما إذا كانت ثمة دوافع عنصرية، فإن أمر العمليات الأميركى يقضى باستقبال الأوكرانيين وإكرام وفادتهم، كى لا يتسنى للرئيس الروسى استخدام اللاجئين سلاحا فى الحرب على أوكرانيا.
وتتسابق الدول الأوروبية على فتح برلماناتها أمام الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى ليتحدث أمامها ويشرح قضيته ويكرر طلبه من حلف شمال الأطلسى بفرض منطقة حظر للطيران فوق بلاده، ومن الاتحاد الأوروبى تسريع عملية انضمام كييف إلى الاتحاد. ويبدو الأمر أحيانا وكأن زيلينسكى مقتنع فعلا بأن الغرب مستعد للموت من أجل أوكرانيا وليس العكس.
• • •
الموقف الأوروبى الموحد الذى يتجه نحو زيادة كبيرة فى الإنفاق الدفاعى، يُسعد ولا شك بايدن، لأنه يتيح له الاستمرار فى حشد ما يكفى من القوات التقليدية فى المحيطين الهادئ والهندى فى مواجهة الصين، بينما يتولى الأوروبيون تعزيز قواتهم على الجناح الشرقى لحلف شمال الأطلسى.
طبعا، كل الإجراءات التى يتخذها بايدن الآن تقوم على افتراض أن روسيا وقعت فى الفخ الأوكرانى، وأن أمامها سنوات من الاستنزاف العسكرى معطوفا عليها العقوبات الغربية، وهذا كفيل بجعلها تواجه كارثة استراتيجية مشابهة لتلك التى تلقتها بتفكك الاتحاد السوفياتى قبل ثلاثة عقود من الزمن.
هل فى إمكان الولايات المتحدة الوصول إلى غايتها؟ ذلك يتوقف على الميدان الأوكرانى قبل كل شىء.
النص الأصلى

التعليقات